نهر الجهالات في بلاد الخرافات

نهر الجهالات في بلاد الخرافات
بقلم: توفيق أبو شومر

ستظلُّ ساحتُنا مرتعا للترهات والخرافات والأباطيل، وهي علامةٌ على تردِّي الوضع الثقافي والاجتماعي، مما يؤدي إلى انتشار الإحباط.

المحبَطون دائما يبحثون عن مبررات لإحباطهم، ليخرجوا من مأساتهم، ليس بإشفاء أنفسهم بوسائل علمية وطبية، ولكن بطريقة أخرى أسهل؛ أي بنشر الخرافة، وتعميم الترهات والأباطيل، فالمُحبَط عندما ينشر الخرافات يلتذُّ بإحباطِ  مَن حوله، ويجد عزاءه فيمن يحيطون به.

وبسبب الضائقة التي يُعاني منها الفلسطينيون، ولا سيما أهل غزة، فإن الخرافات تظل طبقا شعبيا للجاهلين والمُحبّطين.

فما إن تزول خرافةٌ، حتى تحلَّ محلها خرافةٌ أخرى، لا تقل عنها في قصتها، وحجم مُصدقيها.

ليست المشكلةُ فقط في رواد مقاهي الخرافات، والترهات، والأباطيل، بل المشكلة فيمن يُساهمون في نشرها وتسويقها.

فإعلام الألفية الثالثة، أصبح مدمنا على هذه الظاهرة، لأنها تُدِرُّ عليه دخلا كبيرا، لأن موارد الإعلان تأتي من مرتادي الشبكات الإعلامية!

                                                                        فمنذ أكثر من شهر انتشرت في غزة شائعةُ الجدي الحلوب، ذي الحليب الشافي من كل الأمراض المعدية، والمستوطنة، وأمراض الجينات، وكل الأورام،وخلل الأعضاء!!

وما إن استقبل الغزيون باستغراب قرار إعدام الجدي الحلوب، المقدس!! في كثير من الصحف والمواقع الإخبارية، حتى ظهرت خُرافةٌ أخرى جديدة، وهي ظهورُ شبحٍ أو مَلاكٍ، أو جِنِيٍ، في منطقة خانيونس، ولإكمال القصة، وإثارة المتابعين، جرى تحديد ظهور الشبح، في موقع لكنيس يهودي من زمن المستوطنات، تحول إلى مسجد، وأن عدسات الكاميرا التقطت صورة للشبح!!!

وكانت صحفُ العرب أيضا تنقلُ قصة شيخٍ (مُقدسٍ)، أسمتُهُ الصحف: شيخٌ مستجاب الدعوة، وهو شيخٌ" كان يقرأ آية من القرآن:" وما مِن دابةٍ في الأرض، إلا على الله رزقُها" فبكى، وفوجئ المصلون أثناء بكائه بنزول المطر، وهكذا استجيبتْ دعوتُه، بنزول المطر!!!

وكانت الصحف قد نشرت خبرا، ليس من قبيل الخرافة، ولكنه إفتاءٌ من كبير مفتي السعودية، يُجيزُ في فتواه أكلَ الرجلِ لزوجته، إذا خاف من الهلاك جوعا، وله أن يأكل جزءا من أعضائها، أو كلها!! وأكمل الشيخ الجليل !! فتواه بتفسير خُرافي أيضا! قائلا: وهذا دليلٌ على وفاء المرأة لزوجها!!!

إن ما تقوم به كثيرٌ من وسائل الإعلام، يصب في نهر الجهالات، العابر لدول الخرافات، لأن هذه الدول تستعد لمحو آخر معالم الثقافة والحضارة، تمهيدا لإطفاء آخر أنوار الثقافة.

ولعلَّ استيلاء تُجَّار العولمة على وسائل الإعلام، هو الذي يساعد في فيضان نهر الجهالات، لأنهم ، أي تجار العولمة، نجحوا في التخلص من عصر الثقافة،والتحرر، وكان ذلك العصر أكبر المعوقات في طريق تسويق بضائعهم، لأن العقولَ عقباتٌ في طريق نهر الجهالات.



 فتُجَّار العولمة  يريدون من إنسان الألفية شيئين فقط: جيبَه، وشهواتِهِ، ليس غير!