المجلس الأعلى للثقافة: بعد 67 عاما على النكبة الهوية الفلسطينية إلى أين..؟

رام الله - دنيا الوطن - أحمد إسماعيل

بالمجلس الأعلى للثقافة بدار الأوبرا المصرية استضافت ضيافة مجلس الشباب ندوة ثقافية بعنوان "بعد 67 عاما على النكبة الهوية الفلسطينية إلى أين..؟ تحدثت فيها الكاتبة الفلسطينية بيسان عدوان والدكتور رياض صيدم المحلل السياسي الفلسطيني عن إشكالية الهوية الفلسطينية أدار الندوة أ. مصطفى يوسف.

في بداية الندوة تم عرض فيلم وثائقي قصير لمدة عشر دقائق بعنوان "قصة قضية فلسطين" يستعرض تاريخ فلسطين القديم اليبوسي وبطون كنعان السامية والقبائل البالست التي إستوطنتها قادمة من بحر إيجة مرورا بالحقبة المسيحية والإسلامية وأخيرا الفترة العثمانية الضعيفة وإتفاقيات ومؤامرات العالم الغربي ضد فلسطين لصالح توطين الصهاينة في فلسطين ونجاح الحركة الصهيونية في هزيمة الجيوش العربية والإستئثار بأرض فلسطين التاريخية وإستعراض تاريخي إحصائي يرصد بالأرقام تاريخ الأزمة وبداية نشأة قضية فلسطين وتوابعها حتى الآن.

حيث إستعرضت الكاتبة الفلسطينية بيسان عدوان الصراع والدفاع عن الهوية منذ بدء نكبة 48 وأكدت على إرتباط نشأة فكرة القومية الوطنية العربية بعد إنسلاخها من الخلافة العثمانية، وترسخت كبنيان شامخ في ظل المؤامرات الغربية على المنطقة.

وأشارت الكاتبة إلى تبني العالم الغربي ممثلا في جامعاته العريقة الرواية التلفيقية الصهيونية  الخاصة بفرضية وجود مكثف لليهود ويكاد يطمس معه أي حقيقة تمس واقع الوجود العربي قبل العام 48 من خلال إستعراض هذه الجامعات لآلاف ومئات الصور التي تشير فقط إلى الوجود اليهودي في جميع المدن الفلسطينية وسرد لأسماء العائلات اليهودية التي كانت تقيم فيها دون أية إشارة واحدة للوجود العربي الأكثر كثافة وتعداداً وتأثيراً في الحياة الاجتماعية والثقافية والأقتصادية ورصدت الكاتبة الحضور الإيجابي للنخب الفلسطينية قبل النكبة والجمعيات الأهلية الوطنية المشاركة في البناء والداعية للتحرر من جميع الأفكار والمعتقدات المغلقة كالعشائرية والموبقات العصبية وتنمية روح الوحدة الوطنية ممثلة في جميع الأديان والأطياف والقوميات المتواجدة على أرض فلسطين التاريخية.

وتطرقت الكاتبة إلى حجم المؤامرة الصهيونية ومحاولاتها الناجحة حتى الآن في التعتيم على التاريخ الفلسطيني ما قبل تأسيس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وذلك بإقصاء أهم المراجع التاريخية قديما وحديثا ذات الشأن الفلسطيني ومن أمثلة ذلك كتاب (ما قبل الشتات) لرشيد الخالدي حيث لم يتم وضع هذا الكتاب التوثيقي في جامعات العالم؟ هذا بجانب إقصاء العديد من الكتب التاريخية التي ترصد فلسطين اليبوسية الكنعانية وعدم إدراجها في جامعات أوروبا وأمريكا كمرحلة تاريخية مرت بها فلسطين. وأشادت الكاتبة بموقع     أو ذاكرة فلسطين باللغة الإنجليزية في توثيقه للتاريخ الشفهي للفلسطينيين هذا بجانب الجهد المميز الذي يقوم به متحف فلسطين بجامعة بيرزيت في إظهار الحياة الاجتماعية من خلال صور العائلات الفلسطينية ودورها الإيجابي في إثراء الحياة الاجتماعية والثقافية وبروز فكرة المواطنة بمفهومها الحضاري لدى تلك العائلات وتبنيها ذلك جوهرا ومظهراً سلوكيا يزين الحياة في ذلك الوقت، المتحف يهدف من خلال ذلك العرض إلى إبقاء فكرة الهوية الفلسطينية مطروحة بطريقة علمية وبأسلوب ممنهج يهتم بالرابط الثقافي كهوية لجميع فلسطيني الداخل والشتات، ثم تطرقت الكاتبة للعنصر النفسي على الإنسان الفلسطيني بعد واقعة النكبة وكيف توقف الزمن عنده في تلك اللحظة التي أضطر فيها أن يترك وطنه قصرياً ويتجرع لحظات الألم بإجترار ماضي لحظة الخروج وتفاصيل حياته السابقة وكأنه يعيش زمنا في مكان آخر غير زمانه ومكانه الآني بالشتات، كما عنونت الكاتبة محورها الإصطلاحي "ترانزيت" في تعريفها لفلسطيني الشتات بجملة شعرية مؤثرة تمس حساسية الذات الوطنية للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش (وطني حقيبة سفر)، وكيف أصبحت الأوطان المؤقتة لفلسطيني الشتات تمثل هوية قومية واحدة في فترة المدى القومي العربي من خلال إنصهارهم مع ديموغرافيا أخواتهم برغم المخيمات "جيتوهات المنفى في سوريا ولبنان والأردن أو مصر"، وطرحت الكاتبة أزمة تبلور هوية للأجيال التي تلت تلك الفترة التي تشكلت مفاهيمهم ووعيهم للوطن خارج جغرافيته، وكيف أصبح المخيم فكرة رمزية منطبعة على الذات الوطنية كأيقونة تمثل مفتاح أمل يربط بين نشأة الأزمة وإنتهاء كابوسها، حتى في ظل أزمات الخريف العربي وأزمة المخيم التي يمثلها مخيم اليرموك الذي يعاني حتى الآن.

وتحت عنوان سيكلوجية الصراع العربي الإسرائيلي عرَّف الدكتور رياض صيدم موضوع الهوية بأنه ذلك المركَّب المعقد في داخل الإنسان وهو عبارة عن عملية تواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، وقد حددها علماء النفس والإجتماع بأربع مراحل 1- تحقيق الهوية. 2- تشتت الهوية. 3- إعاقة الهوية. 4- إعاقة صدق الهوية وهي ليست مقتصرة على الفرد بل على الجماعات الإنسانية، وأشار إلى أن الاحتلال أدرك منذ اللحظات الأولى أهمية دور التهجير والإحلال في تدمير الهوية الوطنية فسارع في عمليات الهدم والتدمير للمنازل وأماكن العبادة وإلى تغيير معالم المكان لتدمير الذاكرة العاطفية في ذهن الإنسان الفلسطيني وطمس يتحول إلى إنسان عاجز عن الإنجاز، وفي نفس الوقت إبتلاع فنونه وإستملاكها وتنسيبها إليه هو وضرب منظومة القيمية للأجيال الناشئة، وفرض نمط حياة قاسية يترتب عليها قهر إقتصادي وإجتماعي وإعاقة عملية التعليم وملاحقة الفلاحين والصيادين في أرزاقهم وإنهاك قواهم وإستنزاف طاقاتهم الحيوية والنفسية حتى لا يستطيع مواجهة الاحتلال، ولكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، بل فاقمت مشكلة المواجهة وتطرق الكاتب إلى موضوع الشتات الجغرافي والأيديولوجي وكيف شكلت مشكلة في حينها وإستطاع الفلسطيني أن يتجاوزها وقال إن المعارك مع اليهود راكمت تجسدا وطنيا قل نظيره في أماكن أخرى.

ثم إنفتح د. صيدم إلى مجال أكبر من جغرافية فلسطين إلى أزمة الهوية العربية ككل في ظل العولمة وناقش إيجابياتها وسلبياتها في زوايا أخرى.

وأكد على أن الإنسان إذا استطاع تحقيق هويته يصبح حينئذ قادرا على إنشاء أسرة سوية وقادر على مواجهة الحياة بأمل مشرق مهما كانت التحديات التي يواجهها وعرض لأهمية دور المرأة الفلسطينية بجانب الرجل في تنمية الوعي وعدم الوقوع في براثن ما يحيكه الاحتلال لإيقاع الشعب الفلسطيني في إضطراب الهوية.

كما أشاد بتمسك أهل القدس بهويتهم رغم كل الممارسات القمعية والتضيق عليهم من قبل الاحتلال.

ونبه إلى خطورة الإنقسام ودوره في تدمير الذات الوطنية وتعزيز إضطراب الهوية في الشخصية الفلسطينية، وإلى ضرورة نبذ العنف كخيار أخلاقي وحضاري لتحجيم الصراعات الداخلية وبناء منظومة قيمية تساهم في رفع كفاءة وبناء الشخصية لمواجهة الأزمات بسوية نفسية.

وفي الختام أكد على ضرورة إتخاذ إجراءات وقرارات إبداعية في جميع النواحي الاجتماعية والسياسية، والإتفاق على مبادئ أساسية، وتجديد الميثاق الوطني وتفعيل بنوده، والعمل على الإلتفات إلى مشكلة إضطراب الهوية والعمل على خلق واقع مغاير يساهم في إنتاج وعي جمعي يحقق سقف معقول للطموحات الوطنية في المستقبل المنظور,