قراءة تحليلية (2) لمقال الأخ بكر أبو بكر " التنظيم الباهت في حركة فتح" ..

قراءة تحليلية (2) لمقال الأخ بكر أبو بكر " التنظيم الباهت في حركة فتح" ..
بقلم د.مازن صافي* 

بعد نشر المقال الأول كدراسة تحليلية لما ورد في دراسة الأخ بكر أبو بكر المعنونة بــ " التنظيم الباهت في حركة فتح"، فإنني قد كتبت المقال الثاني، استكمالا لباقي النقاط الهامة التي وردت في الدراسة . وان كان مقالي الأول قد عالج الجانب التنظيمي في حركة فتح، فإن مقالي الحالي سيعالج الواقع السياسي والاستراتيجي للحركة عبر الدخول في بعض مسارات التاريخ وربطها ببعض،  لأنهي الدراسة في مقالي الثالث والذي سوف يتناول المؤتمر السادس للحركة وما وصلت له الحالة السياسية والتنظيمية حتى اليوم .

  لقد بدأت حركة فتح بالكفاح المسلح كخيار وحيد للتحرير، ومع الوقت وحدوث بعض المتغيرات وقدرة الحركة على التأقلم والانطلاق الفاعل تم إشراك، وسائل أخرى كالحلول المرحلية والدبلوماسية، ولربما هذا جاء بعد قرارات قمة الجزائر العربية 1973 والتي اعترفت بمنظمة التحرير ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني، ومن هناك بدأ التغيير في الفكر الاستيراتيجي لحركة فتح من حيث وسائل النضال، وبما سمي لاحقا بالواقعية السياسية، بحيث أصبح انتزاع الضفة الغربية وقطاع غزة من الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة قاعدة ثورية ووطنية، هدف ثوري ووطني، وبعد عشرين عاما جاء إتفاق أوسلو، وفي ظل حرب دولية على العراق الحليف الاستيراتيجي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان يبدو أن الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، قد حزما امرهما نحو الهدوء والاستقرار، ومعالجة تعقيدات العملية السلمية والدبلوماسية، من خلال المفاوضات والمبادرات والوساطات، ولكن عمدت (اسرائيل) الى تفريغ الاتفاق من مضمونة، وعملت على إدخال الفلسطينين في "مصيدة اوسلو" بحجج أمنية وسياسية، ووفي جانب كانت "أوسلو" عبارة عن إستكمال للواقعية الاستيراتيجية التي امتدت عشرين عاما، وصولا الى تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، وهذا كان بجانب الإدراك الفلسطيني والقيادي لـ م.ت.ف والسلطة الوطنية لاحقا بمدى الإجحاف الذي لحق بالشعب الفلسطيني جرَّاء أوسلو، والمجازفة وتحمل الضغوطات الهائلة داخليا وخارجيا والتكاليف المعنوية والسياسية والتاريخية والتي تحملتها القيادة والشعب، و انتقلت حركة فتح بسياسة الواقعية إلى بناء أول سلطة فلسطينية في الضفة والقطاع، ودخلت في صراع يومي مع الاحتلال على كافة التفاصيل، متحملة أعباء سياسية وأمنية ومدنية واقتصادية، وفي المقابل لم يكن الاسرائيليون يعملون على التعبئة الأيدلوجية ضد الاتفاق، ونجح اليمين الاسرائيلي بتحويل سياسة إسرائيل لتتخذ منحنى آخر كما سماه الأخ بكر أبو بكر في مقالته بــ "الداهية او المصيدة" لغرض القضاء على كل مظاهر السيادة الفلسطينية والسياسية وانهاك المجتمع الفلسطيني وحصاره، ورفضاً لأي حلول أو مبادرات سلمية او دولية إسقاط هدف الدولة الفلسطينية، أو حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، ونتيجة لذلك و بعد انهيار مفاوضات كامب ديفيد الثانية في تموز / يوليو 2000 ، اندلعت انتفاضة الأقصى في 28  أيلول / سبتمبر 2000 ، حيث أدركت (إسرائيل) مخاطر قيام الدولة الفلسطينية، لذا عمدت خلال انتفاضة الأقصى على تدمير مقرات وهيئات السلطة، وعادت الصبغة العسكرية لتنظيم حركة فتح، واندلعت انتفاضة الأقصى وعلى أثرها قامت) إسرائيل) بتدمير البنية التحية والفوقية لمؤسسات السلطة الفلسطينية، إضافة إلى حصار الرئيس/ ياسر عرفات في مقر المقاطعة في رام الله، حتى تاريخ استشهاده في 11/11/2004 .

إن مسيرة خمسين عاما من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) تثبت أنها قادرة على إجتياز كل المنعطفات الخطرة والمتغيرات الصعبة، كونها تستمد قوتها من المد الجماهيري، ومن تنظيم فاعل وقادر أن يقود الجماهير الى وجهتها التحررية، وبالتالي فالمطلوب هو تحصين كل عوامل النجاح والاستمرار وتوفير كافة عوامل تصليب البناء الفوقي والتحتي والهرمي وتواصل القاعدة من أسفل لأعلى ووضوح الرؤية من أعلى لأسفل وتوفير الامكانيات اللازمة للوصول وتعافي حركة فتح مما أطلق عليه الأخ بكر ابو بكر عنوان مقاله " التنظيم الباهت في حركة فتح"

في المؤتمر السادس لحركة فتح والذي عقد في مدينة بيت لحم في أغسطس 2009 تمسكت حركة فتح بكونها حركة تحرر وطني ومحافظة على كافة الخيارات السياسية للوصول الى الحقوق الفلسطينية وكانت إحدى الوسائل "المفاوضات المشروطة" تحت سقف خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، و بالاضافة الى التأكد على مقاومة الاحتلال وفق ما اجازه القانون الدولي، وتم اعتماد "المقاومة الشعبية كإحدى أهم الاستراتيجيات المعتمدة، وأعتمد الحراك الدولي الدبلوماسي كإستيراتيجية، وتزامن كل ذلك فيما بعد بالمتغيرات الدولية وما سمي بالربيع العربي، وتارجح مكانة مركزية القضية الفلسطينية كأولوية، ولكن الدبلوماسية الفلسطينية النشطة استطاعت من 2010 حتى 2012 إعتماد دولة فلسطين عضو مؤقت في الأمم المتحدة "تحت الاحتلال" ومما فتح المجال ايضا للعضوية الدائمة والكاملة في الغالبية العظمي من مؤسسات وجمعيات الأمم المتحدة وعلى راسها وأهمها "محكمة الجنايات الدولية"، وبذلك تحول مسار الواقعية او المرحلية من الانتقال الى داخل الأرض المحتلة وانتزاعها، الى الانتقال للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وانهاء الاحتلال، وإلغاء إدعاءات او سياسة (اسرائيل) بأن الضفة والقطاع اراض متنازع عليها لتتحول الى اراض دولة تحت الاحتلال وفق القانون الدولي، وأصبحت المرجعيات الدولية أساس لأي عملية سلمية قادمة، تقود الى انتزاع الحقوق الفلسطينية السيادية .


واليوم نتطلع الى تطور في استيراتيجية حركة فتح ونحن على أبواب عقد المؤتمر السابع الذي تم تاجيله لظروف قاهرة، ولربما سيكون هناك "برنامج سياسي جديد" يواكب التطورات الدولية والاستحقاق الفلسطيني واستمرارا في الحراك الدولي، ويبقى الانقسام وعقدة تعثر تحقيق الوحدة الفلسطينية ضاغط سلبي وعنيد ومعيق ضد انطلاق الاستيراتيجية الجديدة، ولهذا سوف تكون الوحدة الفلسطينية استيراتيجية مستمرة، حتى تحقيقها بالكامل .

 

وأخيرا من المفيد أن تكون قراءتنا التحليلية تأكيدا على أن حركة فتح مصممة على تحرير الأرض وكنس الاحتلال ووقف الاستيطان وانقاذ القدس والتعامل مع المتغيرات الدولية والاقليمية وإحداث التغيير عبر استحداث واعتماد سياسة جديدة تشمل الوضع الداخلي والاقليمي والدولي، وبإعتقادي ان الدبلوماسية النشطة والناجحة سوف تستمر صعودا حتى الدولة، وان المقاومة الشعبية السلمية نموذجا وضع (اسرائيل) في مازق قانوني وانساني، وأن الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة ورفض الاعتراف بيهودية دولة الاحتلال، ستشكل معالم السياسة الجديدة، وكما أن تبييض المعتقلات الاحتلالية من المعتقلين، سيكون هدفا راسخا.

 وأما عن إطار (م.ت.ف) فإن منظمة التحرير الفلسطينية تشكل ضمانة في إطار الحفاظ على الثوابت الفلسطينية، وهي مصدر الشرعية للنظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته.
 

د. مازن صافي* عضو إقليم وسط خان يونس " مسؤول ملف الإعلام" سابقا