الدكتور ابو الحاج: المحاكم الاحتلالية مستمرة بنهجها المكمل للاجهزة الامنية الاسرائيلية

الدكتور ابو الحاج: المحاكم الاحتلالية مستمرة بنهجها المكمل للاجهزة الامنية الاسرائيلية
رام الله - دنيا الوطن
اشار الدكتور فهد ابو الحاج مدير عام مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الاسيرة في جامعة القدس، الى ان المحاكم الاحتلالية لا تزال مستمرة على نهجها المكمل للاجهزة الامنية الاسرائيلية، حيث يلاحظ مؤخرا الكم الهائل من التمديدات بحق العشرات من المعتقلين والموقوفين، وذلك بحجج واهية ولا اساس او مسوغ لها، ودعا الى التركيز على هذا الشأن من قبل المؤسسات الحقوقية الفلسطينية ونقل ما يجري للمؤسسات الدولية وتحريك هذا الملف دوليا، وفضح الاجهزة القضائية الاسرائيلية، وان يقوم عدد من المحامين بعرض الوقائع والجلسات امام الراي العام العالمي لكي يعرف كل الاحرار بالعالم ما يجري بتلك المحاكم وطبيعة الدور الذي تقوم به .

من جانب اخر يستمر مركز ابو جهاد بنشر تجارب الاسرى وينشر بحلقة هذا الاسبوع تجربة الاسير المحرر محمد الحموز .

الأسير المحرر محمد الحموز

ولد الأسير المحرر محمد إبراهيم حسين الحموز في الثالث من نيسان عام 1966 في مخيم الفوار، والذي لجأت اليه عائلته من بلدة بيت جبرين قضاء الخليل، نشأ في ظروف إجتماعية وأسرية صعبة، إذ توفي والده وهو في سن الخامسة من عمره، غير أنه عرف مبكرًا طريق العمل الوطني فنشط فيه منذ ما قبل الإنتفاضة الأولى؛ اعتُقل مع أفراد خليته عام 1984 وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وما إن أفرج عنه حتى اندلعت الإنتفاضة الأولى فاستمر في نشاطه الوطني ما أدى إلى ملاحقته وإصابته وتعرّضه إلى سلسلة من الإعتقالات الإدارية المتتالية. يروي الأسير المحرر محمد الحموز لمركز أبو جهاد مراحل من سيرته النضالية والإعتقالية.

كان استشهاد كل من أحمد نصار وخالد النمورة من بين الأحداث التي أثرت بي مبكرًا وجعلتني أعيد التفكير بما يجري حولي، إذ بدأتُ أفكر بضرورة أن أشارك مثل أبناء شعبي في مقاومة الإحتلال، اعتُقل كذلك شقيقايْ زياد وعبد الفتاح، فعرفت من خلال تجربتهما الإعتقالية معنى السجن وواقع السجون الإسرائيلية. نشأت في مخيم الفوار الذي يقع إلى القرب منه معسكر "زيف" في منطقة يطا، وبالتالي فقد هناك حركة دائمة لدوريات الإحتلال في المنطقة، ما كان بحد ذاته يفجر في داخلي ذكريات مؤلمة عن جرائم الإحتلال، فكنت كلما رأيت دورية إحتلالية تذكرت سيلًا من جرائمهم بحق أبناء شعبنا والمستمرة منذ عام النكبة.

التحقتُ بخلية أشبال مكونة من ثمانية أفراد، كانت مهمتنا في البداية تنحصر في إلقاء الحجارة تجاه كل دورية عسكرية إسرائيلية تمر بالمنطقة، وبعد مرور فترة وجيزة قمنا بتطوير العمل إلى القاء الزجاجات الحارقة "المولوتوف"، غير أنني كنت في داخلي أتطلع إلى دور أكبر من ذلك، إذ كان لا بد من عمل الكثير وعدم الإكتفاء بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة فقط. وقد ظلت فكرة اقتناء سلاح تراودني، غير أني لم أستطع إيجاد طريقة للحصول عليه، إلى أن توصلنا إلى طريقة تصنيع بندقية تصنيعًا محليًا، كانت في البداية تطلق رصاصة واحدة، ثم طورناها لتصبح قادرة على إطلاق رصاصتين، وعن كيفية حصولنا على على الرصاص فقد كنا نغامر بالذهاب إلى معسكر "المجنونة" القريب من المخيم.

بذلك أصبح كل شيء يتيح المجال للعمل أمام الخلية التي كان يقودها أحمد عبد القادر أبو عواد، وكان من بين أبناء مجموعتنا أيضا الشهداء عبد الله أبو هشهش، وإسماعيل أبو هشهش، وجابر نصار، كما جرُح من بين أعضاء كل الخلية خالد الخطيب وموسى أبو هشهش، إضافة إلى جميل الحموز وخالد دعدع، وتلك كانت الخلية التي كنتُ من بين أعضائها الذين اعتقلوا جميعًا عام 1984 وحُكم عليهم بالسجن لفترات تراوحت بين عاميْن وسبعة أعوام، أما أنا فقد حُكم علي بالسجن لثلاث سنوات.

نُقلت بعد اعتقالي إلى معتقل الخليل وبقيت هناك لأيام، ثم نُقلت إلى مركز تحقيق المسكوبية، بقيت هناك لعشرة أيام ثم نقلت مرة أخرى إلى معتقل الخليل. وفي أثناء فترة التحقيق ونتيجة الإعترافات، طلبت منا المخابرات الإسرائيلية إعادة تمثيل ما كنا نقوم به من أعمال، وبذلك فقد حضرت إلى المخيم برفقتهم وسلّمت البنادق والمولوتوف وقمنا بتمثيل الكيفية التي كان يجري بها ضرب قوات الإحتلال.

بقيت موقوفًا حتى تاريخ الحكم على أعضاء المجموعة والذي كان في التاسع من حزيران عام 1985، نُقلت بعد الحكم إلى معتقل رام الله ومن هناك إلى معتقل جنيد. وخلال كل تلك الفترة واصلت التعلّم والقراءة والكتابة، سيرًا على درب من سبقونا في النضال وأذكر منهم أبو رفعت، وشكري سلمة، وفخري البرغوثي، وأبو علي يطا، وياسر هدى، وجمال الشوبكي الذي كان الموجه الثقافي في الغرفة، كانت رسالتهم أن يعلمونا ويثقفونا ويضيئوا أمامنا فكر الحركة.

تقرر في معتقل الجنيد ونتيجة لسوء أوضاع الأسرى خوضَ إضراب مفتوح عن الطعام، فقد كانت إدارة السجون تتبنى استخدام معاملة سيئة وعنصرية تجاه المعتقلين، ما يعكس فلسفة انتقامية تنتهجها تلك الإدارة لإضعاف عزيمة المعتقلين الذين كانوا ولا يزالون يمثلون خيرة الكادر الوطني على درب التحرر الوطني. في اليوم الثاني للإضراب حاولت الإدارة إفشال التجربة من خلال لجوئها إلى سياسة العقاب الجماعي، وذلك بنقل ثمانية وأربعين أسيرًا إلى معتقل عسقلان، ومن هناك واصلنا الإضراب لمدة اثني عشر يومًا.

تعرّفتُ في عسقلان إلى الأخوة أكرم الطحلة، وكان الموجه العام، وسليمان أبو سنينة، ومحمد أبو جامع، وعماد الصفران من مجموعة أحمد التكروري، وقد نقلنا إلى غرفة ثانية في قسم "ج" الذي كان مخصصًا لتعليم الفكر الحركي، وكان يتواجد في هذا القسم كل من زكريا التلمس، وعادل أبو غالية، وشوقي أبو نصير الذي هرب من سجن عسقلان مع ستة أسرى آخرين أعاد الإحتلال اعتقالهم أثناء محاولة تهريبهم إلى مصر. وفي هذا القسم أضربنا عن الطعام وكنا لا نتناول شيئًا سوى الخبز، وكعقاب لنا قررت الإدارة سحب البطانيات والفرشات ومنعت الزيارة والفورة، وقد واصلت الإدارة استخدام القمع واتباع إجراءات إستفزازاية باقتحام الغرف والتفتيش ونقل الناشطين إلى الزنازين الإنفرادية.

نُقلتُ بعد مرور عام إلى معتقل نفحة، وأصبحت هناك الموجه الإداري، وعضوًا في مجلس الثورة، ثم عملت في "الكرادور" وعملت أيضًا مسؤول توزيع التعميمات على الغرف. وفي هذا المعتقل كان معي كل جمال الشوبكي، وعيسى أبو عرام، ومحمد أبو ستة، وكان هناك أيضا مجموعة تابعة للجبهة الشعبية القيادة العامة، كما كان معنا كل من أبو علي تركي، وأبو علي التونسي، واللذان أفادانا كثيرًا في الشروحات حول تاريخ الثورة ونطاق عملها في بيروت.

أُفرج عني في الثالث عشر من تشرين الثاني عام 1987 بعد انتهاء فترة حكمي وعدت إلى مخيم الفوار، وقد استُقبلنا بالأغاني والزغاريد في عرس فلسطيني شعبي. بدأت الإنتفاضة الأولى بعد مرور ما يقارب شهرين على تاريخ الإفراج عني، وكنت أول من بادر إلى العمل الوطني فعملت مع المناضل إبراهيم أبو هشهش والشهيد عبد الله أبو هشهش رفيق الزنازين، كنا في أيام الإضراب نخرج ملثّمين ونغلق المحلات التجارية ونهاجم الدوريات بالحجارة، كما كنا نقوم بتكثيف التعبئة بين صفوف الشباب والعناصر الناشطة والجماهير التي كانت سندًا لنا بمشاركتها الأسطورية، وخاصة حينما تمر الدوريات الإسرائيلية من المخيم. وأذكر من تلك السنوات المناضل محمد أحمد أبو ربيع والذي كان يشارك في كافة المظاهرات، وعبد الرحمن الحموز والذي كان يحضر لنا المولوتوف وهو في سن الخامسة والستين.

بسبب أنشطتنا بدأت قوات الإحتلال بملاحقتنا ورغم ذلك فقد استطعنا بمساعدة الجماهير تطوير أدوات العمل، وأذكر أيضًا البطل أبو محمود العناتي والذي كان عمره قد تجاوز السبعين عامًا وكان يدعمنا بكل ما نحتاج إليه، فقد كان ناقمًا على الإحتلال الذي اقتلعنا من بيوتنا وقرانا ليستقر بنا الحال في بؤس المخيمات. أُصبت أثناء مطاردتي من قبل قوات الإحتلال برصاصة في ساقي اليسرى، وعلى الرغم من ذلك لم أتوقف عن مواصلة نشاطي ومساعدة أهل المخيم في توفير أدوات ووسائل الصمود وفي دعم الفقراء والمحتاجين. وقد اعتُقلت والأخ زكريا أبو هشهش والأخ عبد الله أبو طعيمة بعد مرور ما يقارب عامًا على مطاردتي.

نُقلت بعد الإعتقال إلى زنازين معتقل الظاهرية ومنه إلى معتقل النقب، وقد حُكم علي بالإعتقال الإداري لمدة ستة أشهر، وعند انتهاء المدة جددوا لي ستة أشهر أخرى. ومع انتهاء التجديد، قام ممثل المعتقل وهو زهران أبو قبيطة بسؤال الإدارة عن سبب عدم الإفراج عني، فكان الجواب أنه تقرر التمديد لي ستة أشهر أخرى، ومن ثم نقلوني إلى قسم أصحاب التمديدات وكان عددهم حوالي ثلاثين مناضلًا أذكر منهم عدنان الضميري، وعبد العليم دعنا، وبدران جابر، وأبو زياد الحرامي، وفي فترة الإعتقال الإداري تلك عملت في المخزن والمطبخ.

بعد مرور ستة وعشرين يومًا على الإفراج عني، رآني ضابط المخابرات المسؤول عن المنطقة وكان يدعى "أبو صقر"، فسألني "من أفرج عنك؟"، وقاموا باعتقالي إداريًا أمضيتها في معتقل النقب أيضًا. وبعد مرور ثلاثة أشهر على الإفراج عني تم اعتقالي للمرة الرابعة. وفي تلك المرة كان التحقيق سيئًا ووحشيًا واستفزازيًا للغاية، وفي إحدى جولات التحقيق قمت بالصراخ في وجه المحقق، فخرج وأحضر جنديْين تناوبا عليّ بالضرب المبرح حتى فقدتُ الوعي تمامًا. حملني فالح عرار من بيت أمر وأخذ يصرخ "قتلوه.. قتلوه"، وحدثت ضجة عارمة في معتقل الظاهرية وأخذ الجميع يردد "الله أكبر.. قتلوه". هنا حضر مدير المعتقل ووقف على حالتي أثناء العلاج، وتعهدوا أمام ممثل المعتقل أن لا يعودوا مجددًا إلى التحقيق معي وأن لا يتسببوا لي بأي مكروه.

بعد مرور أربعة أيام تم نقلي مع كل من غسان جابر وذياب الشرباتي وياسين القواسمي والشيخ أحمد أبو سرور إلى زنازين معتقل عتليت، أو كما يسمونها "زنازين التابوت" لأنها شبيهة بالقبر، وهناك كانوا يخرجوننا إلى الساحة ويشغلون موسيقى صاخبة ويقومون بضربنا بكل وحشية، بقيت على هذا الحال سبعة عشر يومًا، كانوا يتلذذون خلالها بتعذيبنا، وعند النوم لا يستطيع المعتقل أن يرفع رأسه أو أن يمدّ ساقيه، ويهدفون من تلك الظروف التي يضعون الأسير فيها أن يجعلوه يتمنى الموت، فهي ظروف رهيبة وصعبة جدًا، ومهما تكلمت فلن تصل صورة هذه المشاهد الإجرامية لعقل إنسان، سوى الذي مر بها فهو يعرف عن أي إجرام أتحدث، وهذه محطة من المعاناة التي يمر بها مناضلو الكفاح الفلسطيني وهو درب صعب وقاسٍ جدًا.

بعد تلك السلسلة من الممارسات الإرهابية والإنتقامية "الصهيونية" ، أعادونا إلى معتقل النقب، وهناك تسلمت دوري كموجه إداري وشاويش قسم، وأُفرج عني من النقب. وبعد مرور خمسة أشهر على الإفراج أعادوا اعتقالي لمدة ستة أشهر أخرى، وأُفرج عني عام 1992.

حُرمت منذ عام 1984 من أمور كثيرة، فلم أحضر زواج وأعراس أي من أخوتي، كما أني لم أشاركهم في فرحة أي من الأعياد، ولم أشهد نشأتهم وكيفية نضجهم، أما أمي والتي ظلت ترضى عني وعن رفاقي المناضلين، فلم يدخل إلى قلبها الملل أو اليأس، كانت رائعة بروعة التمسك بالحق الفلسطيني، فمن أجل هذا الحق مسحتْ الدموع عن وجنتيها الطاهرتين وصبرت وصمدت، أمي هي السند الأول والأخير لي، وهي من علمني كيف أكون من خيرة الرجال، وكيف تكون قضيتي فلسطين هي حياتي وهدفي نحو الحرية والكرامة للأجيال القادمة.

عملت ما بعد تحرري كمراسل في رابطة الجامعيين، وفي ذلك الوقت كنت مسؤول فتح في مخيم الفوار، وكان الشهيد البطل عبد الله أبو هشهش مسؤولًا عني. وعندما قدمت السلطة الوطنية الفلسطينية التحقتُ بجهاز المخابرات، مع تكليفي من قبل التعبئة والتنظيم لأكون أمين سر حركة فتح في مخيم الفوار وبقيت في هذا المنصب حتى عام 2013، حيث سلّمت المهام إلى هيئة منتخبة.