محمود درويش في باريس

محمود درويش في باريس
كتب غازي مرتجى

كتب المربي الفاضل نايف الحطاب على صفحته على الفيسبوك جزءً من قصيدة محمود درويش "على هذه الأرض" والتي تبدأ بـ"على هذه الأرض ما يستحق الحياة .. تردد إبريل، رائحة الخبزِ  في الفجر، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس ، أول الحب، عشب على حجرٍ، أمهاتٌ تقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكرياتْ " وأكمل المُربي الفاضل قصيدة درويش بمغزى أراد ايصاله أنّ على أرض غزة ما يستحق الحياة ..

ليس ما كتبه الأستاذ نايف هو المهم -فهو بالعادة يُغرّد برائحة الوطن- , الأهم كان بطبيعة التعليقات التي تنوعّت بين الثناء والتأكيد لمن تجاوز سنّه الأربعين عاماً أما أحد الأطفال فقد كتب :"يبدو أن محمود درويش كان يعيش في باريس وقتها" ..!

هذا الطفل الذي تربّى في عائلة وطنية من الطراز الأول , يعيش حياة مستقرّة والده من الوطنيين المعروفين ويُمكن القول أنّه ممن يرضعون "حب الوطن" من الصغر .. فهل يُمكن القول أن "وطننا" الذي رضعناه وتربيّنا لأجل الحفاظ عليه ليس هو الوطن حالياً ؟ أم أنّ حُكّام الوطن ليسوا على قدر أمانته وأفقدوه هيبته ؟

كلمات هذا الطفل لم تأت من فراغ ولم تكن وليدة الصدفة , بل الحالة العامة غير المنطقية هي من أوصلت هذا الطفل ليُفكّر هكذا .. ولو عرف أطباء النفس في العالم أنّ هذا الطفل شاهد أربعة حروب وإنقسام واشتباكات متفرقة لن يستطيعوا إثبات أنّ هذا الطفل لا يزال على طبيعته ولم يُصب بـ"الجنون" !

نعم , طفلي الذي بلغ أربعة أعوام من عمره عاش حربين عدا عن الاشتباكات المتفرقة , ناهيك عن "الضغط" اليومي غير العادي .

هذا الطفل الذي يحفظ اسم "فلسطين" و "القدس" وغالبية القرى والمدن الفلسطينية عن ظهر قلب تحدّث بصوت عال وكتب "استهزاءً" بما آلت إليه اوضاع فلسطين .. فهل أصبح "الوطن" حكراً لمن يُدمرّونه ؟ وهل ثبت ما تنبّأ به أبو إياد وأمست الخيانة وجهة نظر !؟ 

لو كنت قيادياً وسمعت تعليق هذا الطفل الذي اختصر المعاناة بفقرة واحدة لراجعت نفسي آلاف المرّات .. ولو كنت صاحب مسؤولية لأصدرت قراراً بتوفير كافة الإمكانيات التي تجعل من الوطن حُلماً وأُمنية .. لا نقمة ونكسة .

لا بُدّ من سماع صوت من أصبح الوطن لديه من "الكماليات" فلم يُخطيء من فكّر هكذا بل صاحب الذنب من أوصلنا لهذا الحال "المُزري" وجعل من الشباب وهم عماد الوطن وكلمة سر عدالة القضية يُفكر بالهرب إلى اسرائيل وهو يعلم أنه سيُقتل أو يُعتقل , أو يركب الأمواج ليصل إلى أوروبا وهو على يقين أن نسبة أن يبقى على قيد الحياة أقل بكثير من احتمالية الغرق .. 

لا بُدّ من "غربال وطني" يُمكنّنا من تنقية العابثين بمستقبل الوطن واستقراره وجماله .. ولنقذف بمن يلفظهم الغربال الى مزابل التاريخ بلا رحمة .

رحم الله محمود درويش .. وسنبقى نردد من خلفه :"على هذه الأرض ما يستحق الحياة .. كانت تُسمى فلسطين , صارت تُسمى فلسطين , وستبقى تُسمى فلسطين " .

على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: 

نهايةُ أيلولَ، سيّدةٌ تترُكُ الأربعين بكامل مشمشها، ساعة الشمس في السجن، غيمٌ يُقلّدُ سِرباً من الكائنات، هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين، وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.

على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ: 

على هذه الأرض سيدةُ الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين. صارتْ تسمى فلسطين. سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة.