منة وجنان حكاية لن تتخيلها أو تشاهدها في الأفلام

رام الله - دنيا الوطن-طارق أبو إسحاق
عندما رأتني الابتسامة ملئت وجهها ،وأخذت تزحف نحوي وتشير بأصبع يدها اتجاهي ،على الفور حملتها وقبلتها ، شعرت بمدى حاجتها للعطف والحنان ،الذي فقدته بسبب استشهاد والديها في الحرب الأخيرة على قطاع غزة .

حال منة التي لايتجاوزعمرها العامين ، لايختلف كثيراً عن أختها جنان  ابنة الأربع سنوات ،عندما تنظر إليها تجد عيناها مملؤتان بالتعطش واللهفة لمجئ والديها يحملون الألعاب والحلوى كما اعتادت .

لقد شاء القدر أن ينجن من الموت ،بعد قصف منزلهن بصاروخين من طائرات الـf16، ليبقين شاهدات على جرائم عدو همجي ،لايفرق بين صغير ولا كبير ولاشجر ولاحجر .

منة وجنان طفلتان من بين مئات الأطفال ،الذين أمسوا أيتاما بعد أن فقدوا أبائهم في قصف منازلهم في الحرب الأخيرة علي قطاع غزة ، والتي استمرت( 51 )يوماً ،أوقعت آلاف الشهداء والجرحى و إبادة العشرات من العائلات ،وخلفت (1800) طفل يتيم ،وفق إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية .

مشاهد مؤلمة يعتصر لها القلب عايشتها أثناء لقائي مع الناجين من عائلة الشهيد محمد راضي أبو ريدة  23 عاماً ،في مدينة بني سهيلا شرق محافظة خان يونس .

فوزية أبو ريدة 55 عاماً والدة محمد ، كتب لها عمر جديد بعد أن قصف الاحتلال منزلها وهي بداخله ،لم تتوقف دموع عينيها طوال حديثها معى ،حيث قالت عاش أبني يتيم الأب وحالياً ابنتيه يعشن نفس حياته التي عاشها وأكثر من محرمان وحنان الأب والأم .

لم أعد أحتمل فراقه فهو ابني الوحيد لقد كان كل شيء في حياتي رزقني الله به بعد (13)عاما من زواجي ،وتوفي والده وهو في السادسة عشر من عمره ،كان محمد متديناً وخلوقاً ومطيع ومحبوب من جميع الناس ، لايتردد بمساعدة من يطلب الخدمة أو أي محتاج ، تزوج في سن مبكر بعد أن طلبت منه حتى أفرح به وأرى أبناءه.

كانت حياتنا مليئة بالحب والسعادة والأمان ،حتى جاءت صواريخ الغدر الإسرائيلية دمرت حياتنا وحولتها إلى جحيم وفراق . لم يغب عن تفكيري وعيناي تلك الليلة التي قصف بها منزلنا ونحن في داخله يوم الأثنين26 رمضان الماضي ،الذي أصبح أثر بعد عين ،يوم أن فقدت أغلى ما أملك ابني  وزوجته شامة عماد شاهين التي تبلغ من العمر 21 سنة ،وعندما وجدت نفسي مدفونة بين ركام المنزل ولم يتبقي سوى رأسي .

مازلت أتذكر طواقم الإسعاف والدفاع المدني ،التي كانت تبحث عنا تحت الأنقاض ،ولحظات نقلي إلى المستشفى ،بجاني جنان ومنة، والدم الذي أغرق جسدهن ،ولم يغيب عن بالي صورة الطفلة البريئة منة ،وهي بين الحياة والموت في العناية المركزة ،بعد أصابتها بكسر في الجمجمة وبقائها في المستشفي لأشهر طويلة ،حتى خرجت علي حالها ،لاتحرك يدها اليسري وكذلك ساقها .

أشعر بأنني في كابوس مزعج أريد أن أفيق منه ،ويعود ابنى إلى حضني وأبنتيه المتعطشات لحنانه ومداعبته واللتان تسألن عنه في كل حين ، اشتقت له وإلى البيت السعيد الامن الذي كان يجمعنا بالحب وراحة البال والطمأنينة والسعادة .