غزاوي !!! ... إرتاح شوي

غزاوي !!! ... إرتاح شوي
بقلم همام أحمد اليازجي
 

في مساء ما جلست مع نفسي قليلاً وتأملت في هذه الدنيا وتسائلت لماذا أنا هنا !! لماذا ولدت في غزة !! لماذا لم أكن مصريا أو أردنياً أوخليجيا او حتى ضفاوياً!! وبعد فترة من التفكير أدركت أنه القدر الذي لا مفر منه .. وأؤمن به،

فأيقنت أن علي أن أعيش الواقع بدلا من أن أعيش في عالم لو .. ولماذا؟!! 

ولكن ماذا يعني أن تكون غزياً !!  

ان تكون غزياً يعنى انك ستشعر أنك تعيش في مكان ليس لك، بلاد قد انقلبت في سنين معدودة رأس على عقب، وخصوصاً عندما تجلس مع كبار السن وهم يحدثونك عن بلد كانت في الماضي عاصمة للتجارة بين الشرق والغرب كانت أبوابها مفتوحة على مصراعيها للعالم الخارجي وتستقبل الزوار من كل مكان، كانت تلك الأيام كما يسميها الكثير من أبناء غزة "أيام الخير أو أيام البلاد" 

أن تكون غزياً يعني أنك ستفكر في ان تعيش يومك فقط فلا يوجد عندك أدنى فكرة عن المستقبل الذي ينتظرك حتى وإن عملت جاهداً وحفرت في الصخر لكي ترسم ملامحه ولكن كل ذلك بلا جدوى. 

أن تكون غزياً يعنى أن من ينظم حياتك هو جدول الكهرباء لا أنت، فإذا أردت عمل أي شيء سواء أكان خروجك أوعودتك للبيت فعليك العودة لهذا الجدول الملعون، وأيضا زيارة الأصدقاء، وعمل ربات البيوت، وحتى عمل أصحاب المصانع والمصالح التجارية بهذا الجدول مرهون 

أما اذا أردت السفر فيجب عليك أن تخطط لهذا قبل سنه من موعده ، وتبدأ في رحلة الترتيب والبحث عن سبل الخروج من معبر رفح.    

أن تكون غزياً ستكون بالفطرة خبير عسكري ويمكنك معرفة أنواع القذائف لحظة انفجارها ان كانت من طائرات الأباتشي او إف ١٦ أو دبابة أو بوارج حتى وان كان عمرك لا يتجاوز الخمس سنوات.

أن تعيش في غزة هو أن تعيش في روتين قاتل، فَلَو فكرت ان تكتب مذكراتك في يوم من الأيام ستجد أن جميع صفحاتها متشابه، تقوم بنفس العمل ونفس البرنامج كل يوم ، حتى أصبحت تشعر بأنك روبوت آلي تم ضبطه على نظام معين يقوم به تلقائياً كل يوم. 

أن تكون غزياً كتب عليك التوقف عن التفكير وأن تعيش حياتك في صندوق مقفل ومعك أصدقائك الحميمين من المصطلحات اليومية وهم الموتور الكهربائي والمحول والبنزين واسطوانه الغاز ، والرواتب والمصالحة ، والهجرة، والحرب القادمة ، والمعابر، والبطالة، وإعادة الإعمار ...الخ

ان تكون غزياً يعنى ان عليك ان تحمل تهمتك معك أينما ذهبت الا وهي جواز السفر الفلسطيني ، فان كنت من المحظوظين وكتب لك السفر إلى أحد المطارات في دولة عربية فاذا ما سلمت جواز سفرك إلى ضابط الجوازات ستسمع جملة واحدة حتى وان كانت بلهجات مختلفة اعتدنا عليها جميعا فحواها " غزاوي !!! ارتاح شوي". 

 فإذا ما نظرت إلى جواز سفرك الفلسطيني ستجد أن هناك أمران يناقضان تماما واقعنا الذي نعيشه، الأمر الأول في الصفحة الأولى في جواز سفرك الفلسطيني كتب فيها الرجاء تسهيل مرور حامل هذا الجواز دون تأخير وكأن هذه الجملة المقصود فيها العكس تماماً ، أما الأمر الثاني في صفحته الأخيرة التى كتب فيها هذا الجواز ذو شأن عظيم ، مع أن تصنيفه يأتي من العشرة الأواخر لأتعس جوازات سفر في العالم .  

فلأنك تحمل كلمة غزة معك فأنت منبوذ من الحكومات اينما ذهبت حتى وان كانت هذه الحكومات تنادي وتطالب بحريتك وفك الحصار عنك، ولكن انها السياسة يا سادة يا كرام .

بالمختصر المفيد ان كنت غزياً فأنت متهم ولن تثبت برائتك ولن تعرف حتى ما هي التهمة الموجهه إليك.