معاناة ستّات غزة في ظل أزمة الستّات..!

معاناة ستّات غزة في ظل أزمة الستّات..!
رام الله - دنيا الوطن
بقلم: حاتم ابو شمالة
أن يخلق الله بلايين الأرقام التي لا تنتهي؛ لكن أن تنحصر معاناتك في رقم 6 فهذا يعني أنك في غزة. 

أن تتوزّع المعاناة على مختلف أنشطة الحياة؛ لكنها تبدأ برقمٍ وتنتهي بآخر؛ فأهلاً وسهلاً بك في غزة.. أن يُعاني الجميع دون استثناء، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الطفل والشيخ؛ لكن أن تتحمّل النساء الجزء الأكبر من المعاناة الحياتية؟! فأنت بلا شك في تلك البقعة الصغيرة التي أرّقت العالم وأثارت حيرته
وخوفه، تعاطفه ونقمته، أنت في غزة..!

فمعاناة “ستّات” غزة )نسائها( تأتي من “ستاتها” المتمثلة في “ستّ” ساعات من الكهرباء، عليهن فيها تدبّر أمورهنّ وأمور عوائلهنّ الحياتية، و”ست” كيلوات من الغاز؛ عليهن المحافظة عليها )إن توفرت( أكثر مما يحافظن على )مصاغهن( إن تبقّى لهنّ بعد هذا الحصار والتقشّف والحرب مصاغ..!

أن تحرص “الست” منهنّ على الوقود وتوفّره في أنابيب باتت أغلى من قوارير عطرها؛ التي كادت أن تنساها، وأن يصبح توقيتها وبرنامجها وعملها وأداء واجبات أطفالها المدرسية، وزيارة أمها والحديث مع حماتها مرتبطاً بتلك الساعات “الست” وجدولها.

أن تقفز -كما الملسوعة بعقرب- من فراشها بعد منتصف الليل؛ لتسابق الزمن؛ وتضع دورة غسيلٍ في الغسالة مع مجيئ الساعات الست الفضليات ليلاً وخوفاً من انصرافهنّ قبل إتمام الغسيل؛ فذاك سباقٌ لا تعرفه إلا )ستّات( غزة..! أن تفتح جوّالها وتتحسسه بعد منتصف الليل؛ لا لتقرأ رسالة حبٍ من زوجٍ أنهكته غزة وحصارُها تماماً مثلها؛ لكن لتقرأ ما سجّلته من أجندةٍ خشية أن تنسى عمل شيئٍ حين قدوم الست ساعات؛ فذلك شعورٌ لا
تعرفه إلا )ستات غزة)..! 

أن يمرض صغيرها وترتفع حرارته؛ فتتحسّس قوارير أدويته في الظلام، وتقرأ التعليمات على ضوء كشّافٍ صغير؛ لأنّ مرضه لم يتزامن مع قدوم الساعات الستّ من الكهرباء؛ فذاك قهرٌ لن يعتصر قلوباً إلا قلوب "ستات غزة"..!

أن تؤجل طلب صغيرها في عمل طبق حلو؛ لأجلٍ غير مسمىً، لأنّ الحلوى ستستهلك غازاً؛ لن تحتمله الستّ كيلوات من الغاز؛ فذاك حرمانٌ في حقّ أطفالٍ لن تمارسه قسراً إلا "ستات غزة"..
أن تزيل وصفاتٍ كاملةً من مطبخها، وتنسى -وتحاول أن تنسى عائلتها بدورها- مطالب معيّنةً من المأكولات؛ مع حسابٍ دقيقٍ لمعدلات استهلاك الغاز؛ في ظلّ أزمة التلوّث والاحتباس الحراريّ العالميّ؛ خوفاً على مشاعر الستّ كيلوات من الغاز؛ فتلك حساباتٌ لن تقوم بها غير "ستات غزة"..

أن تنيم صغارها في وقتٍ يجب عليهم فيه أن يكونوا في كامل صحوهم وطاقتهم )نهارا( وتوقظهم في وقتٍ يكون فيه أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم نياماً )ليلاً( لتوائم بين أدوارهم في استخدام الحاسوب أو التدريس لهم )كما تقتضي طاقتها بعد كل هذا الإنهاك( ليتبرمج الصغار ومطالبهم الحاسوبية والتدريسية مع الآنسة الست ساعات من كهرباء غزة؛ فتلك برمجةٌ لا تقوم بها إلا )ستات غزة(.. أن يؤجل الحبّ، وتنقلب مواعيد الممارسة؛ لا طبقاً لدقّات القلوب أو مطالب الأجساد المنهكة؛ بل طبقاً لموعد الستّ ساعات من الكهرباء، أو الستّ كيلوات من الغاز ؛ ففي ظلّ هذا البرد القارس، أنّى لهما باستحمامٍ منعشٍ دون ماء تدفئة كهرباءٍ، أو جرّة غازٍ؛ فذاك حبٌ لا اُميرسُ إلا على
طريقة ونهج )ستات غزة(.. أن تستقلّ حافلة مواصلاتٍ، وتجلس على مقعدٍ يُطوى )كذاك الذي نراه أمام الشواطئ( وَضَعَه السائق في ممرّ الحافلة ليكسب مقعداً إضافياً ويوفر مالاً )بالكاد أصلاً يكفيه يومه( وتقبل دون أن تمنحَ فرصةً لنفسها أن تنزعج أو تبكي على أنوثتها المهدورة؛ بل يكون كلّ همّها العودة للبيت؛ لكن ما يزعجها حقاً هي رائحة الغاز التي تشتمّها في الحافلة؛ موشيةً
بأنّ السائق استخدم الغاز بدلاً من الوقود الأصلي للتحسّر على احتياج عائلتها لذلك الغاز، فتلك حسرةٌ لن تشعر بها إلا )ستات غزة(.. أن توجل خطوبة ابنتها، أو تحدد موعد زفاف ابنها، أو تعتذر عن وليمةٍ تحضرها، أو وليمةٍ -ولو بسيطةٍ- كان يتع عليها أن تُقيمها، أو تقدّم موعد ضيوف، أو ترجئ موعد عمل، أو تجدّ في البحث عن ملابس عمل )لو كانت امرأةً عاملةً ( تصلح للارتداء دون كيٍ أو كهرباء، خاصةً في أيام الأزمات الخانقة؛ فكلّ ذلك أعمالٌ لا تقوم بها غير )ستات غزة(.. أن تحرص على اصطحاب شاحنِ جوّالها في حقيبتها الخاصة أكثر من حرصها على أشياء نسائيةٍ تحرص كلُّ نساء العالم على اصطحابها؛
لتمارس هوايتها في شحن جوالها في أيّ مكانٍ تقع عينها على العزيزة الغالية الكهرباء؛ فلا يهمّ إن كان ذلك عند ضيوفٍ ذهبت لزيارتهم، أو صالة انتظار تنتظر فيها موعد طبيب، أو حتى قاعة تدريبٍ ذهبت إليها بتكليفٍ من عملها، فذاك حرصٌ لا يحرص عليه إلا )ستات غزة(.. أن تدعو الله أن يطيل في ساعات الكهرباء، ويمنح البركة لكيلوات الغاز؛ أكثر مما أصبحت تدعو لأبنائها وبناتها وقت امتحاناتهم أو محنتهم؛ فلا يكفّ لسانُها يلهج بدعوةٍ لهذا، أو دعوة على من تسبّب بهذه المعاناة؛ فتلك دعواتٌ وطقوس عبادةٍ لا تمارسها إلا )ستات غزة(.. لذلك؛ لا أملك إلا أن أقول )أيا ستات غزة( أراحكنّ الله من )ستات غزة( ولله حقاً درّكنّ !!!