آخر صيحة في غزة .. بالصور: كتاب يوثّق تاريخ مهنة "الحلاقة" وأشهر ممارسيها

آخر صيحة في غزة .. بالصور: كتاب يوثّق تاريخ مهنة "الحلاقة" وأشهر ممارسيها
غزة -خاص  دنيا الوطن-اسامة الكحلوت

عاش بعض حلاقين قطاع غزة فى مهنتهم لاكثر من خمسين عاما، ورحلوا ورحلت اسرارهم معهم رغم المكانة المرموقة للمهنة ولمكانتهم، ودفنت اسرار كثيرة برحليهم كونهم يمتلكون اسرار الحارة التى يعملون فيها .

محمد بكير السكنى فى الثلاثينات من عمره قرر ان يحفظ تاريخ الاباء والاجداد وحلاقين قطاع غزة واسرارهم وتضحياتهم فى كتاب واحد يحتوى على تاريخ المهنة ورجالها ومؤسسيها .

وسيتعرف القارئ من خلال الكتاب على الحلاق الشخصى للعديد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية والاكاديمية ومن لهم مكانة فى المجتمع الفلسطينى، بعدما افصحوا عن زبائنهم المهمين خلال رحلة العمل الطويلة سابقا .

محمد الذى يعمل فى نفس المهنة ( كوافير رجال) هو نجل الكوافير القديم انور بكير  السكنى صاحب اقدم صالون فى منطقة الرمال وسط مدينة غزة، حيث تمكن من اتقان المهنة بعد اتمام الثانوية العامة على يد والده الذى ما يزال على رأس عمله ، بالاضافة لالتحاق نجله محمد ونجل اخر له .

ويعتبر محمد اول شاب فلسطينى يقوم على اصدار كتاب اشبه بالموسوعة يروى تاريخ حلاقين قطاع غزة، وقد ولدت الفكرة لديه قبل ثلاثة اعوام ، نظرا لحبه الكثير للمطالعة والقراءة بشكل دائم، الا انه خلال السنوات الماضية لم يجد اى كتاب يروى او يذكر تاريخ الحلاقين بعد زيارته لاكبر ثلاثة مكتبات فى قطاع غزة، سوى كتاب للدكتور رشاد المدنى يذكر اسماء الحلاقين الذين هاجروا فى النكبة الى قطاع غزة عام 1948 .

وقال محمد لدنيا الوطن عن كتابه الذى استغرق جمعه وتأليفه ثلاث سنوات بجهده الشخصى  " قمت بزيارة كل من له صالون حلاقة منذ 1948، وقابلت ابناء المتوفين منهم لتسجيل سيرتهم التاريخية فى مهنة قص الشعر، وحصلت على صور نادرة لهم اثناء العمل بالاضافة الى 14 اداة قديمة عاشت معهم اكثر من 40 عاما، وساقوم بانشاء متحف تراثى صغير داخل عملى لعرضها " .

وقد استغل محمد ايام الاجازة الرسمية للعاملين فى هذه المهنة وهو يوم الاثنين من كل اسبوع، للزيارة الميدانية لمنازل الحلاقين والبحث عليهم فى الحارات واماكن تواجدهم، ليصل فى النهاية لهذا الكتاب .

وساعده والده فى الوصول للحلاقين القدامى العاملين فى المهنة منذ عام 1970 حتى الان لمزاولته المهنة من ذلك العام، وحاور اقدم ستة حلاقين خلال التجهيز للكتاب، من اول حلاق ( مزين) اسماعيل الخطيب، حيث يمارس مهنته من قبل 65 عاما حتى الان، كما تمكن من الحصول على 80 تسجيل صوتى مع العاملين القدامى فى المهنة، واحصاء 140 حلاق منذ عام 1945 حتى عام 2000.

واطلق محمد على كتابه اسم الموسوعة التاريخية لمهنة الحلاقة، ويتكون الكتاب من 400 صفحة ويحتوى على 700 صورة من ضمنها 65 صورة تاريخية ونادرة للحلاقين فى قطاع غزة .

وشرح محمد داخل الكتاب تفاصيل وتاريخ مهنة الحلاقة منذ عام 1917 منذ الاحتلال البريطانى واشكال صالونات الحلاقة القديمة، وسبب تسمية الحلاق بهذا الاسم مرورا باسم المزين والكوافير، بالاضافة للاعمال الاضافية التى مارسها  الحلاقين كخلع اسنان الاطفال وقطع الخوفة ومداواة جروح المرضى وخرق اذن الاطفال حديثى الولادة .

وعن ثورة مهنة الحلاقة بعد عام 1987  قال محمد لدنيا الوطن " بدات ثورة الحلاقة لدى الشباب بعد هذا العام نظرا لمنعهم من العمل داخل اراضينا المحتلة، وتزايد عدد السكان مما دفع الشباب للالتحاق بهذه المهنة  وفتح صالونات فى مناطقهم، والتحق اغلبيتهم فى صفوف السلطة الوطنية الفلسطينية بعد مجئ السلطة عام 1993".

ورغب من خلال اصدار هذا الكتاب توصيل رسالة ( من لا ماضى له فلا مستقبل له) ، وان الشعب الفلسطينى لن ينسى ماضيه وتاريخه بالاضافة للحفاظ على الثوابت، والاستفادة من مؤسسين المهنة فى قطاع غزة والحفاظ عليها.

قد كلف محمد انشاء هذا الكتاب مبلغ كبير من المال رفض الافصاح عنه، انطلاقا من زيارة منازل الحلاقين والاتصال بهم لتنسيق المواعيد وشراء لاب توب لتوثيق التسجيلات وطباعتها على اوراق، وتدقيق نحوى واملائى، وجارى العمل حاليا على اقامة احتفال كبير فى قرية الفنون والحرف بغزة لاطلاق الكتاب بعد ارساء المناقصة لطباعته وتوزيعه ، والتى تنتهى نهاية هذا الشهر، بحضور المؤسسات المهتمة والحلاقين القدامى فى قطاع غزة، وتقديم درع تكريم له.

مشيرا الى ان اغلب حلاقين قطاع غزة لهم دور اجتماعى فاعل ولا تقتصر حياتهم على مهنتهم، مثل السيد وائل حجيلة من قدامى العاملين فى المهنة وهو عضو بارز فى لجنة الاصلاح بين المواطنين، ووالده انور بكير السكنى عضو مجلس امناء العائلة، ولهم دور فى الحفاظ على النسيج الاجتماعى ، ومنهم المثقفين وحاملين الشهادات الجامعية.

وفى تفاصيل لقاءات مع قدامى الحلاقين تحدث البعض منهم عن اجرة الحلاقة سابقا كانت مقابل عدد قليل من البيض او شوال البرتقال، او ما يصنعه الزبون فى منزلهم من طعام، وصولا لدفع مبلغ قليل مقابل الحلاقة .

وعن اجمل قصة صادفها خلال حديثه مع قدامى الحلاقين، حيث تمنى ان يكون متواجدا معهم فى ذلك العصر قال " ابلغنى احد الحلاقين خلال لقائه عن قدوم طفل له فى العاشرة من عمره طالبا منه ان يحلق شعره ولا يمتلك المال مقابل ذلك، ووافق على الفور ووهب الاجر لله ، وبعد مرور 15 عاما على هذا الطفل عاد اليه ولكن كان شابا يلبس بدلة ونظارة، وبعد انتهائه من الحلاقة اعطاه 100 دولار، وبعدما قال له من اين سأتى لك بصرافة هذا المبلغ، فرد عليه الشاب هذا المبلغ كله لك وقليل عليك، وبعدما سأله عن مناسبة ذلك، قال له الشاب انك حلقت لى قبل سنوات طويلة مجانا بدون تذمر او نفور، وكان الحلاق بالفعل فى ذلك الوقت يمر فى ازمة مالية خانقة "

واهدى محمد هذا الكتاب للشهيد ياسر عرفات واحمد ياسين، ولوالده الذى افنى حياته فى سبيل اسعادهم وتعليمهم، ولوالدته التى ساندته بدعواتها خلال سنوات جمع مواد الكتاب، وزوجته واولاده واخوانه واخواته الذين ساندوه فى الوصول للنجاح .

ويحتوى الكتاب على تاريخ 140 حلاق فى قطاع غزة، اقدمهم من عائلة السوسى والخطيب وساق الله والجاروشة، وتاريخ اقدم ثلاث حلاقين ما زالوا على رأس عملهم وتقاعد اثنين اخرين منهم، واول ظهور لصالون حلاقة عام 1965 فى شارع فهمى بك وسط مدينة غزة .

















التعليقات