الحل ليس السلام!

الحل ليس السلام!
بقلم : رهام عودة

يُعد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من أقدم قضايا النزاع في العصر الحديث و التي مر عليها نحو 67 عاما من نكبات ونكسات و انتفاضات و حروب متقطعة تفصلها مفاوضات و اتفاقيات سلام وهدن هشة ، لم توفر أقل متطلبات الاستقرار السياسي و الحياة الإنسانية الكريمة  للشعب الفلسطيني، الذي مازال يدفع ثمناً باهظاً نتيجة هذا النزاع المحتدم بين الإسرائيليين و الفلسطينيين و ذلك من أرواح شبابه الشهداء و حياة أطفاله الأبرياء و دموع نسائه الأرامل و الثكلى.

فهل كُتب على جميع أفراد الشعب الفلسطيني في داخل الأراضي الفلسطينية و خارجها أن يستمروا بدفع فاتورة عجز أعضاء المجتمع الدولي و القادة الفلسطينيون و الإسرائيليون عن إيجاد حل عادل لإنهاء صراع دموي بين شعبين لا يوحدهم أي شيء سوى الاقتتال على أرض مقدسة بالنسبة لديانتهم السماوية الثلاثة، فقد شهدت هذه الأرض انتهاكات فظيعة في حقوق الإنسان وروايات صادمة تم كتابتها بلغة الدم الثائر والعنف القاتل.

إذا ما الحل الذي يمكن أن يحقن دماء المدنيين من طرفي  الصراع ؟ وما  الحل الذي يمكن أن يحفظ للفلسطينيين كرامتهم و يضمن لهم حرية واستقلال في ظل دولة حقيقية قابلة للحياة ؟

أعتقد أنه لا يوجد حل سحري، و أن الحل بالتأكيد ليس السلام التقليدي بين الإسرائيليين و الفلسطينيين، لأنه بكل بساطه تم تشويه قيم هذا السلام و أصبح مصطلح السلام مرتبط بشكل تلقائي بوصمة عار تلصق بأي شخص فلسطيني أو عربي  يتحدث بصراحة عن إمكانية حدوث سلام بين الإسرائيليين و العرب ، لأن  معظم المتطرفين بوطنيتهم يعتقدون أن السلام هو مجرد تطبيع مع العدو و خيانة للقضية الفلسطينية ، الأمر الذي جعل كبير المفاوضين الفلسطينيين ، د.صائب عريقات يصف تجربته بالمفاوضات عبر لقاء له مع إحدى الفضائيات العربية بأنه عندما يتفاوض مع الإسرائيليين فإنه  يتفاوض بألم !

لذا كيف يمكننا أن نتوقع أن ينجح المفاوض الفلسطيني بانجاز اتفاق سلام عادل مع الإسرائيليين يضمن حقوق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وهو يتعذب نفسيا و يتفاوض بألم !

نحن كشعب فلسطيني  لا نريد ألام و لا تنازلات و لا حتى سلام وهمي، لأن السلام أصبح منبوذ و تحول لمجرد كلمات منمقه للتسويق الدولي ، يستخدمها بعض المنافقون للحصول على جائزة عالمية ما أو نيل صداقة مع شخصيات أجنبية قد تمن عليهم بيوم ما بمركز دولي مرموق.

إن ما يحتاجه الشعب الفلسطيني ليس  السلام المنافق مع إسرائيل و نفس الشئ بالنسبة للشعب الإسرائيلي فهو لا يحتاج أيضا للسلام البارد مع الفلسطينيين ، لأن كلا الشعبين بكل بساطه يفتقدان للسلام الداخلي في حياتهما اليومية،  فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه !

لذا أعتقد أن ما يجب أن يتم الاتفاق عليه هو العمل على تطوير اتفاقية تفاهم مشترك بين الشعبين شبيهة نوعا ما في مبادئها بالاتفاقيات التجارية الدولية التي يتم تأسيسها بناء على المصالح المشتركة و الأرباح المتبادلة بين الطرفين و ليس بناء على تقديم تنازلات و خسارة من طرف مقابل طرف أخر ، فالشعب الفلسطيني بكل بساطه يمثله جسم واحد و تاريخي وهو منظمة التحرير الفلسطينية و لا يمثله أي فصيل سياسي معين ذو أيدلوجية خاصة بمؤسسيه ، وبكل بساطه منظمة التحرير  أعلنت بصراحة شديدة  للفلسطينيين و لأعضاء المجتمع الدولي أنها تطالب بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 و أن تكون عاصمة تلك الدولة القدس الشرقية مع إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ، أما إسرائيل فهي لم تحدد حدودها بعد، لكنها أعلنت بصراحة أن أهم شيء لديها و  بالدرجة الأولى هو ضمان أمن الشعب الإسرائيلي و عدم الاعتداء على الأماكن المقدسة بالنسبة للديانة اليهودية.

إذا المعادلة الفلسطينية – الإسرائيلية واضحة و تتمثل بكل بساطه بالعبارة التالية :

 الأمن للإسرائيليين مقابل الأرض للفلسطينيين

 إنها معادلة بين أنداد و ليست معادلة بين قوي وضعيف ، إنها معادلة أمنية إنسانية بالدرجة الأولى !

فإذا أراد الإسرائيلي أن يحصل على الأمن عليه أن ُيسلم الأرض للفلسطيني ،وذلك ضمن حدود عام 1967 وحسب قرار مجلس الأمن رقم 242.

 وقد يقول البعض أن إسرائيل قوية و لا تحتاج إلي استجداء الأمن من الفلسطينيين، لكنني أكاد أجزم هنا أن كل الأسلحة المتطورة في العالم لن توفر أقل متطلبات الأمن النفسي للمواطن الإسرائيلي الذي قد يشعر بالتهديد من أصغر حجر صخري في يد مراهق فلسطيني، لذا لابد للإسرائيليين  أن يدركوا جيدا أن القوة العسكرية لن تحميهم للأبد، فالأمن هو مصطلح شامل ومتعدد الجوانب و لا يمكن تحقيقه بقوة الجيش فقط.

و في ذات الوقت ، إذا أراد الفلسطيني أن يحصل على الأرض عليه أن يتوقف عن استخدام قوة السلاح و لغة التحريض و أن يتبنى منهج العقل و الدبلوماسية التي تتسم بالدهاء و حقن الدماء.

إن ما يحتاجه فعلا الفلسطينيون هو قيادة إنسانية تتسم  بالذكاء الدبلوماسي و الحنكة السياسية التي تجعل ليس مجرد جميع دول العالم تطالب إسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 67 بل تجعل أيضا الشعب الإسرائيلي نفسه  يضغط على قادته من أجل توقيع اتفاقية تفاهم مشتركة بعنوان الأرض مقابل الأمن ، و ليس الأرض مقابل السلام الغير واقعي، لأن السلام في عصرنا هذا تم تشويه صورته و صار درب من دروب الخيال الشعري، يتم التغني به ضمن  مخيمات السلام الشبابية التي ينتسب إليها أبناء الطبقة المخملية اللذين يتحدثون بطلاقة لغة انجليزية ذات لكنة أمريكية.

بينما يبقى الفقراء و المهمشين يعيشون في أقبية الظلام و يدفعون يوميا الثمن من معاناتهم  و أرواح أبنائهم، حيث يتم التضحية بهم كقرابين بشرية لنيران معارك لا يخططون لها ، و في النهاية يتم التفاوض بالنيابة عنهم  داخل أجنحة الفنادق الفخمة ذات السبعة نجوم ، من أجل انجاز صفقات سياسية أو عسكرية لا يعرف المواطنين أهدافها الحقيقية سوى أنه يتم المتاجرة بآلامهم و أحلامهم المخدوعة بنيل الحرية الأبدية.

لكن في واقع الأمر، المدنيون هم فعليا في غنى عن هذه  الوعود الزائفة التي تتصدر منابر الخطابة الإعلامية ، فجل ما يحتاجه  المواطن العادي  هو وقائع و أدلة تاريخية تثبت أن قيادته تعمل من أجل مصلحته و من أجل الدفاع عن حقه بالحياة ضمن دولة مستقلة وفي ظل ظروف إنسانية و اجتماعية عادلة.

لذا فلنتوقف عن المطالبة بالسلام الزائف أو شن الملاحم الأسطورية و ليطالب الجميع بإيجاد حل  واقعي و عقد اتفاقية تفاهم مشتركة بين طرفي الصراع ، يتم تأسيسها  بناء على قواعد حقوق الإنسان و قرارات الأمم المتحدة و المصالح المتبادلة،  فليس من المعقول، أن دول العالم المتقدمة بدأت تغزو كوكب المريخ ، و نحن مازلنا كفلسطينيين لا ننعم بقطعة أرض متواضعة تقع  ضمن حدود مثلث محدب الشكل متواجد في نقطه صغيرة  على الكرة الأرضية المهددة بالانفجار عبر الزمن ، حيث  يكاد يشبه هذا المثلث الصغير  في طبيعة العنف الدائر فيه مثلث برمودا الغامض الذي رويت حوله العديد من الأساطير الشيطانية ، فهل تحكم الشياطين أيضا الأرض المقدسة التي يتنازع عليها  العرب و اليهود منذ 67 عاما ؟

 سؤال و إن كان رمزي المضمون،  لكنه يستحق أن يتم طرحه، لأنه حتى تلك اللحظة  الدم و القتل اللذان يعشقهما  مصاصي الدماء في أفلام الرعب الهوليودية هما السائدان على سطح تلك  الأرض المقدسة !