الطبيب الفلسطيني رائد عرفات يؤسّس نظامًا نوعيًا في أجهزة الطوارئ في رومانيا

الطبيب الفلسطيني رائد عرفات يؤسّس نظامًا نوعيًا في أجهزة الطوارئ في رومانيا
رام الله - دنيا الوطن - خيري حمدان
يعتبر الدكتور رائد عرفات سكرتير الدولة لقطاع الصحّة في جمهورية رومانيا، المؤسّس وراعي العملية الإصلاحية في قسم الطوارئ التابع لقطاع الصحّة الروماني، المشروع الحائز على شعبية وطنية قاربت 80%. استراتيجية الدكتور رائد تشمل كذلك مشاركة دائرة الإطفاء والشرطة في رومانيا خلال تقديم المساعدة العاجلة للمصابين في البلاد. 

رائد عرفات مواطن فلسطيني ولد عام 1964 في دمشق وأمضى السنوات الستّة عشرة من حياته في مدينة نابلس حيث عمل متطوّعًا في أطقم الإنقاذ الطبّي منذ أن بلغ الرابعة عشر من العمر ثمّ هاجر إلى رومانيا وحصل على الجنسية الرومانية فيما بعد. يعدّ عرفات رمزًا للاحتراف والعطاء في مجال إنقاذ الحياة البشرية في رومانيا وتُدرّسُ تجربتُه الفريدة في العديد من دول الجوار. وتمكّن من تطوير فكرته لتصبح حقيقة على أرض الواقع في ظلّ نظام غارق في الفساد كما هو الحال في قطاع القضاء الروماني كنموذج لدول المنظومة الاشتراكية الغابرة. قد تكون مصادفة إنهاؤه لدراسة الطب خلال العام 1989 وهي السنة التي شهدت بداية التغييرات الأصولية في الدول الاشتراكية وسقوط تشاوتشيسكو في رومانيا وبدء رحلة هذه الدول نحو اعتماد اقتصاد السوق بديلا عن النظام الاشتراكي.

خلال العام 1990 وضع عرفات أسس نظام الإسعاف العاجل والإنعاش في مدينة ترغو موريش، وكان آنذاك يمضي فترة التخصّص وأطلق على النظام الجديد مسمّى (SMURD) النظام العاجل للإنعاش وتقديم المساعدة في الحوادث.

بدأ الدكتور عرفات تجربته بسيارة واحدة مجهّزة بكافة المعدّات الضرورية لتقديم العلاج في الحالات التي لا تحتمل تأخيرًا، علمًا بأنّ السيارة المعنية لا يمكنها نقل المصابين إلى المشفى، وتمثّل دور طاقم عرفات بإنقاذ حياة المصاب ومعالجته حتى قدوم سيارة الإسعاف القادرة على نقل المصابين إلى المستشفى التخصّصي. العملية بالكامل تطوعية ولا يحصل الأطباء أعضاء الطاقم على مردود مادّي، لكنّ عرفات لم يتردّد بالمضيّ في تطبيق هذه التجربة المتميّزة وقام بتمويل العملية بالكامل من مدّخراته المالية. وفي العام 1991 حصل طاقم عرفات على عربة إسعاف متخصّصة هبة من الحكومة الألمانية، وعلى الفور حاز الطبيب المبادر على دعم وثقة دائرة الإطفاء الرومانية في مدينة ترغو موريش للمشاركة في عمليات الإنقاذ العاجلة. أثبتت التجربة نجاحها وسرعان ما اقتسبت وأدرجت في قطاع الطوارئ في باقي المدن الرومانية.   

في العام 1992 حصلت أطقم الإنقاذ على فرص للتدريب العملي والمهني في ألمانيا وهولندا والولايات المتّحدة الأمريكية وبعد عام واحد، تمكّنت هذه الأطقم من تجهيز صالة إنقاذ عاجلة بأحدث المعدّات والتقنيات في مدينة ترغو موريش بتمويل من المستشفى الملكي في إدنبرغ، ما ساعد في خفض حالات الوفيات إلى قرابة 50%.

شهد العام 1993 شهرة واسعة وامتداد لتجربة الطبيب المبدع رائد عرفات في باقي المدن الرومانية، واستمرّ انتشار هذا النموذج خلال السنوات القليلة المقبلة، وفي العام 1998 تبرّع مواطنو مدينة موريش بقرابة 182 ألف مارك ألماني لصالح هذا المشروع، واشترى الطاقم سيارة إسعاف حديثة من ألمانيا. عمليًا بات من الممكن الوصول إلى مكان الحادث وتقديم المساعدة الطبية الحثيثة خلال 5 – 6 دقائق فقط وكان الوقت المتوقع قبل ذلك يراوح قرابة 50 دقيقة. 

أطباء وطيارون ورجال إطفاء ضمن أطقم الإنقاذ

نال رائد عرفات الجنسية الرومانية في العام 1998 وبعد ذلك بعام واحد حصلت مؤسسة عرفات على أوّل طائرة إنقاذ عمودية وبات من الممكن مشاهدة طيارين ورجال إطفاء وأطباء ومتسلقي جبال ضمن أطقم الإنقاذ العاجل، الأمر الذي ساعد في إنقاذ حياة المنكوبين أينما تواجدوا في الشوارع السريعة أو في الجبال على حدّ سوّاء.

العام 2006 هو الأهم في حياة الدكتور رائد عرفات، حيث سنّ قانون حصل بموجبه عرفات على براءة وطنية واعتبرت مؤسسة خدمات الإنقاذ الوطنية العاجلة (SMURD) ملكًا للسيد عرفات في إطار المفتشية الرئيسية للحالات الطارئة في رومانيا، تبع ذلك تأسيس مراكز إقليمية للإنقاذ العاجل في كافّة أنحاء البلاد.  

القانون الجديد لا يعتبر مؤسسة (SMURD) تجارية ما يعني عدم امتلاكها لموازنة خاصة، ويعمل ضمنها أطباء في مستشفيات الطوارئ وطيارون ورجال إطفاء. تُموّل هذه المؤسسة من وزارة الصحّة ووزارة الداخلية ومن التبرعات والممولين الأفراد ورجال الأعمال، وأحيانًا تحصل المؤسسة الرائدة على تمويل من السلطات المحلية.

معروف عن الطبيب المخضرم رائد عرفات مهنيته الفائقة وهو متطلّب للغاية ولا يتهاون مع متطلبات العمل، ويدرك بأنّ الأخطاء الصغيرة قد تتمخّض عن نتائج مؤسفة، ولم يتوان عرفات لحظة واحدة عن إقالة أحد الموظفين لتدخينه لفافة تبغ في سيّارة الإسعاف، ليصبح درسًا لكلّ من يتساهل مع متطلبات وقواعد ونظام العمل في هذه المؤسسة. الآن، أصبح بإمكان سيّارات الإسعاف الوصول إلى مكان الحادث في المدن المكتظّة خلال 8 – 10 دقائق وفي الأماكن الزراعية النائية خلال 20 دقيقة، وأدرج كذلك إمكانية استخدام الدراجات النارية القادرة على المناورة والتحايل على ازدحام الشوارع للوصول إلى المنكوبين وتقديم المساعدة العاجلة لإنقاذ حياتهم حتى وصول سيّارات الإسعاف المجّهزة بأحدث التقنيات الطبية. 

  تنسيق طبّي واسع على المستوى الوطني واستقالة علنية

تمتلك مؤسسة عرفات حاليًا على 6 طائرات سمتية وقريبًا سيرتفع هذا العدد إلى ثماني طائرات بمعدّل طائرة لكلّ منطقة. ويمكن لمؤسسة عرفات الحصول على الدعم ومقدّرات الدولة واستخدام طائرات وزارة الداخلية ووزارة الدفاع عند الضرورة. تقديرًا لجهود الدكتور رائد عرفات حصل هذا الدكتور الناجح خلال العام 2003 والعام 2005 على ميدالية الدولة الرومانية، وعيّن في العام 2007 نائب سكرتير الدولة في وزارة الصحّة، واحتقظ بهذا المنصب حتى العام 2012 لكنّه اضطرّ لتقديم إستقالته إثر النقد الذي وجّهه لوزارة الصحّة لفشل عملية الإصلاح في هذا القطاع.

جاءت المطالبة باستقالة الدكتور رائد عرفات درامية للغاية، حدث ذلك مباشرة عبر إحدى قنوات التلفزة حيث توجّه الرئيس ترايان بسيسكو للطبيب الفلسطيني الروماني مطالبًا باستقالته، لكنّ هذه الحادثة أدّت إلى ردود فعل كبيرة واندلعت مظاهرات شعبية عمّت شوارع البلاد. ولم تتمكن الحكومة الرمانية من تنفيذ مخطّطاتها بشأن خفض رواتب موظفي قطاع الصحّة ومستحقّات التقاعد بنسبة 25%، كما فشلت مخططات رفع ضريبة المبيعات ليصبح رائد عرفات بطلا قوميًا ورمزًا للمهنية الرفيعة، وحظي بشعبية غير مسبوقة لدى طبقات المجتمع المختلفة. وجد الرئيس الروماني بسيسكو نفسه وجهًا لوجه أمام مظاهرات كبيرة أغلقت شوارع العاصمة والمدن الكبرى، وخلافًا لطباع الرئيس اعترف بخطئه بحقّ الدكتور عرفات، واعتذر وتراجع عن قراره، ليعود الدكتور إلى منصبه بعد مرور أسبوع واحد فقط على استقالته.

بعد تلك الحادثة توالت محاولات استخدام عرفات سياسيًا بل وعيّن وزيرًا للصحّة في حكومة رئيس الوزراء فكتور بونتا عام 2012، وأتيحت الفرصة لعرفات أن يقسم على الإنجيل أو القرآن كما يشاء، لكنّه اختار وضع يده على الدستور الروماني خلال أداء القسم في البرلمان الروماني، مؤكّدًا بذلك على عنايته الفائقة بمهنته ورسالته الطبية دون غير. 

خلال الأشهر الأحد عشر التي تولى أثناءها منصب وزير الصحة، تمكن من إثبات جدارته واعتمد الشفافية في طرح المناقصات والمشاريع الطبية المتخصصة وفي مشاريع شراء الأدوية للمستشفيات في كافّة أنحاء البلاد، وفرض قانون أخلاقي متكامل في العمل الطبّي، صادقت عليه كافّة شركات تصنيع الدواء وشركات التسويق الوطنية، لكنّ السيّد رائد عرفات تخلّى عن منصبه قبل مضيّ عام واحد وفضّل الاحتفاظ بمنصبه كسكرتير دولة لدى وزارة الصحّة ما يسمح له وفقًا لتصريحاته بالحفاظ على آليات التحكم الكامل على نظام الإسعاف والطوارئ في البلاد وإدارته وفقًا لرؤيته الخاصّة. ابتعد عرفات عن السياسة وهمومها مفضّلا بذلك تكريس جهوده وخبرته لإنقاذ الحياة البشرية.           

التعليقات