في غزة : "الغول" .. فنّان بساق واحدة ..!؟

في غزة : "الغول" .. فنّان بساق واحدة ..!؟
غزة - خاص دنيا الوطن-اسامة الكحلوت

التحدى والنجاح لا يعرفان طريق المستحيل رغم كل الصعوبات الحالية لدى بعض الشباب الفلسطينى، حتى لو كان ذلك بفقدان جزء مهم فى جسم الانسان يساعده على مهنة يمارسها الاصحاء، للوصول لقصة نجاح تساعدهم على تحدى الظروف الحالية .

ففى مدرسة البريج الواقعة شرق المخيم وعلى مقربة من الاسلاك الفاصلة مع اراضينا المحتلة، جلس الشاب جهاد الغول برفقة اصدقائه داخل المدرسة فى يوم الجمعة لممارسة الرياضة داخل الملعب، والتى سرعان ما تركها بعد سماعه اصوات انفجارات لصواريخ اطلقتها الطائرات الاسرائيلية قبل البدء باجتياح برى شرق المخيم عام 2008 قبل الحرب التى شنت فى ذلك الوقت ، محاولا الوصول للمكان المستهدف لاسعاف المصابين .

ولم ينجح جهاد فى الوصول للمكان المستهدف بعد خروجه من المدرسة ، بعدما اطلقت طائرة اسرائيلية صواريخ استهدفته واصدقائه، ليستشهد سبعة من اصدقائه على الفور، ويصاب جهاد وصديق اخر له ، حيث كان اكبرهم يبلغ من العمر 18 عاما .

ويذكر جهاد هذا الموقف جيدا لانه غير حياته وافقده ساقه بالكامل نتيجة الاصابة فى حين كان فى الصف العاشر فى ذلك الوقت، وجلس برهة على الكرسى ينظر لطرفه الذى فقده ليتذكر اللحظة التى غيرت حياته ، وحولها لمصدر قوة ونجاح وعزيمة يكافح فيها اعباء الحياة .

جهاد الذى ييلغ من العمر 23 عاما استدرك اصابته ، واكمل حياته طالبا فى المدرسة ليحصل على الثانوية العامة بمعدل 55 بالمئة، معتبرا هذا المعدل غير مقبول الا ان اضطر للاستسلام له لعدم قدرته على الجمع بين الدراسة والعلاج انذاك وكثرة مراجعته للمستشفى .

والتحق جهاد بالجامعة بعد حصوله على منحة جامعية لمدة عام كامل فى تخصص هندسة الديكور، الا انه سرعان ما انسحب منها لعدم وجود مستقبل لهذا التخصص، مكتفيا بما تعلمه وما يريده من الجامعة خلال العام ، ويبنيه على هوايته فى الرسم باضافة النحت والدهان والديكورات، متجها فيما بعد للعمل بساق واحدة فى الحياة وتحمل اعباء اسرته المكونة من 8 اشخاص بالاضافة للاب والام .

جهاد الابن الاكبر والبكر للاسرة التى تعيش بدون مصدر دخل لهم، نظرا لجلوس والده فى المنزل بعد اغلاق معبر ايزر وتوقفه عن العمل داخل اسرائيل، بالاضافة لوجودهم جميعا داخل منزل الجد مع ابناء اعمامهم قبل عامين.

ويتابع جهاد لدنيا الوطن " لم افكر يوما فى اصابتى او اشعر باننى معاق وبدون ساق، بل كانت اصابتى دفعة نحو الامام والمستقبل ولم اشعر بالاعاقة، واعيش بين اسرتى سعيدا واختلط مع الجميع واحظى بمحبتهم، ولا يذكرنى فى الاصابة سوى وسائل الاعلام التى تزورنى ".

مشيرا خلال حديثه الى انه استوعب اصابته على الفور وعاش حياته مثل باقى الجرحى رغم معاناتهم ومعيشتهم بدون رعاية او تأمين لمستقبلهم، بالاضافة للراتب الذى يتقاضاه من الحكومة واصفا اياه " راتبى لا يكفى القطة مرتديلا على مدار الشهر " .

وانطلق فى حياته العملية بالعمل فى بيوت اصدقائه ومعارفه واقاربه، من خلال متابعته على الانترنت وتطوير نفسه على الرسم والنحت  ودهان المنازل، وفهم الغاز الالوان وتركيبها .

ويحصل جهاد من مهنته على عائد بسيط يكفيه لاعالة اسرته وشراء متلبطات البيت، وتمكن بعدعامين كاملين من بناء شقة لاسرته فوق منزل جده، وكلفه ذلك ما يقارب 7000 دولار امريكى، لتعيش الاسرة مستقلة بعد كبر ابنائهم.

وجلس جهاد خلال حديثه داخل منزلهم المغطى بالواح من الحديد ( زينقو)  بالاضافة لمطبخ غير مكتمل وغرفة الضيافة ، وجدارن بدون قصارة وشبكة كهرباء ومياه مكشوفة، الا انه اصر ان يجسد هوايته وفنه داخل منزلهم الغير مكتمل على جدار الصالون بالوان جذابة ورسومات مدهشة بالاضافة للنحت ، متمنيا من المؤسسات الاهلية مساعدته على اكمال بيته.

ولم يمر جهاد بعوائق خلال عمله، معتبرا اياها لو مرت ستكون دافع للقوة اكثر فى اطار عمله ونجاحه، مهمشا حديث بعض الاشخاص وسخريتهم من اصابته وابداعه، لوصوله للنجاح الذى لم يصلوا اليه رغم عافيتهم .

ويجزم بان الجريح الفلسطينى يتوجب على الحكومة الاهتمام به نظرا لاجباره على العمل، مؤكدا ان ساقه الثانية السليمة مليئة بالشظايا والالم الذى يتجاهله يوميا حتى يضيع وقته ويلبى حاجة اسرته .

واضاف جهاد لدنيا الوطن" اطمح باكمال طريقى فى الفن والرسم وان امثل فلسطين فى رسالة عالمية من خلال ابداعى، وايصال نجاحى لكل العالم ، فى حين لم يتمكن البعض من الوصول لما وصلت اليه ".

ويشير بيده الى ساقه المبتورة قائلا"  اسعى لاكمال طريقى فى النجاح وتركيب طرف صناعى يساعدنى على الزواج، ولا يصح ان اتوجه لطلب عروس وانا بساق واحدة، ولا تقبل بعض الاسر بذلك، وانا اسعى فعليا وجاهدا لذلك " .

وناشد جهاد فى ختام حديثه الرئيس محمود عباس بمساعدته للسفر خارج فلسطين لتركيب طرف صناعى يساعده على التحرك بحرية بعيدا عن( العكازين) ، بعدما فشل فى استيعاب طرف صناعى ركبه محليا لمدة شهر واحد وسبب له الام وجروح وقام باعادته للمركز المختص قبل سبع اعوام، واضاف"  ناشدت الرئيس وساناشده حتى الممات لانه الاب لكل الشعب الفلسطينى لمساعدتى فى تركيب طرف صناعى، لاعيش حياتى واتزوج" .