بين حليب الجدي وخلع الحجاب ..

بين حليب الجدي وخلع الحجاب ..
كتب غازي مرتجى

لعلّ "اسفاف" الساسة في بلدنا المصون وتذبذب الحالة السياسية كل ساعة بين تأكيدات بحلول قادمة ونفي مُطلق بعدها فوراً جعل اهتمامات المواطنين بعيدة عن القضايا السياسية والمطلبية .. فقد كفر الرأي العام بصانعيها .. 

خلال أسبوع واحد ضجّ الفيسبوك والتواصل الإجتماعي بقضية "الجدي الحالوب" فمن جهة سخّر النُشطاء أقلامهم للسخرية من قرار التحفّظ على "التيس" ومن جهة أخرى دافع البعض عنه وعن صاحبه مع اعتقاد جازم بـ"الخير" الذي يُدره حتى لو كان "سائلاً منوياً" .

"التيس" يُلخّص الحالة التي وصل لها الرأي العام الفلسطيني ومدى ضجره وقرفه في ذات الوقت من تجاذبات السياسيين واعتياده على سماع "النفي" بعد الجزم والتأكيد .. فما أن يقرأوا خبراً إلا وينتظروا نفياً له بعد سويعات ...

في نفس الأسبوع أوسع "شيوخ" الفيسبوك المودرن صفحاتهم بفتاوى وآراء شخصية مُعارضة لإحدى الفتيات الغزيّات والتي قررت خلع حجابها بعد صراع فكري طويل مرّت به بحسب ما كتبت على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي .

بعيداً عن رأيي الشخصي بضرورة الالتزام بالعبادات  كاملة لا منقوصة , إلاّ أن ّ إيماني بذلك لا يُعطيني الحق بانتقاد هذه الفتاة فهي أعلم بحالها وأدرى بقرارها  .. لكن اعتبار قرار خلع الحجاب أنّها خلعت "كل شيء" فهنا الفهم الديني الخاطيء , فلا يحكم على الناس إلا ّ رب الناس وما اعلم بالقلوب الا خالقها ..

أن نُحوّل قضية "حرية شخصية" إلى قضية رأي عام فهذا دليل آخر على "فضاوة" النشطاء والعامة وضجرهم من القضايا الوطنية الهامة ليتجهوا الى قضايا في مضمونها شخصية لا علاقة لهم  بها .. 

بعض منتقدي "خالعة الحجاب" أساءوا للدين وسماحته رُبما أكثر من قرار "خلع الحجاب" من وجهة النظر الدينية , ونصّب البعض نفسه حاكماً ومُدخلا للنار او مانحاً لمفاتيح الجنّة وهي الخطيئة التي لا زلنا ندفع ثمنها منذ بدايات التاريخ الاسلامي فما أكثر صفحات التاريخ التي تسرد قضايا تنصيب "البعض" أنفسهم ليحكموا بالناس بما أمر الله .. وهم أبعد عن ذلك بكثير .

كما انّ بعض مؤيدي "خلع الحجاب" حوّلوا القضية الى سياسية وهي أبعد من ذلك بكثير .. حتى أصبحت أصغر القضايا الشخصية تتحوّل الى سياسية بين ليلة وضُحاها ..


اهتمام الشعب الفلسطيني بـ"الخرافات" وانحدار مستوى "اهتماماته" لا يُمكن ادانتها او انتقادها بل هي تطوّر طبيعي لانحدار مستوى النضال الفلسطيني ووصول القضية الفلسطينية لـ"أرذل العمر" .. واستمرار حالة التراجع النضالي على كافة المستويات سيقودنا لانحدار مستمر لا يعلم أي منا .. إلى أين سيصل ..!؟

لقد آن الأوان ليخلع كل الشعب الفلسطيني الحجاب عن قياداته التي تتلاعب به دون أي وازع وطني أو ديني وبلا أخلاق ..

على الهامش : 
قيادات في الشعب الفلسطيني لا يشربون حليب "تيس" ولا يبحثون عن "خُرافة" الشفاء .. فلديهم من "التيوس" من يُلبي لهم احتياجات صحّتهم ورغدهم وسعادتهم على حساب من يبحث عن "جدي" يحلب ...!