موضة العصر .. المدمرّة

موضة العصر .. المدمرّة
غزة- دنيا الوطن - ريما رشيد سويسي
ليس غريبا أن يدمن الكبار على استخدام الموبايل كنتيجة طبيعية للتطور التكنولوجي الحديث, لكن الغريب أن يدمن عليه أيضا الصغار خاصة طلاب المرحلة الاساسية, بحيث يصبح جزءا أساسيا من عالمهم بلا منازع, فالي أين تسير هذه الظاهرة و ما هي ابعادها النفسية و الاجتماعية و الصحية عليهم؟

في حياتنا الاجتماعية و اليومية نرى الاف طلاب المدرسة من المرحلة الاساسية يحملون الموبايل و يعبثون به طوال الوقت سواء في المدرسة او في البيت بما يتضمن هذا السلوك من سلبيات كثيرة لعل أغلب الاهالي لا يدركون ابعادها السلبية. 

فالموبايل أصبح مجال رحب للتباهي والتميز عند كثير من الناس، وتحول في مجتمعنا  من وسيلة للاتصال في وقت الضرورة لوسيلة للتسلية، لكن الأخطر هو امتدادها للأطفال.

والدة الطالبة د.ح تتحدث عن تجربتها مع سلبيات الموبايل بالقول, " ابنتي في الصف الثالث الابتدائي, احضرت لها الموبايل كهدية كنوع من التشجيع في حال حصلت على علامات متميزة في المدرسة و فعلا أحضرت لها موبايل نوع "جالكسي دوس" و ذلك كي أتواصل معها في حال كانت خارجا و من أجل اللعب و الترفيه و نتيجة اصراري على أن تتعلم ابنتي على التكنولوجيا التي أصبحت تحيطنا في كل مكان و زمان".

و تضيف, " أحيانا كثيرة أشعر ان ابنتي أصبحت اقل اجتماعيا من قبل فحتى حينما اخذها معي لزيارة الاهل او الاقارب ألاحظ انها تنشغل معظم الوقت بالموبايل و اللعب به و هذا الامر أصبح يزعجني بشكل كبير لدرجة انها أصبحت لا تصافح الاشخاص التي كانت تعرفهم لانشغالها بعالم اخر في الموبايل التي تحمله. ايضا أصبحت لا تفضل الاختلاط مع أطفال في عمرها بل تكتفي باللعب في الموبايل فبدأت أحاول سحب الموبايل منها بل أمنعها من اصطحابه الى المدرسة الامر الذي عارضته ابنتي بشدة و أحدث مشاكل كبيرة بيني و بينها".

في هذا السياق تقول الاخصائية النفسية من المركز الفلسطيني للديمقراطية و حل النزاعات سمر حمد, " الموبايل هو نوع من التطور التكنولوجي و وسيلة تعليمية ترفيهية لكنه أيضا يعد وسيلة مدمرة لنفسية الطفل اذا ما تحول الامر الى ما يشبه الادمان اذ يصبح هو محور اهتمام الطفل بل و عالمه الذي يستغني به عن عالمه المحيط الواقعي, معظم الاطفال المدمنين على الجوال نجدهم دائما متوترين و في حالة عصبية, بالإضافة الى انهم يميلون الى العزلة و الانطواء بل و الانانية".

تتحدث حمد عن حالة وصل بها التعلق لدى طفل الى درجة من الحالة المرضية بالقول, " هناك طفل يبلغ من العمر 12 سنة و بسبب اسلوب التنشئة الخاطئ داخل الاسرة كان دائما يحصل الطفل على احدث نسخ الموبايل كوسيلة من وسائل التشجيع و لكن النتيجة كانت عكسية نتيجة عدم حصول الطفل على احدث نسخة من نوع معين من الموبايل أصيب بحالة نفسية صاحبها انهيار عصبي و صراخ دائم بالإضافة الى التشنج و حين عرض الطفل على الطبيب النفسي تم التشخيص ان الطفل في حالة ادمان شديدة على الموبايل". 

و هنا تتساءل " هل جعل الموبايل هدية اساسية لإبهاج الطفل تستحق هذه المخاطرة؟". 

و تضيف, " ناهيك عن تقليد العنف الموجود أحيانا في بعض الالعاب التي يلعبونها اذ قد يمتد هذا العنف الى رؤية كوابيس ليلية نتيجة امتلاء العقل الباطن للطفل بألعاب تحتوي على مشاهد عنف او خطر معين. و هذا الامر و تقليد العنف يمتد من البيت الى الشارع الى المدرسة".

اما عن الأبعاد الاجتماعية السلبية التي قد يخلفها ادمان الموبايل فتؤكد الاخصائية الاجتماعية رائدة وشاح, "يعود السبب في ادمان الاطفال على الموبايل الى الاسرة و عادات التربية السيئة المتبعة داخل الاسرة فنجد مثلا الاب و الام يمسكون بالموبايل طوال الوقت و بالتالي فالطفل لا يسعه سوى تقليد الام و الاب بالتقاط الجوال و التعرف على محتوياته من العاب او اغاني او أشياء مبهرة قد يحتويه الموبايل.  لكن الخطر في الموضوع هو أن الموبايل لم يعد فقط وسيلة ترفيه فقط بل أصبحت وسيلة مدمرة و مؤذية اذ يتحول الى حالة من الادمان لدى الطفل او الطالب اذ يصبح متعلق به بشكل مبالغ فيه و غير طبيعي".

" أيضا الادمان على الموبايل يحرم الطفل من الحركة و النمو و الانطلاق و معرفة الاخرين و العلاقات الاجتماعية مع الاخرين و يحرمه ايضا من النمو المعرفي و الانفعالي بل و الاجتماعية كل هذا حرم منه بسبب الموبايل", على حد قولها.

و تضيف, " العلاقات الاجتماعية داخل الاسرة أيضا تتأثر بفعل الموبايل فهي تتفكك و تتحلل بمعنى ان الطفل يصبح منعزل داخل اسرته و بعض الاسر حاليا اصبحت مصابة بما يسمى ب "حالة الصمت الاسري" نتيجة انشغال جميع أفراد الاسرة بالموبايل فهم يعيشون تحت سقف واحد و لكن بلا تواصل صحي".

و عن كونها ظاهرة تقول وشاح, " نعم لقد أصبح الادمان على الموبايل ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع ككل و الاصغار بوجه خاص, فمن بين عشر أسر هناك خمسة أسر يحدث فيها هذا الخلل الاجتماعي نتيجة لإدمان الموبايل. لغة التواصل الاجتماعي و العلاقات الاجتماعية أصبحت في حالة تراجع نتيجة الانشغال الكبير بالأجهزة الخلوية الحديثة". 

اما حول تأثير هذه الظاهرة على الصغار في مرحلة المراهقة تبين وشاح بأن هذا الادمان له تأثير على المدى البعيد خاصة في مرحلة المراهقة هذه المرحلة الحساسة, فيزداد التعلق و تزدادا حالة العنف و التوتر المصاحبة لهذ التعلق و الأمر يكون لدى الذكور أكثر منه لدى الاناث اللواتي تزيد لديهن حالة العزلة و عدم المشاركة الاجتماعية". 

ايضا الموبايل يؤثر على الاطفال من الناحية الصحية, فيرى بعض اطباء المخ و الاعصاب أن " أنسجة الأطفال النامية أكثر تعرض للمخاطر من أنسجة البالغين.. والإشعاعات المغناطيسية كتلك الصادرة عن الموبايل قد تكون بطيئة التأثير لكنها بمزاولة الاستخدام تسبب العديد من الأمراض الخطرة.

"كذلك وتؤثر على قشرة المخ خاصة بعد حوالي ستة دقائق من التحدث، وأيضاً يؤثر على عمليات الجسم الحيوية والتداخل مع الجهاز العصبي وأحداث أضرار لأنها أكثر مكونات حساسة في الجسم واضطراب في الدورة الدموية وأمراض الضغط والتوتر العصبي والصداع والارهاق والحساسية اضافة عن مسؤولية تلك الموجات المغناطيسية عن أمراض السرطان والزهايمر والتبول اللاإرادي واللوكيميا وغيرها", على حد قولهم. 

و هكذا نستطيع القول ان على الاهالي و أولياء الامور عليهم عدم الانجرار عاطفيا نحو تلبية كل ما ينشده أبنائهم من وسائل ترفيهيه كالموبايل لما له من سلبيات جمة على المدى القصير و البعيد أيضا. 

التعليقات