الذكرى الرابعة والأربعين لاستشهاده مصطفى عبد الرازق أسطورة الثورة ومنبع المقاومة في طوباس

الذكرى الرابعة والأربعين لاستشهاده مصطفى عبد الرازق أسطورة الثورة ومنبع المقاومة في طوباس
رام الله - دنيا الوطن-حكم خراز
كان رجلا يعتلي قبة من العزة بسمرة العربي الفلسطيني،يلمح في ثباته واتزانه نفسية لا تقهر،لاعب القضايا على أوتار توقعاته،عزم ساد ثلاثة واربعون عاما من حياته، وكما اعتز بالوطن الذي انتمى له، افتخر بالأصل الفلاحي الذي ارتسمت معظم ملامحه منه.

عندما ينادي الوطن يلبون بأرواحهم، وعندما تعطش الأرض تروى بدمائهم، ليسجلوا تاريخاً عريقاً بالنضال، هم شهداء الوطن، لكل منهم حكاية تروى، وللشهيد مصطفى عبد الرازق الذي يعتبر من مؤسسي الثورة الفلسطينية حكاية زينها التاريخ، والذي استشهد بتاريخ 27/3/1971م.

فاروق جميل دراغمة يروي حكاية خاله ورفيق دربه في النضال، الشهيد مصطفى محمد علي عبد الرازق يقول :" مصطفى عبد الرازق، هو أحد أبناء ووجهاء طوباس، مواليد عام 1929، من سكان قرية قشدة، ترعرع بين عائلته على حب الأرض، فقد كانت تمتلك عائلته مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، عائلته ذو وضع مادي جيد جداً، وكانت تمتلك حضور ووجود مميز في البلدة".

يضيف دراغمة :" لم يكمل الشهيد تعلمه، فقد أنهى مرحلة الابتدائية في مدرسة بلده، وأكمل حياته بالاهتمام في الأرض والزراعة والماشية، سيراً على نهج والده وإخوانه".

بداياته النضالية:

 كان الشهيد عبد الرازق محباً لجمال عبد الناصر، وانتمائه ناصري وطني، يقول دراغمة :" يميل عبد الرازق إلى عبد الناصر، ودلالة على ذلك قام الشهيد بتسمية أحد أبنائه عبد الناصر، وكان يعتبره في ذلك الحين أشهر من نار على علم، ولديه توجه وطني كبير".

ويتابع:"هذا التوجه السياسي، جانبأ إلى المكانة الاجتماعية والمادية التي يعيشها عبد الرازق وسنه الكبير، شكلوا صعوبة في انضمامه إلى صفوف العمل الفدائي، لكنه قدم حسه وانتمائه الوطني على مكانته ووجوده الاجتماعي في بلده".

وفي عام 1967، كانت البدايات الحقيقة لعمله الفدائي، بهذا الصدد يتحدث دراغمة :" كانت عائلة آل محمد علي تمتلك مساحات شاسعة في منطقة موفيا شرق طوباس، مكان استشهاد الشهيد، وكانت الدبابات والطائرات الإسرائيلية تقترب من أراضينا، في هذا الوقت لم تكن مستولية على الأراضي بعد".

ويضيف:"وفي أحد أيام موسم الحصاد، وقد كنت شاباً في عمر الخامسة عشر، في طريقي لأسقي الفرس، حدث أمر غريب للفرس إذ كان يشعر برعشة قوية، وعلى بعد أمتار ليست بالكبيرة كان هناك مغارة مهجورة، توجهت إليها، وجدت مجموعة أشخاص مختبئين، ودار بيني وبينهم حديث لكن لم أستطع الحصول أي معلومة منهم".

محاولات استجواب وأسئلة دارت في مخيلة دراغمة حول سبب تواجد مجهولين في مثل هذا المكان، لكن بحسه وفطنته استطاع أن يجس نبض أحدهم، فيقول :"لاحظت أحدهم ينظف إصبعه من الشوك، فقلت له: هذا الشوك من شجرة السدر الواقعة في الوادي، كيف وصل إلى يدك؟ هل تخبئون شيئاً تحتها؟".

"حالة من الإرتباك واحمرار الوجه أصيب بها ذلك الشخص عندما عرضت عليه الأسئلة"، هذا ما وصفه دراغمة عن الشخص.

ويتابع دراغمة :" طلب مني أحد الأشخاص أن أحضر لهم طعاماً، خرجت من المغارة في حيرة وشك، لا  أعرف ماذا أفعل؟ لمن أتوجه؟ فخطر في بالي خالي الشهيد مصطفى، وأخبرته بما رأيته".

ويستكمل دراغمة حديثه:" تسلم  خالي أمر المجموعة، وقد علم منهم أنهم جاءوا لتشكيل قاعدة، ومعهم سلاح، وينظمون الناس، ويؤسسوا دوريات عمق، وفي حقيقة الأمر كان أغلبيتهم من منطقة طوباس".

أصبح الشهيد عبد الرازق المحرك الأساسي للمجموعة، ويسير أمورهم، ويرشدهم إلى الأماكن الأكثر أمناً ليستقروا فيها.

انتقلت المجموعة بقيادة الشهيد من منطقة موفيا  مروراً بسهل البقيعة الواقع شرق طوباس والمحاذي لنهر الأردن ثم إلى طوباس ليستقروا لفترة قصيرة في منطقة تدعى خلة الدخان في منطقة بزيق غربي طوباس، وتوجهوا بعدها إلى منطقة قشدة.

مع مضي الوقت زاد عدد أفراد المجموعة، فقد كانوا ينضموا بالعشرات إلى المجموعة بفضل الشهيد عبد الرازق، وعمل الشهيد على تجنيد مجموعة من الشبان والرجال في المنطقة، والتزموا في العمل الفدائي في قشده وكانت والدة الشهيد وأبناؤه المرحومين خالد ووليد يجلبان الطعام للفدائيين في تلك المنطقة واحراشها .

ويشير دراغمة :" باتت المنطقة تشكل خطراً على المجموعة، فقد أصبح الإسرائيليون يتواجدون بكثرة، ثم عادت المجموعة إلى مكانها الأول في خلة الدخان، وتمكنت الدوريات الإسرائيلية من الكشف عن مكان القاعدة، وقامت بمحاصرتهم، وجرت اشتباكات بين الطرفين، انتهت باستشهاد أحد الشبان في المجموعة، وإصابة اثنان".

كانت تتصف حياة المجموعة بعدم الإستقرار، فيقول:" انتقلت المجموعة إلى الأردن، تتنقل بين مناطق قرينة وديرعلا، ووادي اليابس المحاذية لحدود طوباس؛ فالعمل الفدائي في تلك الفترة كان ممنوع ويعاقب عليه، لذا كانت معظم عمليات الفدائية توصف بالسر والخفاء.

لم يدم ثبات القاعدة في الأردن، توجهت إلى سوريا :"لم يكن وصولنا إلى سوريا بالأمر السهل، فقد ساعدنا الجيش العراقي الذي كان متواجد في منطقة الحمرا باتجاه اربد، أدخلنا الجيش العراقي بالتهريب، إلى أن وصلنا معسكر الهامة  في دمشق".

في معسكر الهامة التقت المجموعة بعدد من القيادات الفلسطينية امثال أبوعمار، و أبو علي إياد، وأبو جهاد، فيضيف دراغمة :"مكثنا في الهامة لمدة شهر تقريبا، خلاله تواصلت المجموعة على عمليات التدريب، والتوعية والتثقيف الوطني".

عادت المجموعة من سوريا إلى الأردن بنفس الطريقة التي جاءت بها، ومكثنا في الأردن لفترة ليست سهلة، واستمرت المجموعة  بقيادة الشهيد بأعمالها الفدائية، فيقول دراغمة :"نزلنا أكثر من مرة إلى الحدود الفلسطينية بمثابة دوريات استطلاع، وزرع الغام للجيش الإسرائيلي على الحدود".

معركة الكرامة

شارك الشهيد مع زملائه في معركة الكرامة، توجهت جزء من المجموعة إلى منطقة الكرامة الفدائيين ، والجزء الآخر توزعوا في مناطق مختلفة، لأنه من ضمن التوجهات العسكرية، لا يجوز حشد جميع الفدائية في موقع واحد هذا ما أفاده  دراغمة حول مشاركة الشهيد في المعركة.

 ويتابع دراغمة :" حققنا انتصاراً عظيماُ في معركة الكرامة رغم قلة العدد والإمكانيات للمجموعة، ويعود الفضل إلى الجيش الأردني الذي لعب دوراً هاماً في المعركة، إضافة إلى مختلف القوى الوطنية الفلسطينية وبإرادة وعزيمة المقاتل الفدائي الفلسطيني".

 ويضيف دراغمة :"بعد معركة الكرامة، أصبح العمل الفدائي في الأردن علني ومكشوف، وانتسب إلى القاعدة أعداد هائلة من الشبان، واستقرت القاعدة في غور الأردن، وازدادت قوتها في المنطقة, وادخلوا الفدائيين نوعيات جديدة من السلاح، واستمرت القاعدة بقيام العمليات الفدائية، وكان شبان من طوباس من الفدائيين الذين التحقو بالثورة يمثلون الوجه الأكبر في العمل الفدائي في تلك الفترة ".

في عام 1969، انتقل فاروق دراغمة إلى الضفة الغربية، وبقي الشهيد عبد الرازق منتمي إلى الجماعة،  يروي قائلا :" اعتقلت من قبل قوات الاحتلال وقد علمت وانا في السجن باستشهاد خالي في منطقة موفيا، إثر تعرضه لقذيفة خلال اشتباكه مع القوات الإسرائيلية".

يكمل الحديث ابن الشهيد  ناصر عبد  الرازق فيقول :" كانت أمي تخبرنا عن قصص والدي وبطولته، وحسب ما أذكر انقطعت الأخبار عن والدي منذ عام 1969 حتى عام 1971، تلك الفترة كنا على استعداد لاستقبال هذا الخبر، فكان معروف من يتوجه  للعمل الفدائي لا يحل به إلى الاستشهاد".

يضيف عبد الرزاق :" علمنا باستشهاد والدي في السابع والعشرين من آذار لعام 1971 في منطقة موفيا، حيث كان الفدائيون قادمون لتنفيذ عملية فدائية فانكشف أمرهم، بعدها قامت القوات الاسرائيلية بمحاصرتهم  ودارت بينهم اشتباكات لمدة ليلة كاملة، حتى نفذت ذخيرتهم، وانتهت باستشهاد عبد الرازق وآخر من بلدة عزون، واعتقال رمضان البطة من قرية حجة، وفؤاد راجح من بلدة عنبتا، وإبراهيم قريوتي من بلدة قريوت".

ويتابع :"رحل والدي تاركاً خلفه ابناؤه حاملين راية نضاله، فقد كان لديه أربعة أولاد وست إناث، أكبرهم  لا يتجاوز سن الثامنة عشر من عمره".

ويبقى الشهيد مصطفى عبد الرازق ساكناً في قلوب أحبته، وحكاية الثورة الوطنية، وعنواناً لمسيرة فدائية يتناقلها الأجيال، ورمزاً للقضية الفلسطينية والنضال الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والإستقلال.

 

 

التعليقات