الكذابة ظهرت موهوبة

الكذابة ظهرت موهوبة
بقلم:فاطمة المزورعي

سأسرد عليكم قصة واقعية عن طفلة عربية وقد حكت القصة لي شخصياً الأم، حيث قالت: «لطالما سمعت تنبيهاً وشكوى من بعض الأقارب فيما يتعلق بطفلتي، وأنها ذات خيال خصب وتدخل هذا الخيال مع الواقع، حتى المواضيع القصيرة البسيطة تكبرها وتضفي عليها الكثير من الجوانب، وهذا مرده أنها تعودت على الكذب، فباتت تخلط الأكاذيب مع خيال لا يمت للواقع بصلة».
وتضيف هذه الأم: كنت أسألهم ما الذي كذبت فيه صغيرتي، فأجد كلمات كثيرة وتحذيرات متكررة لكن من دون شواهد ومن دون وضع اليد على العلة، حتى أراد الله أن يذهب زوجي في رحلة عمل خارجية تمتد لبضعة أشهر، فرافقته ومعنا ابنتنا، وفي إحدى العواصم الأوروبية أدخلت ابنتي في فصل دراسي مؤقت حتى تستفيد من الاحتكاك وتتعود على اللغة الإنجليزية.
وبعد مضي نحو أسبوعين تم استدعائي وزوجي للمدرسة، وقد كان القلق يسيطر علي وعلى أبيها وعندما اجتمعت بنا معلمتها، قالت إنها لاحظت أن ابنتنا تملك خيالاً خصباً، وإنها ستبدأ في إعداد برنامج خاص بها في محاولة لتسخير هذا الخيال ليتحول لفعل إبداعي، وأضافت أن قلة من الأطفال من يملك هذه المواهب الفطرية ويجب تنميتها بمزيد من القراءة والتشجيع، فهذا النوع من التفكير إذا سمح له بالنمو الطبيعي قد يكون ملهماً لاختراعات تفيد البشرية.
غني عن القول إن الذهول تملك صديقتي وزوجها، ففي بلدهما كانت طفلتهما عبارة عن طفلة غير مؤدبة ولم يتم تربيتها تربية قويمة، وفي بلاد الغرب ابنتهما قد تكون مخترعة أو مفكرة أو أديبة ملهمة .. أقول إن هذه الصغيرة كانت محظوظة جداً، وقد أراد الله لها خيراً بأن سخر لأبيها هذه المهمة العملية الخارجية حتى يتم اكتشاف موهبتها، لكن السؤال العريض والكبير، كم طفلاً وطفلة في عالمنا العربي قصت أجنحة إبداعهم؟ كم طفلاً وطفلة في عالمنا العربي دفنت موهبتهم الفريدة بسبب مناهج دراسية عقيمة وعقليات تعليمية متواضعة غير مؤهلة؟
أجزم بأنهم كثر، وما هذه الطفلة إلا نموذج بسيط ومتواضع عن مثل هذا الخلل، والمشكلة الأخرى أن دفن هذه المواهب يتم وفق ممارسة مؤذية فحتى الأقارب يسهمون في تغذية اغتيالها لدى النشء بجهلهم وسطحية تفكيرهم، لذا يبقى على كل أم وأب مسؤولية جسيمة وكبيرة تتعلق بترك العنان لخيال أطفالهم بالنمو الطبيعي من دون وصاية وقسوة، اتركوا أطفالكم يعيشون طفولتهم بِحرّية ومرح وعفوية من دون قيودكم وعُقدكم.

التعليقات