"نجاح" الكفيفة .. لها من اسمها نصيب ..!

"نجاح" الكفيفة .. لها من اسمها نصيب ..!
رام الله - دنيا الوطن - حنين ارجوب
"عندما يأخذ الله نعمة من أحد يعوضه بخير منها" , عبارة كثير ما تتردد على ألسنة البشر , فكثير من الأشخاص اختبرهم الله بحرمانهم أحد حواسهم , لكنه عوضهم بقدرات هائلة ليس بإمكان الإنسان الطبيعي القيام بها . 

 ففي مجتمعنا الفلسطيني هناك نسبة عالية من الأشخاص ذوي الإعاقة , إما لأسباب وراثية أو ضحايا للحرب أو نتيجة لحوادث مختلفة , والكل يعلم أن التعامل مع الإعاقة المولودة مع الإنسان تعتبر أمرا سهلا وطبيعيا لأنه انفطر وولد عليها , أما الصعوبة فتكمن في فقدان أحد الحواس بشكل مفاجئ .

"نجاح شنان" شابة فلسطينية من مدينة دورا جنوب محافظة الخليل , فقدت حاسة البصر على مرحلتين , كانت أولهما بفقدانها عينها اليسرى بشكل كامل نتيجة لقياس نضارة طبية غير ملائمة لها , والعين اليمنى فقد فقدتها نتيجة لسقوطها عن مرتفع أدى إلى تلقيها ضربة بجانب رأسها والتي عملت على سقوط الشبكية , لتدخل نجاح عالما جديدا مظلما , ليس من السهل الدخول إليه . 

 انطلقت نجاح في رحلة العلاج متأملة أن تستعيد بصرها الذي فقدته , وعلى الرغم من إخبار الأطباء لها بأن نسبة نجاح عمليتها 0% إلا أنها أصرت على إجرائها , واستطاع الأطباء تثبيت الشبكية , ليعود إليها10% من بصرها , لتكمل حياتها بنسبة عجز 90% .

 بعد اليقين والإيمان بواقع الإعاقة , رغم الاستنكار والرفض في البداية , فقد قررت نجاح الانطلاق في عالم جديد بشخصية جديدة , بعد تقبلها واقع ليس بالامكان رفضه , فدخلت عالم الظلام بخطوات واثقة غير مترددة , لتجوب كل أنحاءه , وتأخذ منه كل شيء جديد , لتستطيع العيش فيه فلا طريق أمامها سوى العيش في هذا العالم . 

 بدأت نجاح بناء شخصيتها الجديدة من خلال مجموعة من المؤسسات الداعمة للأشخاص ذوي الإعاقة والمؤهلة لهم , والتي كان لها الفضل الكبير في وضعها على أول الطريق في عالمها الجديد , لتفتح لها آفاقا كبيرة استطاعت الوصول إليها ومن أهم هذه المؤسسات : مسرح الحارة والذي أبدعت فيه , لأنها تعتبره المكان الوحيد الذي تضع سرها وتعبر عن رأيها فيه , ومركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي , والاتحاد العام للأشخاص ذوي الإعاقة , والجمعية العربية للتأهيل في بيت لحم , وجمعية نجوم الأمل في رام الله , وغيرها من المؤسسات . 

 لم تكتف نجاح بالتأهيل فقط , بل عملت على تعلم مهارات وأدوات يستخدمها الأشخاص ذوي الإعاقة على مختلف إعاقاتهم , لأنها انخرطت بهم وكونت أكبر رصيد من الأصدقاء من هذه الفئة , فبشخصيتها المرحة وروحها المثابرة استطاعت الدخول إلى قلوب الجميع , ومن هذه المهارات والأدوات : المقدرة على التعامل مع نظام برايل كتابة وقراءة , واستخدام الحاسوب الناطق واستخدام العصا رغم أنها لا تستخدمها , وكرة الهدف الخاصة بالمكفوفين , والتي تحتوي على أجراس بداخلها إضافة إلى دراستها الفنون التشكيلية والصلصال في الكلية العصرية في رام الله , حيث أنها تعلمت الكثير من المهارات والتي تقوم اليوم بتعليمها بنفسها للأشخاص ذوي الإعاقة بعد أن كونت شخصية متكاملة تستطيع العيش في عالمها الجديد عملت على تكوين شخصيات جديدة من الأشخاص في هذه الفئة وكانت انطلاقتها من مركز دورا الثقافي حيث بدأت بتعليم المكفوفين كيفية استخدام الحاسوب الناطق ومن ثم انتقلت إلى مركز دورا للمكفوفين , تليه جمعية الرحمة للأشخاص ذوي الإعاقة , وهي الآن مستقرة في مركز السلام للمكفوفات في مدينة القدس , حيث تعمل على تأهيل وتدريب وتعليم فئات مختلفة من الأشخاص ذوي الإعاقة . 

 وتقول نجاح أنها استطاعت التعود على الكف البصري من خلال هذه المؤسسات التي تدربت وعمل فيها , والتي كان لها الدور الريادي في تكوين شخصيتها الجديدة وهي تصمم بكل إرادة على تمكين وبناء شخصيات كشخصيتها , لتخطي مرحلة الإعاقة .  

وتؤكد شنان أنها مستعدة لفقدان نسبة النظر القليلة المتبقية لديها في أي لحظة , وهي مستعدة لذلك , لأنها فقدت نظرها تدريجيا , وتتوقع في أي لحظة أن تتعامل مع العصا واللمس ونظام برايل دون أي تردد , وهي تطمع في تعلم المزيد واكتساب الكثير من الحياة دون أي عقبات , فهي لا تجد في إعاقتها حاجزا . 

 وتؤكد لدنيا الوطن أنها لو لم تكن كفيفة لما استطاعت الوصول إلى ما وصلت إليه الآن , ولا استطاعت الوصول إلى مرحلة الثبات الوظيفي رغم إعاقتها , ولا اكتسبت قلوب وحب الجميع . وتوجه رسالة إلى كل إنسان ذو إعاقة بأن لا يستسلم لواقع إعاقته , وأن يعمل على بناء شخصيته وتحقيق ما لا يستطيع غيره تحقيقه , فهي تسميهم الأشخاص ذوي القدرات الخاصة وليس ذوي الإعاقة . فهذه الشخصية كانت دليلا رائعا ومميزا لمقولة "إذا أخذ الله نعمة من إنسان فإنه سيعوضه بما هو أفضل منها" .






التعليقات