سنغافورة الفلسطينية

سنغافورة الفلسطينية
بقلم: عبدالله عيسى
رئيس التحرير

في عام 1965 أعلنت ماليزيا عن طرد سنغافورة من الاتحاد باعتبار أن سنغافورة بلد فقير جدا بلا موارد وان سنغافورة عبء على ماليزيا فظهر رئيس وزراء سنغافورة لي كوان " الذي توفي قبل أيام عن عمر يناهز 91 عاما وحكم بلاده 30 عاما وباني سنغافورة الحديثة " على شاشة التلفزيون باكيا قائلا :" كيف سنعيش بعد طرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي .. بلادنا فقيرة بلا موارد ".

سافر لي كوان إلى مصر والتقى الزعيم المصري جمال عبدالناصر طالبا مساعدة مالية من مصر فرفض جمال عبدالناصر باعتبار أن سنغافورة بلد فقير جدا ولا يوجد لها أي تأثير على الساحة الدولية.

عاد لي كوان إلى بلاده وقرر أمرا جعل سنغافورة قوة اقتصادية عالمية وهو مكافحة الفساد بلا هوادة والاعتماد على الذات .

وقد سبق سنغافورة في هذه الخطوة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ عندما رفضت أمريكا حصول الصين على مقعد دائم في مجلس الأمن فأغلق الأبواب على الصين وبدا بثورات صناعية وزراعية وثقافية وبإمكانات بدائية حتى نهض بالصين وأطلق القمر الصناعي الصيني عام 1970 والقنبلة النووية فوافقت الأمم المتحدة على حصول الصين على مقعد دائم في مجلس الأمن .

عودة إلى سنغافورة حيث أعلن لي كوان الحرب على الفساد في مؤسسات الدولة واجبر الوزراء على ارتداء الزي ابيض اللون دليل على نظافة اليد والنقاء وبدا رحلة بناء سنغافورة الحديثة وبعد سنوات شقت سنغافورة طريقها كقوة اقتصادية عالمية حتى أصبحت في المركز الرابع عالميا ووصل دخل الفرد إلى 50 ألف دولار سنويا وهو أعلى معدل في العالم مع الإشارة إلى أن عدد سكان سنغافورة يصل إلى خمسة ملايين نسمة ووصلت نسبة البطالة إلى 3% فقط .

بعد وفاة لي كوان قرأت مقالات لكتاب عرب في مصر ودول الخليج العربي وشمال إفريقيا وجميعهم يتمنون أن تسير بلادهم على خطى لي كوان وان تنقل تجربة سنغافورة في بلادهم ومن حقهم ذلك بل أن الروح الوطنية لهؤلاء الكتاب تدفعهم آن يتمنوا لبلادهم كل الخير .

واذكر أن الكاتب الفلسطيني ممدوح الهادي تحدث هنا بدنيا الوطن عن نقل التجربة السنغافورية في فلسطين وسعدت بما كتبه وأظنه نجح بان ينفض عن نفسه كل غبار التشاؤم الذي نعيشه ليحلم مثلي وربما هنالك كثيرون من يحلمون بسنغافورة الفلسطينية .

أرى تشابها كبيرا بين سنغافورة ودولة فلسطين القادمة ومن حقنا أن نحلم فالأعمال العظيمة تبدأ بحلم كحلم لي كوان وهو حلم وطني مشروع وإذا كان البعض يستكثر علينا هذا الحلم فهل يرضيه أن تكون قمة طموحاتنا أن نصبح كالصومال .

في بداية إقامة السلطة الوطنية جاء وزير فلسطيني للناخبين في قطاع غزة ووعدهم بان تصبح السلطة سنغافورة الشرق الأوسط ولكن المشكلة أن هذا الوزير وبعد نجاحه في انتخابات المجلس التشريعي الأولى عام 1996 لم يره الناس بعدها إلا على شاشة التلفزيون !!.

بعيدا عن أفلام كوداك هذا الوزير ولكن علينا أن نحفز هذا الحلم الوطني الكبير وحتى لو لم نحقق مكانة سنغافورة المالية عالميا وإنا واثق أننا سنحقق الكثير فعلى الأقل أننا سنحقق مكانة لدولة فلسطين تعفينا من رحلة الذل في البحث عن المساعدات الدولية لدفع رواتب الموظفين ويعيش المواطن الفلسطيني حياة كريمة في كنف الدولة الفلسطينية.

هنالك عوامل قوة لم تتوفر لرئيس وزراء سنغافورة وهي متوفرة لدولة فلسطين ان رأس المال الفلسطيني الهاجر يصل إلى 200 مليار دولار وهؤلاء قادرون على تحقيق نهضة اقتصادية عظيمة لدولة فلسطين .

ووجود أبو مازن على رأس الدولة سيعطي دفعا قويا لهذا الحلم الوطني باعتبار مكانته على الساحة العربية والدولية إضافة لتوظيف كل الطاقات الفلسطينية في الداخل والخارج .

حدثني صديق قبل أيام أن ورشة عمل عقدت في إحدى الوزارات برام الله برعاية دولة مانحة ووضع أمام كل موظف فلسطيني ورقتين A4 فقام احد الموظفين الفلسطينيين بطي ورقة بيضاء ثم رماها في سلة المهملات فجاءه موظف من الدولة المانحة وممن يديرون ورشة العمل وسأله :" لماذا رميت الورقة ؟ فقال الموظف :"إنها متسخة .

فنهره الموظف الاجنبي على مسمع كل من في ورشة العمل :" لا يحق لك ان ترمي الورقة انها من اموال دولتي وليست من أموال السلطة الفلسطينية ".

سكت الموظف ولم يستطع الاجابة وتحمل كل من في ورشة العمل الاهانة البالغة .

بالله عليكم الا يكفينا اهانات ..ولماذا لا تدفعنا هذه الاهانات التي نسمعها من معظم الدول يوميا أن تدفعنا بان نطمح كي تكون فلسطين دولة عظمى وليس سنغافورة فقط ؟!!.

أولا وبعد إقامة الدولة الفلسطينية ستشهد فلسطين نشاط سياحي غير مسبوق من كافة الدول العربية والدول الإسلامية في العالم كله لزيارة المقدسات الإسلامية والمسيحية وهي السياحة الدينية والتي ستوفر دخلا للدولة الفلسطينية بقدر بمليارات الدولارات سنويا . وللعلم فان وزارة السياحة الفلسطينية استبقت اقامة الدولة باتفاقيات مع عدد من الدول العربية لتنشيط السياحة الدينية .

ونضيف على ذلك الغاز الفلسطيني الذي اكتشف قبالة شواطىء غزة والذي يقدر بالمليارات الدولارات أيضا وكذلك اكتشافات نفطية قرب رام الله .

والمساعدات العربية والدولية يجب ان تستفيد مناها الدولة الفلسطينية في المرحلة الأولى للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني وفي مرحلة لاحقة سيتم الاستغناء عنها .

كل هذه العوامل لم تكن متوفرة لرئيس وزراء لي كوان بينما هي متوفرة للدولة الفلسطينية الناشئة.

وماذا يعني للمواطن الفلسطيني أن تصبح الدولة الفلسطينية مثل سنغافورة .. ابسط الأمثلة فان جواز سفر سنغافورة يتيح لحامله ان يدخل 167 دولة بدون تأشيرة ودخل المواطن يصل إلى 50 ألف دولار سنويا .. إنها الحياة الكريمة التي أتمناها لكل مواطن فلسطيني مما يعوضه عن سنوات طويلة من القهر والذل .. أم نريد الاستمرار في مشاهدة فيلم الذل على المعابر والمطارات وفي حياتنا اليومية من الفقر المدمر؟

فيديو لرئيس وزراء سنغافورة باكيا على شاشة التلفزيون:

 

 


التعليقات