4 تداعيات اقتصادية "مخيفة" لحرب اليمن

4 تداعيات اقتصادية "مخيفة" لحرب اليمن
رام الله - دنيا الوطن
وقع سيناريو الحرب في اليمن، من خلال الضربات الجوية التي وجهتها قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، وسوف تتصاعد الآثار الاقتصادية لهذا الحدث على دول المنطقة، وبخاصة إذا ما دخلت إيران على مسار الحرب بشكل مباشر.

ولكن لا يستبعد مشاركة إيران بدور غير مباشر، والمتمثل في الدعم الكبير المقدم للحوثيين خلال الفترة الماضية، وبخاصة أن الحوثيين كانوا يسيرون نحو 25 رحلة من صنعاء إلى طهران أسبوعيًا، وبلا شك أن هذه الرحلات وإن كانت تأتي في إطار الدعم السياسي، إلا أنها كانت بمثابة تمهيد لتعاون اقتصادي وتجاري بين البلدين، في ظل تراجع الدعم الخليجي لليمن بعد سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة باليمن.
سوف تترك هذه الحرب آثارًا اقتصادية على كافة دول المنطقة، وبخاصة على اليمن ودول الخليج ومصر وتركيا، وفيما يلي نشير إلى بعض مظاهر هذه الآثار الاقتصادية.

نزيف اليمن:
يعد الاقتصاد اليمني الخاسر الأكبر من هذه الحرب، إذ يعد اليمن من الاقتصاديات الأقل نموًا، ويعاني من حالة فقر تغطي أكثر من 50 % من سكانه، وسوف يؤدي الحرب إلى تعميق حالة الفقر باليمن، كما ستزيد معدلات البطالة.
وكذلك ارتفاع معدلات التضخم، في ظل توقف حركة التجارة الخارجية، ومن المنتظر أن تشهد العملة اليمنية مزيد من الانخفاض بقيمة عملتها المحلية، بعد وقوع الحرب من جهة، وتهديد المنظمات الدولية بوقف المساعدات باليمن، حيث أوقف البنك الدولي الأسبوع الماضي عمل بعثته باليمن.

دوامة النفط خطوة أولية :
ألقت الأزمة بظلالها على سوق النفط العالمية، ليرتفع سعر النفط بحدود 4% اليوم الخميس،
واختفت الأسباب الأخرى التي كانت تذكر من قبل كمبرر لانخفاض أسعار النفط، وعلى رأسها تخمة المعروض بالسوق الدولية، ومن المتوقع أن تكون هذه الطفرة الأولية في أسعار النفط بالسوق العالمية ناتجة عن توقعات بتأثر الإمدادات السعودية سلبيًا باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم بحجم إنتاج يومي يصل إلى 10 مليارات برميل.
الساعات والأيام القادمة سوف تكون ذات دلالة على سوق النفط العالمية، من خلال طبيعة الحرب وتطوراتها، هل ستكتفي السعودية والدول الحليفة لها بضربتها الأولى؟ ثم الحصار والسعي لحل سياسي، أم أن الأمور سوف تمتد إلى حرب طويلة، سواء من خلال الضربات الجوية والحسم البري، أو لجوء الحوثيين لحرب العصابات.
أو أن يتحقق السيناريو الأسوأ وهو دخول إيران في حرب مباشرة مع التحالف الخليجي، مما يجعل اقتصاد كل من إيران والخليج عرضة لتكرار سيناريو أزمة الخليج الأولى، التي دارت رحاها بين العراق وإيران، وكانت دول الخليج تدعم العراق بشكل كبير، مما أدى استنزاف ثروات النفط للطرفين.
هذه السيناريوهات المحتملة سيكون لها دلالاتها على أسعر النفط خلال الفترة القادمة، وبخاصة إذا ما استهدفت آبار النفط ومؤسساته سواء في السعودية أو إيران، وفي حالة تحقيق هذا السيناريو فإن أسعار النفط ستشتعل بلا شك في السوق الدولية.

مضيق باب المندب
تصاعد الحرب وتعدد أطرافها، قد يؤدي إلى توجه الحوثيين إلى إغلاق مضيق باب المندب التي تطل عليه اليمن، وهو المدخل الرئيسي لأغلب النفط الخليجي المتجه إلى الشمال.
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي النفط المتجه إلى أوروبا وأمريكا شمالا وإلى أسيا جنوبا والذي يمر عبر مضيق باب المندب يتجاوز 3 ملايين برميل يوميا.

  خسائر خليجية إيرانية
الحرب لها تكلفتها الاقتصادية المباشرة المتمثلة في الخسائر الناتجة في المعدات والأرواح، وكذلك استنزاف الموارد المالية التي تكونت لدى الطرفين بفضل العوائد النفطية، وإذا كانت السعودية لديها رصيد يمكن التعويل عليه من احتياطيات النقد الأجنبي يقدر بنحو 750 مليار دولار، فإن تداعيات أزمة انهيار أسعار النفط قد أثرت على هذا الاحتياطي بشكل ملموس قارب من سحب المملكة لنحو 100 مليار منذ أكتوبر 2014 وحتى الآن.
ومعنى دخول دول الخليج وبخاصة السعودية في حرب طويلة، فإن ذلك سيؤدي بلا شك لاستنزاف هذا الاحتياطي، بل قد يؤدي إلى تسييل بعض الأصول السعودية بالخارج.
وكذلك الأمر بالنسبة لإيران فإن رصيدها من احتياطيات النقد الأجنبي يقدر بنحو 70 مليار دولار، ودخولها في حرب لا يعني سوى تبديد هذا الاحتياطي في فترة قصيرة، أما الضرر الأكبر من دخول إيران في أتون الحرب فهو فقدانها للمزايا المنتظرة من نجاح مفاوضتها مع الاتحاد الأوروبي بشأن برنامجها النووي.
فإيران كانت تعول كثيرًا على رفع العقوبات الاقتصادية، واستقدام استثمارات أجنبية مباشرة في مجال تطوير آبار النفط بها، كما أن رجل الشارع في إيران تخيل أنه سيودع هذه الحالة من الحصار التي لازمته على مدار نحو ثلاثة عقود ونصف، وهو محروم من السلع والتكنولوجيا الغربية المتقدمة.
فضلًا عن توقعات بتحسن الاقتصاد الإيراني بعد رفع العقوبات المنتظر بعد الإعلان عن نتائج المفاوضات بعد مايو ، حيث تعاني إيران من ارتفاع لمعدلات التضخم اقتربت من 20%، ومعدلات للبطالة تزيد عن 20%، فضلًا عما ترتب عن هذا الأداء من مشكلات اقتصادية واجتماعية كثيرة، نظرًا لطول أمد هذه المشكلات دون تحسين يذكر.

  الانفاق على التسليح
وبلا شك فإن نشوب الحرب بالمنطقة، وإن لم تتسع رقعتها بعد إلى نطاق كبير، فإن ذلك يعني زيادة الأنفاق على التسليح الذي قدر في عام 2014 بنحو 170 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإن كانت السعودية والإمارات تتصدران حجم الإنفاق على التسليح بين دول المنطقة، فالسعودية وحدها بلغ حجم الإنفاق على التسلح نحو 57 مليار دولار عام 2014.
وفي ظل استمرار الحرب سيزيد هذا المبلغ بشكل ملحوظ، إلا أنه لابد من الأخذ في الاعتبار أن إيران قد تكون أحسن حظًا في هذا المضمار نظرا لقيامها بإنتاج جزء لا يستهان به من تسليحها.
أيضًا فإن نشوب الحرب في حد ذاته، قد ألقى بظلال سلبية على المناخ الاقتصادي للمنطقة، فالأحداث تؤكد على زيادة حدة الاضطرابات السياسية والأمنية بالمنطقة، مما يعني أن المنطقة غير مؤهل بشكل كاف لاستقدام استثمارات أجنبية مباشرة.
ولعل مصر ستكون من أكثر الدول تضررًا من هذا الوصف، نظرًا لمعاناتها الداخلية في شأن الاستقرار السياسي والأمني، ويضاف إلى ذلك العبء الجديد بتصنيف المنطقة من حيث عدم الاستقرار السياسي والأمني، مما يعني زيادة معاناة مصر في مجالي الاستثمارات الأجنبية والسياحة.

 مصالح مصرية تركية
ثمة مصالح اقتصادية سوف تستفيد منها مصر وتركيا من خلال هذه الحرب، سواء طال أمد هذه الحرب أم قصر، ففي الأجل القصير سوف تستفيد حركة السياحة في كل من مصر وتركيا، من خلال توجه الخليجيين للاستقرار بهذين البلدين. كما ينتظر أن تشهد سوق العقارات بمصر وتركيا انتعاشًا خلال الفترة القادمة إما من خلال استئجار أو تملك العقارات من قبل الخليجيين.
وتعد هذه الخطوة بالنسبة لمصر انعاشًا لقطاع السياحة الذي لا يظل يعاني من تراجع على مدار السنوات الأربع الماضية، أما تركيا فسيكون ذلك بالنسبة لها مجرد زيادة في حركة موسم السياحة الصيفي، وسوف يتوقف ذلك النشاط بقطاعي السياحة والعقارات على مدى الفترة التي ستستغرقها الحرب في اليمن.
وقد تكون تركيا أحسن حظًا من مصر في استقدام السياحة الخليجية الناتجة عن عدم الاستقرار وتطورات الحرب، بسبب عدم وصول مصر إلى حالة من الاستقرار السياسي والأمني.
وستكون حركة السياحة الخليجية المتجهة لتركيا ومصر نتيجة الأحداث أكثر نشاطًا في شهور الصيف، إذا ما امتدت الأزمة لهذه الفترة، وستكون الحركة محدودة خلال هذه الأيام بسبب العام الدراسي، حيث ستواجه الأسر الخليجية مشكلة عدم حال إشكالية استكمال العام الدراسي في مصر أو تركيا أثناء أو قرب فترة العام الدراسي الحالي.
ولكن ثمة استفادة محققة سوف تحققها مصر من خلال حصولها على عائد نظير مشاركة قواتها في الحملة الحربية على الحوثيين باليمن، ولا تعد هذه هي المرة الأولى التي تمارس فيها مصر هذا السلوك، فقد أقدمت على هذه الخطوة في مطلع التسعينيات إبان أزمة الخليج الثانية، وجنت مصر ثمار ذلك من خلال تخفيض 50% من ديونها الخارجية في إطار اتفاق نادي باريس، وكذلك تنازل أمريكا والخليج عن ديون تقدر بنحو 13 مليار دولار.
وقد تكون مشاركة مصر للتحالف الخليجي في الحرب على الحوثيين بمثابة مخرج من أزمتها التمويلية، وسوف يكون الثمن الاقتصادي لمصر في هذه الحرب متمثل في عدة صور، منها أن تتنازل دول الخليج عن ودائعها بالبنك المركزي والتي تقترب من نحو 12 مليار دولار.
أو يتم ضخ أموال جديدة وسوف يتوقف ذلك على طبيعة المساومة والحصول على مقابل مجزي من قبل الإدارة المصرية.

التعليقات