الوجه الجديد القديم لنتنياهو

الوجه الجديد القديم لنتنياهو
د. عبدالله السويجي

لا ندري إن كانت الاستراتيجية الفلسطينية أو العربية، لا تزال تراهن على ظهور زعيم "إسرائيلي" معتدل، يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، ويوافق على إقامة دولة مستقلة لهم، تكون حدودها كما حددتها القمة العربية التي عقدت في بيروت، هي حدود الأراضي التي احتلت في العام 1967.

ولا ندري إن كان الفلسطينيون أو العرب، قد راهنوا على سقوط بنيامين نتنياهو في الانتخابات، لأن سقوطه يعني فوز حزب المعسكر الصهيوني.

لكننا ندري ونعلم علم اليقين أن هذا الزعيم (المخلّص) للفلسطينيين، والذي سيخرج العرب والمعتدلين الفلسطينيين، من دائرة الحرج السياسي، لن يظهر، لا في المستقبل القريب ولا البعيد، لأنه لم يظهر على مدى العشرين عاماً الماضية، ولن يظهر على مدى العشرين عاماً المقبلة، والأسباب معروفة وبسيطة:

* أولاً: السياسية "الإسرائيلية" مبنية على مبدأ عدم الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة، لأنها تشكل خطراً من كل النواحي، على مستقبل الكيان الصهيوني، لأن الدولة ذات السيادة في القانون الدولي هي دولة ذات حدود واضحة، تتمتع بسيادة على حدودها البرية والبحرية والجوية، وعلى اقتصادها ونظامها المالي والأمني والإداري، فضلاً عن أنها ستصبح عضواً كاملاً في المجتمع الدولي ومنظماته ومؤسساته.

* ثانياً: الواقع الفلسطيني الضعيف المنقسم يساعد على التعنت "الإسرائيلي"، ولن يشجع أي زعيم "إسرائيلي" على تقديم تنازلات.

* ثالثاً: الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الصهيوني، يشجع أي زعيم "إسرائيلي"، مهما بلغ من الضعف، على مواصلة رفض إقامة دولة مستقلة.

* رابعاً: إن اتفاقيات أوسلو وملاحقها السرية والعلنية لا تدعم إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

* خامساً: التشرذم العربي، والانقسام غير المسبوق، منذ أربع سنوات على وجه الدقة، ومنذ إنشاء الجامعة العربية على وجه العموم، يعطي فرصة للسياسيين "الإسرائيليين" لمواصلة المناورة والكذب والتراجع عن التعهدات.

* سادساً: إن ما يعيشه عدد من الدول العربية، والتحالفات الجديدة، ولاسيما المحيطة بالكيان الصهيوني، لن يدفع الكيان الصهيوني على خوض مغامرة وجودية، يعرف مسبقاً نتائجها، حتى وإن لعب هذا الكيان على تأجيج الواقع الحالي في دول الجوار.

* سابعاً وأخيراً: لو فاز حزب المعسكر الصهيوني، ستكون المواجهة أصعب، لأن اسمه يدل عليه.

السياسيون الفلسطينيون والعرب، وعلى الرغم من الحيثيات المذكورة آنفاً، كانوا يراهنون على ما يبدو، على فوز المعسكر الصهيوني! لكن فلسطينيي الداخل، أي الذين يطلقون عليهم (عرب إسرائيل)، هم الذين لعبوا الورقة بذكاء شديد، بعد أن يئسوا من الوعود العربية والفلسطينية، وتعاملوا مع الحالة كأمر واقع، فوحدوا صفوفهم، وخاضوا الانتخابات، وحصلوا على 14 مقعداً في البرلمان "الإسرائيلي" (الكنيست)، وبذلك، تحولوا إلى قوة لا يستهان بها.

وعودة إلى واقع ما بعد الانتخابات "الإسرائيلية"، التي أتت بنتنياهو، هذا الذي قال قبل الانتخابات: (كل من يتحرك لإقامة دولة فلسطينية أو ينوي الانسحاب من الأراضي فهو ببساطة يستسلم للهجمات الإرهابية التي يشنها إسلاميون متطرفون ضد "إسرائيل"). وهذا ما رفع شعبيته وساعد في فوزه.

بعضهم يحلل هذه التصريحات على أنها دعاية انتخابية، لكنها لم تكن كذلك، إذ أكد نتنياهو بعد فوزه للإذاعة العامة الأمريكية (ان بي آر) أنه لم يغير موقفه من إقامة دولة فلسطينية لكنه أكد أن الشروط لم تجتمع بعد لتحقيق ذلك، وقال: "لا أريد دولة واحدة. وعندما أتحدث عن دولتين فهذا يعني دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية وأصر على ذلك. لم أغير موقفي"، والسبب الذي يكمن وراء عدم تغيير موقفه هو: "قرار قادة السلطة الفلسطينية توقيع اتفاق مع حماس العام الماضي، والتغييرات الجذرية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة بوجود تيار إسلامي عسكري في الأراضي التي تم التخلي عنها"، أما بالنسبة للمستوطنات فقال: "لا اعتقد أن المستوطنات تشكل عقبة أمام اتفاق سلام، ولا اعتقد أن الأمر كان كذلك يوماً. لو تابعتم الانتخابات لرأيتم أن الطبقة السياسية بالكاد تطرقت الى هذه المسألة".

من الطبيعي أن يقول نتنياهو هذا الكلام، لأن نتنياهو ظل هو نفسه نتنياهو، وغير الطبيعي أن يقول خلافاً لذلك، على الرغم من محاولة زعماء حزبه (الليكود) التبشير بتغيير السياسة، حيث يقول "تساحي هنغبي"، العضو البارز في حزب الليكود، الذي ترأسه نتنياهو، ونائب وزير الخارجية في الحكومة السابقة، أن حزب الليكود لا يزال ملتزماً بالمفاوضات مع الفلسطينيين وقال: "أعتقد أن الإدارة الجديدة سوف تبذل جهداً لتجديد المفاوضات. سوف نكون سعداء جداً بتجديد المفاوضات، ونحن نعتقد أن من مصلحة الشعبين "الإسرائيلي" والفلسطيني هي إجراء حوار، ومحاولة إيجاد القاسم المشترك في القضايا الحاسمة جداً لكلا الشعبين". إلا أن أحمد الطيبي، عضو البرلمان عن القائمة المشتركة، قال إن نصر نتنياهو يعني عدم حدوث تغيير كبير في المستقبل القريب "يبدو أن "الإسرائيليين" اليهود لا يريدون تغيير الواقع. كنا نريد أن تغير "إسرائيل" واقعها وتتعاون مع العملية الديمقراطية". ويرى صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين خلال الجولة الأخيرة من المحادثات، أن فوز نتنياهو جعل حاجة الفلسطينيين لاتباع نهج دولي نحو تحقيق الاستقلال أكثر أهمية: "الآن، أكثر من أي وقت مضى، ينبغي على المجتمع الدولي أن يتصرف. ويجب أن يحتشد وراء الجهود الفلسطينية لتدويل نضالنا من أجل الكرامة والحرية من خلال المحكمة الجنائية الدولية، وعبر كل الوسائل السلمية الأخرى..".

هل هناك خيارات فلسطينية أخرى؟ سؤال حاول الإجابة عنه كاتب من فلسطين (غازي مرتجى) في صحيفة "دنيا الوطن"، حيث وضع ثلاثة خيارات، الأول: الرضوخ لمجتمع "إسرائيلي" أصبح يمينياً بشكل لا يُطاق وانتهى زمن المؤمنين بحل الدولتين. والخيار الثاني: الرضوخ لفكرة أحمد عبدالرحمن، وهو أحد قيادات حركة فتح التاريخية ولازم الرئيس الشهيد أبو عمار لسنوات عدة، ويقضي الخيار بخروج مئات الآلاف في الضفة أمام نقاط التماس دون أي مواجهات إنما للاعتصام حتى الحصول على الحقوق الفلسطينية. والخيار الثالث: الاستسلام للواقع كما استسلمنا على مدار عشرين عاماً وانتظار القرارات "الإسرائيلية" بتخفيف الضغط على السلطة أو بالتشديد عليها، والإبقاء على الاحتلال دون تكلفة.

على مدى أربع سنوات مقبلة، سيبقى نتنياهو يلعب على عامل الزمن، ولن يقدم أي شيء للفلسطينيين، وما على الفلسطينيين إلا اللجوء إلى أضعف الإيمان، وهو تطبيق فكرة أحمد عبدالرحمن، والبدء في النضال المدني، للوصول إلى عصيان مدني شامل، وتسبق هذا مصالحة وطنية حقيقية.

ليس أمام الفلسطينيين سوى خيار واحد في ظل الظروف العربية والعالمية الراهنة، وهو المواجهة على الأرض، وليس حول طاولة المفاوضات.

صحيفة الخليج الإماراتية

التعليقات