حسني مبارك كان يفضل يسرا على نبيل العربي

حسني مبارك كان يفضل يسرا على نبيل العربي
رام الله - دنيا الوطن
هذه القصة رواها الدكتور نبيل العربي في كتابه صراع الدبلوماسية . ونقلها عنه الدكتور جلال أمين في مقالته « تحية لصديق العمر » .. 

قال : عندما يكتب نبيل العربى عن حسنى مبارك، لا يكتب عنه كلمة جارحة حتى بعد انتهاء عهده، بل يحكى فقط ما حدث. كما فى القصة المذهلة الآتية. ذلك أن نبيل العربى كان رئيسا للوفد المصرى فى المفاوضات حول طابا، والتى استمرت مع اسرائيل لمدة ست سنوات قبل أن تستردها مصر بالفعل. وأقيم احتفال بهذه المناسبة فى طابا، حيث رفع العلم المصرى، ووقف نبيل العربى مع زملائه الذين قاموا بجهود جبارة فى المفاوضات، وانتظروا أن يتجه الرئيس مبارك اليهم لتحيتهم وشكرهم ولكن الرئيس سمع الممثل الشهير فريد شوقى، وقد وقفت إلى جواره الممثلة يسرا، وينادى الرئيس «ياريس.. ياريس» فاتجه الرئيس اليهما، بدلا من أن يذهب لشكر رئيس وأعضاء الوفد المصرى فى المفاوضات.

المقالة بكامل تفاصيلها ننشرها علي النحو التالي : 

تحية لصديق العمر
د‏.‏ جلال أمين

١٦ مارس ٢٠١٥

قررت أن مقالى هذا الأسبوع يجب أن يكون عن نبيل العربى، الأمين العام لجامعة الدول العربية ـ أما لماذا نبيل العربى دون غيره، وفى هذا الأسبوع بالذات، فسوف يتضح للقارئ من ثنايا المقال.

تعرفت على نبيل العربى وكلانا فى الرابعة عشرة. كان والده الدكتور عبدالله العربى، أبرز أساتذة المالية العامة فى جيله، وكان أيضا صديقا لوالدى. وحيث إن كلا الأسرتين كانتا تسكنان فى الحى نفسه فى مصر الجديدة، كنت أذهب لألعب معه فى حديقة منزله الجميلة المطلة على ما كان حينئذ مساحة شاسعة لسباق الخيل (وأصبح الآن حديقة ميريلاند) ثم مرت سنوات كثيرة تزاملنا فى روضة الأطفال، ثم فى المدرسة النموذجية بحدائق القبة (النقراشى الآن) ثم فى كلية الحقوق. لم تنقطع علاقتنا لا بسبب اختلاف وظائفنا، ولا بسبب سفرى وكثرة أسفاره، وإن كانت قد قلت لقاءاتنا بالطبع.

عندما كتبت سيرة حياتى منذ عشر سنوات، وضعت فيها صورة له وهو لايزال طالبا فى كلية الحقوق، ثم ظهر له كتاب جميل فى السيرة الذاتية أيضا، منذ ثلاث سنوات اسمه «صراع الدبلوماسية» يحكى فيه ما مربه من أحداث سياسية مهمة خلال عمله فى وزارة الخارجية، ولكنه بدأ بفصل قصير عن نشأته وصباه. كان لابد أن أشعر بالفخر وأنا أقرأ هذا الفصل، إذ وجدت أن اسمى جاء فيه مرتين، وفى المرتين كان مصدر الشعور بالفخر أن فيهما ما يدل على تقدمنا فى درجة الوعى السياسى والثقافى قبل أن يتجاوز عمرنا 12 سنة. ففى سنة 1947 قررنا مع أصدقاء آخرين تكوين جمعية سياسية ثقافية، واخترنا لها اسم جمعية «الجيل الجديد» لم تستمر الجمعية أكثر من أسبوع أو أسبوعين فقد طلب منا والده أن نحل الجمعية على الفور إذ جرى القبض على أعضاء جمعية تحمل الاسم نفسه بتهمة محاولة قلب نظام الحكم. فى السنة نفسها أصدرنا مجلة باسم «عصفور النيل» وصفناها بأنها مجلة أدبية علمية، وصدرت منها ثلاثة أعداد مطبوعة، ثم توقفت بسبب الافلاس (وهو ما لم يكن يعنى فى ذلك الوقت أكثر من أن آباءنا لم يعطونا المصروف الكافى، أو لم يقتنعوا بأهمية المجلة للحياة الثقافية المصرية. كانت المجلة قد طبعت فى مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر التى كان يرأسها أبى، مما أعفانا من تكاليف الطباعة، وكان ذلك هو السبب أيضا فى موافقة المشتركين فى إصدار المجلة على أن يذكر على غلافها أننى »رئيس مجلس الإدارة« كنت أشعر بالفخر إذن، عندما ذهبت منذ ثلاث سنوات للاحتفال بصدور كتاب نبيل العربى (صراع الدبلوماسية) ولكن كان يخامرنى أيضا شعور بعدم التصديق. ذلك أنه كان من الصعب على أن أصدق أن هذا الصبى الصغير الذى كنت ألعب معه فى سن الرابعة فى حديقة منزله، ثم فى روضة الأطفال (بين سن الخامسة والسابعة) قد أصبح له فيما بعد هذا الشأن العظيم، إذ أصبح سفيرا بوزارة الخارجية، ثم رئيسا لوفد مصر فى الأمم المتحدة. ورئيسا لإحدى دورات مجلس الأمة، وقاضيا فى محكمة العدل الدولية، ثم وزيرا للخارجية، وها هو الآن أمين عام لجامعة الدول العربية. هل يمكن حقا أن يحقق كل هذا، ذلك الصبى الذى مازلت أتذكره وهو بالبنطلون القصير، والطربوش الأحمر الذى يغطى معظم جبهته؟

خطر لى أن نبيل العربى، إذا قرأ هذا الكلام سوف يقول: وما هو الغريب فى هذا بالضبط؟ أن يبدأ الطفل ببنطلون قصير وطربوش أحمر ثم يصبح أمينا عاما للجامعة العربية؟ وتخيلته وهو يقول لى «مش هاتبطل بقى فلسفة ياجلال؟ ما هو الغريب فى الموضوع؟».

لابد أن اعترف بأنى كنت دائما أدرك هذا الفارق المهم بينى وبينه، فنبيل العربى لديه حس عملى بالغ القوة، ودائم البحث عما يجب عمله فى مواجهة أى مشكلة تصادفه، بينما أبحث أنا عن أفضل الطرق لوصف المشكلة دون أن أقدم أى حل، بعبارة أخرى هو يعمل، وأنا أقوم بتنبيه الجميع أن علينا أن نعمل، لا عجب أننا منذ سنواتنا الأولى فى كلية الحقوق، كان نبيل العربى يعرف جيدا أنه يريد أن يصبح دبلوماسيا، وأنا أريد أن أصبح مدرسا بالجامعة، مما يذكرنى بالطبع بكلمة برنارد شو الشهيرة: «ذلك الذى يعرف كيف يقوم بعمل شىء ما، يقوم بعمله، وذلك الذى لا يعرف، يقوم بتدريسه.

هذا الحس العملى الثوى، بالإضافة إلى الذكاء الحاد، لم يكن من الممكن أن ينتجا هذه النتائج الباهرة التى أحرزها نبيل العربى. لو لم يقترنا أيضا بشعور وطنى قوى. كان اجتماع هذه الصفات هو فى رأيى ما مكن نبيل العربى من أن يفعل أشياء مبهرة كثيرة فى أيام قليلة فى أثناء توليه وزارة الخارجية. ففى هذه الفترة القصيرة أحرز تقدما ملحوظا فى علاقتنا بإيران، نحو حل مشكلة مياه النيل مع إثيوبيا، وفى التقريب بين الفصائل المختلفة من الفلسطينيين، وفى تحديد الموقف الصحيح من اتفاقية كامب ديفيد...الخ.

ثم قرأت كتابه (صراع الدبلوماسية) فوجدت فيه، ليس فقط تأكيدا لكل هذه الصفات، بل وأيضا تأكيدا لصفات أخرى فيه، كجلده الشديد على العمل، وزهده فى الافتخار بنفسه، أو فى الحديث عن أخطاء الآخرين، مهما تكن هذه الأخطاء جسيمة كما يتضح مثلا فى حديثه عن أنورالسادات ولقائه به فى أثناء محادثات كامب ديفيد 1978، أو عن حسنى مبارك فى أثناء الاحتفال باستعادة طابا من الإسرائيليين.

ففى حديثه عن لقائه السادات، يقول إنه لا يستطيع حتى الآن أن يستعيد ما دار فى هذا اللقاء دون أن يشعر بالحزن والأسف، رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما عليه. كان أعضاء الوفد المصرى فى محادثات كامب ديفيد، قد وجدوا أشياء لا يمكن قبولها من وجهة النظر المصرية والفلسطينية، فى مشروع المعاهدة التى يريد السادات توقيعها مع الإسرائيليين. وكان من الضرورى أن يلفتوا نظر السادات إلى خطورة الأمر، ولكن اعتذر عضو بعد آخر عن مواجهة الرئيس فقال أحدهم بأنه يشعر بحرج شديد من ذلك، وتعلل آخر بأن الرئيس عصبى جدا فى هذه الأيام، فذهب نبيل العربى بمفرده لمقابلة السادات وأخبره بملاحظات الوفد، فإذا بالسادات لا يفعل أكثر من ترديد القول بأنكم «ترون الأشجار ولا ترون الغابة» أى أنكم تغرقون فى التفاصيل ولكن ليس لديكم رؤية شاملة. يبدو أن الرئيس كان قد أعجبه التعبير الإنجليزى عن الأشجار والغابة، ووجده مريحا له للغاية، فى مثل موقفه، فأخذ يردده كلما لزم الأمر.

ومع ذلك يقر نبيل العربى بالفضل للسادات فى أنه لم يعاقبه رغم تجرئه على الكلام معه بصراحة، وعلى الرغم من أن البعض قالوا للسادات «كيف تسمح لنبيل العربى بأن يكلمك بهذا الأسلوب؟»

كذلك عندما يكتب نبيل العربى عن حسنى مبارك، لا يكتب عنه كلمة جارحة حتى بعد انتهاء عهده، بل يحكى فقط ما حدث. كما فى القصة المذهلة الآتية. ذلك أن نبيل العربى كان رئيسا للوفد المصرى فى المفاوضات حول طابا، والتى استمرت مع اسرائيل لمدة ست سنوات قبل أن تستردها مصر بالفعل. وأقيم احتفال بهذه المناسبة فى طابا، حيث رفع العلم المصرى، ووقف نبيل العربى مع زملائه الذين قاموا بجهود جبارة فى المفاوضات، وانتظروا أن يتجه الرئيس مبارك اليهم لتحيتهم وشكرهم ولكن الرئيس سمع الممثل الشهير فريد شوقى، وقد وقفت إلى جواره الممثلة يسرا، وينادى الرئيس «ياريس.. ياريس» فاتجه الرئيس اليهما، بدلا من أن يذهب لشكر رئيس وأعضاء الوفد المصرى فى المفاوضات.

وبقى نبيل العربى وزملاؤه «لعدة دقائق فى حالة دهشة تامة».

كلما تذكرت أن معرفتى بنبيل العربى وصداقتى له قد استمرت أكثر من سبعين عاما، أشعر بالسرور والفخر فى الوقت نفسه، صحيح أننا مختلفان جدا فى المزاج ولكن ربما. 

التعليقات