بعد 5 سنوات من الحرب في سوريا .. الفن السوري إلى أين؟

بعد 5 سنوات من الحرب في سوريا .. الفن السوري إلى أين؟
رام الله - دنيا الوطن
لا شك أن الفن السوري قبل الربيع العربي خلق لنفسه مكان على القمة، حتى أنه بات لا يقارن بأي من الأعمال الفنية العربية انتاجا وقصصا , وكانت الدراما السورية إلى جانب المصرية تُسيطر على الفضائيات العربية .

في مقابل ذلك كان الفن في مصر والدراما اللبنانية  في تراجع مستمر مقابل هذه الثورة الفنية وصخابتها ونجاحها الذي لا يقارن.

بداية التراجع
ولكن منذ بدأت الأزمة في سوريا منذ 5 سنوات واندلعت شرارة حرب راح ضحيتها الكثير, كان الفن في سوريا أحد الضحايا أيضا, حيث لم تكن هناك خطة طارئة لإنقاذه ولم تعد الدراما السورية متألقة وبدأت تعاني من ارتدادات الأزمة .

وفي السنة الثانية, بدت الأزمة حاضرةً بانعكاساتها الإنسانية، والمجتمعية على السوريين ,وكذلك الفن ولكن هذه المرة  ظهرت الأزمة " كخلفيةٍ للأحداث، أو سيتم تناولها من باب البحث بأسبابها، أو ضمن إطار من الكوميديا السوداء.

نموذج لذلك مسلسل "قلم حمرة" للمخرج حاتم علي:"تفاصيل، أحلام، وخيال أرواح عاشت في مدينه تدعى دمشق...." بحسب ملخص كاتبة العمل يم مشهدي، التي قالت في تصريحات صحفيةٍ سابقة إنها  تحاول من خلاله:"ملامسة الأحداث التي عاشها السوريون خلال السنوات الأخيرة، بجزئيات وتفاصيل صغيرة لحالات إنسانية، دون الانغماس في عمق الواقع الحالي."

وضرب الكاتب رامي كوسا  نموذج آخر عبر مسلسل "القربان" تحت إدارة المخرج علاء الدين كوكش؛الإجابة عن سؤالٍ أساسي مفاده: "لماذا وصل السوريون إلى ما آلت إليه الأمور اليوم؟" حيث  تدور أحداث المسلسل ما قبل "الأزمة"، وهذا فسرّه الكاتب بالقول: "فضلت الحديث عن السوريين قبل الأحداث الحالية التي تشهدها البلاد، حتى نقول أنه كان يتوجب على السلطة في مكانٍ ما فِعلُ كذا، وكذا، وأننا نحن السوريون كنا هكذا، والوحش الذي استيقظ في نفوس بعضنا بعد الأزمة يجب أن ينام.."، ويرصد "القربان" في خطوطه العامّة: "آلية تحوّل البشر إلى قرابين تُسفك على مذبح السلطة،والفقر،والقهر،والحب،والمال."

وسلطت خماسيات مسلسل"الحب كله" الضوء على الانعكاسات الاجتماعية، والإنسانية لـ "الأزمة السورية" من زوايا مختلفة، عبر تناولها لـ"تحديّات الحب في زمن الحرب"، من خلال ستة قصص، حملت توقيع ستة مخرجين.

وبدت تأثيرات الأزمة حاضرةَ "اجتماعياً ومهنياً"، على مسار حياة شخصيات مسلسل "نساء من هذا الزمان" للكاتبة الصحفية بثينة عوض، والمخرج أحمد إبراهيم أحمد، في عمل تلخص الكاتبة خطوطه الرئيسية، بأنه "يغوض في أعماق العلاقات المجتمعية، ويعريها عبر رصد حيوات مجموعة من الفتيات الحالمات، والعاشقات تربطهن ببعضهن  صداقة متينة، رغم اختلاف طبائعهن، ومسارات حياتهن... ويرصد أيضا انكسارات المرأة ضمن مجتمع ذكوري يدفعها دائما نحو خيارات قاسية..."

وضمن إطارٍ من الكوميديا السوداء؛ ترصد لوحات "بقعة ضوء10" انعكاسات "الأزمة"، والتغييرات التي أحدثتها بحياة السوريين،  في نصوص لعدة كتّاب، تحت إدارة المخرج عامر فهد، بينما يتناولها الكاتب ممدوح حمادة من خلال رصده ليوميات أسرة سوريّة، تتنازعها خيارات البقاء بالبلاد، أو الرحيل عنها وسط ظروف الحرب، في مسلسل "الحقائب/ ضبّوا الشناتي" من إخراج الليث حجّو.

بين البقاء والهرب
ولكن ظهرت مُشكلة أخرى تواجه الدراما في سوريا , وهي أن عدد لا بأس به من الممثلين هربوا من سوريا واختاروا مغادرتها , ما يعني مُغادرة الدراما السورية والانتقال إلى الدراما اللبنانية والمصرية .

و يأتي في الفنانين الذين غادروا سوريا الفنان أيمن زيدان الذي تعرض لتهديدات بالقتل ، و الفنانة أمل عرفة وزوجها الفنان عبد المنعم عمايري حيث اختارا الاقامة في أبو ظبي .

في حين اختار الفنان باسم ياخور ووزجته الكاتبة رنا حريري الاقامة متنقلا ً بين دبي و بيروت و القاهرة حيث يصور عدد من الأعمال السورية و العربية .

كما غادر الفنان باسل خياط سوريا واقام في ابو ظبي، وامتنع عن العمل في الدراما السورية في موسم 2012 قبل ان يعود في الموسم الحالي ببطولة مسلسل "سنعود بعد قليل " مع المخرج الليث حجو و الذي يجري تصويره في لبنان.

و اختار الفنان سامر المصري الاقامة متنقلا بين بيروت ودبي ، فيما استقر الأخوين المخرجين بسام ومؤمن الملا في إمارة دبي وتصوير اعمالهما هناك .

و كان خيار الفنان عابد فهد وزوجته الاعلامية زينة يازجي التنقل، حتى قبل الازمة، بين دبي وبيروت، ولم يشارك بأي عمل يجري تصويره في سوريا خلال الأحداث، حيث اكتفى بالمشاركة في اعمال جرى ويجري تصويرها خارج سوريا .

و اختارت الفنانة كاريس بشار الاقامة في الولايات المتحدة الامريكية ولم تشارك في اي عمل درامي وكذلك الفنانة يارا صبري التي اختارت و زوجها الفنان ماهر صليبي الاقامة في الامارات العربية المتحدة ولم يشاركا في اي عمل سوري سواء داخل او خارج البلاد .

أما الفنانة جيني اسبر فقد اختارت ان تقضي معظم وقتها هذا العام بين بيروت والولايات المتحدة الامريكية حيث وضعت طفلتها هناك بينما ستشارك في الجزء الخامس من مسلسل صبايا والذي سيجري تصويره بين لبنان و دبي ، فيما يتنقل الفنان قصي خولي بين بيروت التي يصور فيها عملين دراميين سوريين وامريكا حيث يقيم هناك للدراسة حسبما يقول دائما وقبل اندلاع الازمة .

المخرج حاتم علي والفنان تيم حسن اختارا التنقل بين بيروت والقاهرة ودبي ومنهم و امتنعوا عن العمل او زيارة سوريا خلال احتدام الأزمة واكتفوا بالأعمال العربية وتحديداً المصرية .

أما من اختار البقاء في سوريا , مثل الممثلة ليلى سمور , فقد فُرض عليهم البقاء تحت القذائف والخطر المُستمر , والمعاناة من قطع الكهرباء المستمر خلال تصوير أعمالهم الفنية  والتي لا شك أنها أصبحت قليلة داخل سوريا من حيث الكم الانتاجي والتوزيع والتسويق مما زاد في انحسار الدراما الذي رافقة المد الواسع للدراما التركية المدبلجة .

أزمة ثم شكل جديد
حيث تأثرت الصناعة الدرامية بالأزمة المالية التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عامين، كما بمختلف الشروط الأمنية والعسكرية المتبدّلة بشكل سريع، وبرز هذا التأثير أكثر لدى شركات الإنتاج السورية أو التابعة للحكومة السورية، دوناً عن شركات الإنتاج العربية والخليجية بخاصة التي تمتلك سوقاً أكبر للعرض والتوزيع، وتتعامل بعملة نقدية مختلفة ومختلف تأثرها بالعملة الأجنية. 

وعليه فقد لجأ مخرجون وكتّاب سوريون إلى التشاركية في تقديم أعمال ‘خماسية’ لكل منها مؤلفها ومخرجها، وشهد العام 2013 أكثر من تجربة منها ‘صرخة روح’ الذي حمل عنواناً طويلاً ‘قصص تتناول الخيانة المُحرّمة’ من إنتاح شركة ‘غولدن لاين’ التي ستنتج هذا الموسم الجزء الثاني من العمل.

أمّا ‘المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي’ فقد أعلنت عن خماسية ‘الحب كلّه’ ليعرض في رمضان القادم.

الحب.. سبيل الهروب الأول من المواجهة.
من أهم نتائج الأزمة أن الشاشات العربية شهدت  تعاوناً سورياً مصرياً لبنانياً لم يعرفه المسرح أو التلفزيون بذات الكثافة في أي مرحلة لاحقة, فنتيجة  انقسام المواقف السياسية للفنانين السوريين الذين اضطّر كثير منهم إلى مغادرة سوريا بسبب الشرط الأمني، الذي يُهدّدهم بالملاحقة والاعتقال، مع عدم توفر شروط صحيّة للتصوير والإنتاج شهدنا توزّعاً لمواقع التصوير بين لبنان وسوريا التي تتشابه مناطقهم الجغرافية وبيئاتهم الاجتماعية في كثير من المناطق. لكن البارز الأكبر كان انفتاح الدراما السورية على نجوم عرب من جنسيات مختلفة. 

نموذج لذلك مسلسل  "حلاوة الروح" الذي يجمع ممثلين سوريين ولبنانيين كتابة ‘رافي وهبي’، ويشارك فيه من سوريا غسان مسعود ودانا مارديني ونسرين طافش وجلال شموط، ومن لبنان رولا حمادة ودارين حمزة ورودني حداد واندريه ناكوزي. 

وكذلك  مسلسل "الأخوة" الذي يُعد عمل درامي مشترك سوري ومصري ولبناني، مؤلف من أربعة أجزاء يتكون كل جزء من 25 حلقة ويضم قائمة طويلة من الممثلين العرب. من سوريا: تيم حسن وباسل خياط وقيس شيخ نجيب وسلوم حداد ومحمد حداقي ومرح جبر، ومن لبنان: كارمن لبس ونادين الراسي ورفيق علي أحمد وكارلا بطرس وعبد المجيد مجذوب، ومن الجزائر: أمل بوشوشة، ومن مصر: أحمد فهمي ورانيا يوسف ورجاء الجداوي. 

عودة تدريجية
في عام 2014 كان الحب والقضايا العاطفية هي المحور الأبرز للكثير من أعمال الدراما السورية على تنوّع إنتاجها وشكلها الفني.  ويمكن فهم هذا التوجه باعتباره سبيلاً لمنافسة الدراما التركية التي غزت شاشات العرض العربية بعد دبلجتها وكانت العاطفة ملعبها الأساسي، كما يمكن فهم هذا التوجه باعتباره مطلباً من متطلبات الصناعة الجديدة للدراما، إذ أنّ الانفتاح على السوق العربية الواسعة من الخليج العربي إلى المغرب العربي بممثلين ومخرجين ومنتجين يتطلّب كذلك انفتاحاً على قضايا الآخر وهمومه، التي ليست مرتبطة بالهم السوري الخاص، السياسي أو المعيّشي.

إلا أنّه لا يمكن تجاهل حقيقة كون الحب وتناول القضايا العاطفية بمثابة مجال الهروب الأوسع من المواجهة مع قضايا الواقع السوري. خاصة للفنانين الذين لا يزالون يعملون من داخل سوريا، ومحكومون بشرطها الأمني القاسي. لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ أكثر من فنان سوري قد تمّ اعتقاله، ولا تزال إلى اليوم كل من الفنانتين ‘ليلى عوض’ و’سمر كوكش’ ابنة المخرج السوري المعروف ‘علاء الدين كوكش’ قيد الاعتقال منذ نهاية شهر كانون الأول 2013.

في النهاية رغم الأزمة فإن الدراما السورية قد تأقلمت مع الحرب واستطاعت في 2015 أن تحجز مكانة متميزة لها على مساحة الشاشات العربية بتقديمها توليفة متنوعة من الأعمال الدرامية التي عكست تطورا في مسيرة الدراما على مستوى الفكرة والنص والإخراج وإدخال مفردات جديدة تتماشى مع الحالة الإنسانية والاجتماعية التي فرضتها الأزمة في سورية.

 

التعليقات