(تحقيق خطير ونسب مئوية مُخيفة).لدى فئة الشباب خاصة: ارتفاع معدل الاصابة بالجلطات في غزة عام 2014

(تحقيق خطير ونسب مئوية مُخيفة).لدى فئة الشباب خاصة: ارتفاع معدل الاصابة بالجلطات في غزة عام 2014
رام الله - دنيا الوطن
نشرت الزميلة "الرسالة" تحقيقاً خطيراً يبيّن ازدياد نسبة الاصابة بالجلطات الدماغية والنوبات القلبية لدى فئة الشباب بشكل خاص .

نعيد في دنيا الوطن نشر التقرير الذي اعده الزميلان محمود هنية ونور الدين صلاح

قد مثلت النتائج التي وصلت إليها "الرسالة" عبر هذا التحقيق علامة فارقة، على ضوء ما كشفته عن ارتفاع عدد المرضى المصابين بكل من مرضى النوبات القلبية المعروف بـ"الجلطة القلبية"، والسكتات الدماغية في السنوات الست الأخيرة.

وبيّنت الإحصائيات التي حصلت عليها "الرسالة" في سياق التحقيق حول ارتفاع معدل عدد الإصابات في هذا المرض، وجود ارتفاع ملحوظ لعدد الإصابات لدى فئة الشباب من 25-55 عاما، بينما أكدّت المصادر الطبية أن الضغوط النفسية والعصبية هي السبب الرئيس وراء هذه الزيادة.

والجلطات الدماغية هي عبارة عن فقدان لوظيفة الدماغ بفعل انسداد في مجرى الدم المؤدي اليه، بينما يتسبب توقف تدفق الدم في الشريان التاجي المغذي للقلب بحدوث مرض النوبات القلبية.

وخلال جولة لمعدي التحقيق حول أقسام القلب في مشافي قطاع غزة، بحثا عن حالات الاصابة بالجلطات الدماغية والنوبات القلبية، استمعا إلى نحو 18 مصاب بمرض القلب من فئات عمرية مختلفة ما بين (18_ 54 عامًا)، وتبيّن أن الضغوط النفسية والاجتماعية الناجمة عن تدهور الاوضاع الاقتصادية، من أبرز العوامل التي أدت إلى تفاقم المرض لديهم، مؤكدين وجود إشكالية في توفير المصاريف اللازمة للأدوية.

سوء الوضع الاقتصادي

محمد سالم (25 عامًا) طالب جامعي يقطن بمخيم جباليا شمال غزة، هو أحد الشبان الذين تعرضوا للمرض، ويرجع ذلك إلى سوء الأوضاع الاقتصادية التي تعانيها عائلته المكونة من ثمانية أفراد، وزيادة العبء الملقى على عاتقه، بسبب تعطل والده عن العمل.

وأصيب محمد بجلطة قلبية أدت إلى حدوث "شلل نصفي" لديه، وجعلته رهينة المكوث في المنزل، ولم يقتصر الحال على ذلك بل إن والدته تعاني من ذات المرض الذي أصيب به. ما يعني أن هناك رابطًا للعامل الوراثي بحسب ما أخبرهم به الطبيب.

وتفاقم المرض لدى كل من محمد ووالدته نظرًا لعدم توفر الأموال التي تعينهما على شراء الأدوية اللازمة للعلاج.

ويعدّ مرض القلب من أول مسببات الوفاة في قطاع غزة، بحسب احصائيات وزارة الصحة الفلسطينية، بينما يرجع المختصون العامل الاساسي وراء انتشاره في الاراضي الفلسطينية لحالة التوتر والضغط النفسي التي يعيشها سكان القطاع، خاصة بعد وقوع ثلاثة حروب متتالية خلال 6 سنوات (2008-2014).

وأظهرت احصائيات حصل عليها معدو التحقيق، زيادة في النسبة السنوية لعدد المصابين بمرض الجلطة الدماغية وصلت لنحو 20%، بينما المصابين بالجلطة القلبية 15% سنويًا.

وتبيّن أن كلا من العاملين النفسي والوراثي بالإضافة إلى سوء التغذية وغياب اللياقة البدنية وعدم ممارسة الرياضة والتدخين، دورًا مهمًا في حدوث مرض النوبات القلبية والجلطات الدماغية.

هذا ما يؤكده الدكتور باسل بكر رئيس قسم الأعصاب بمستشفى الشفاء، مؤكدًا أن العامل النفسي يحتل المرتبة الأولى كأحد أهم الاسباب المؤدية لحدوث المرض في غزة، إضافة إلى عدم انتظام الدواء من مرضى الضغط والسكري المسببين للمرض بفعل ضعف القدرة الشرائية لدى كثير منهم نظرًا للظروف الاقتصادية السيئة في القطاع.

ويلحظ بكر من واقع اشرافه على علاج مرضى الجلطات الدماغية، اضطراد نسبة الزيادة في حدوث الجلطات الدماغية منذ ست سنوات تقريبًا، مشيرًا إلى أن ارتفاع نسبة الاصابة لدى الذكور مقابل الاناث، (63% ذكور و37% إناث "نسبة تقديرية").

وقال إن الأعراض التي تسببها الجلطة تتمثل في الشلل النصفي، أو شلل جزء من الوجه، أو خلل في النطق، مشيرًا إلى وجود حالات شديدة تؤدي إلى تأثر الوعي بحيث يصل إلى غيبوبة عميقة وأحيانًا تؤدي إلى الوفاة.

عمليات القسطرة القلبية

ويتقاطع قول الدكتور محمد حبيب رئيس قسم القلب بمجمع الشفاء الطبي، مع سابقه، حيث أكد تعرض عدد كبير من فئة الشباب إلى الجلطات القلبية في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن نسبة الاصابة بالمرض ارتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الست الماضية مقارنة مع السنوات السابقة لها.

وعزا حبيب ازدياد عدد الاصابة بالجلطات القلبية إلى حالة التوتر الشديد في المجتمع الفلسطيني جراء الظروف السياسية المختلفة، إضافة إلى عوامل أخرى مثل كبر السن، ونوع الجنس وتاريخ العائلة المرضي.

وأوضح حبيب أن الذكور أكثر عرضة من الإناث للإصابة بالجلطات. وقال حبيب إنه تم إجراء 13 ألف عملية قسطرة قلب ما بين عام 2007-2014م في المستشفى الأوروبي بغزة، أي ما بعد فرض الحصار على غزة، مبينا أن الفئة الأكثر ترددًا على اجراء عمليات القلب هي من (30-50 عاما).

ويضم القطاع المحاصر الذي قارب عدد سكانه مليون و800 ألف نسمة، على مركزين فقط مخصصين لعلاج القلب، الأول في مستشفى غزة الاوروبي (افتتح عام 2006)، والثاني مبنى الجراحة الجديد بمستشفى الشفاء، (افتتح نهاية 2014)، علاوة عن اجراء عمليات قسطرة محدودة قبل ذلك في مراكز طبية خاصة.

يذكر أن وزارة الصحة في غزة، كانت تجري تحويلات إلى الخارج لمرضى عمليات القلب المفتوح قبل عام 2006م، طبقًا لمعلومات الجهات الرسمية بالوزارة.

وتشير الاحصائيات التي حصل عليها معدا التحقيق، من الجهات الصحية الرسمية، إلى ارتفاع في عدد الحالات التي أجريت لها عملية القسطرة القلبية التشخيصية لحوالي 59% من عام 2007 - 2013م.

ووفقًا للإحصائيات، فإن مدينة غزة كانت الأعلى من محافظات القطاع من حيث إجراء عمليات قسطرة تشخيصية حيث بلغت نسبتها 42%، تليها محافظة خانيونس 20% ثم رفح 17% ثم منطقة الوسطى 13% وأخيرًا منطقة الشمال 10%.

وتبيّن الاحصائيات الفرق في الإصابة بين الجنسين، حيث أن 65% ممن أجريت لهم عمليات القسطرة كانوا من الذكور و35% كانوا من الاناث.

أمّا عمليات القسطرة العلاجية، والتي بدأ العمل فيها بقطاع غزة عام 2009، فقد أجريت في ذاك العام 197 حالة فقط، ليقفز الرقم في العام الثاني 2010 إلى 394 بزيادة مقدارها 100%، وبدأ الرقم يقفز في كل عام حتى وصل العام المنصرم إلى حوالي 512 حالة، بنسبة زيادة سنوية 64% تقريبًا. علما أنه من الممكن أن يكون الاهتمام الزائد بالصحة والفحص الدوري ممثلاً بعمليات القسطرة الاستكشافية، مؤشرا على الاحساس بارتفاع الاصابة.

وأوضحت الاحصائيات، إنه جرى تنفيذ ما يقرب من 250 عملية قلب مفتوح بين ( 2007 -2014). وبحسب الأطباء فإن الزيادة أيضًا لوحظت في عدد ارتفاع المراجعين بالعيادات الخاصة، حسب ما افاد به مختصون في مجال طب القلب.

وأكد كل من الدكتور آمال أبو جامع اخصائية امراض القلب، والدكتور محمد حبيب أن نسبة المراجعين في العيادات الخاصة، كنتيجة طبيعية للاضطراد الكبير في الزيادة بعدد المصابين في القطاع.

وفي السياق، كشف حبيب عن وفاة عدد من المرضى قبل دخولهم لإجراء عملية قسطرة القلب، منوهًا إلى أنه يتوفى من 2-3 حالات شهريًا.

كما أعلن عن وجود 11 حالة وفاة شهريًا أثناء إجراء العملية، مشيرًا إلى وجود ما يقرب (100-120) حالة وفاة سنويا من جميع مستشفيات قطاع غزة تقريبًا.

وبيّن استشاري أمراض القلب أن عام 2014 شهد إجراء عمليات قسطرة قلب لـ 500 حالة في مجمع الشفاء الطبي فقط، مشيرًا إلى أنه تم افتتاح قسم القسطرة بالشفاء في منتصف شهر مايو العام الماضي.

الجلطات الدماغية

وإزاء ذلك، فقد شهد القطاع ارتفاعًا ايضًا في معدلات زيادة الاصابة بمرض الجلطات الدماغية، كما يقول الدكتور مازن الهندي رئيس قسم الباطنة بمستشفى الشفاء، منوهًا إلى وجود ارتفاع معدلات زيادة تعرض الشباب للجلطات الدماغية في السنوات الست الأخيرة تحديدًا.

وكشف الهندي ظهور أمراض جديدة من أهمها الأورام التي تصيب الغدد الورقية والدماغ، وما يعرف بمرض التصلب المتعدد الذي يتسبب بإحداث تلف في خلايا الدماغ، واضطرابات في البلع والكلام، إضافة لاضطرابات بالرؤية والأطراف، مشيرًا إلى ارتفاع نسب الإصابة بهذه الامراض في الآونة الأخيرة.

ونوه إلى أن السنوات الست الأخيرة شهدت ارتفاع معدل إصابة الشباب من (25-50 عاما) بنحو 30%. بينما كانت أقل من 5% قبل عام 2006م تقريبًا، حين فرض الحصار على غزة، أمّا كبار السن من( 55- فما فوق ) فيشكلون حوالي 70% من نسبة المصابين.

وقدرّ نسبة ارتفاع عدد الإصابة بأمراض الجلطات الدماغية في غزة بحوالي 15 % سنويًا، طبقًا لإحصائيات متوفرة لديهم.

وبيّن خلال البحث وجود عدد من المشكلات أسهبت في تفاقم المعاناة لدى مرضى الجلطات، منها: عدم توفر الأدوية التي يحتاجها المرضى بشكل دوري، بالإضافة لعدم وجود مراكز علاج طبيعي لهؤلاء المرضى في قطاع غزة، باستثناء مركز واحد جنوب القطاع، بعدما دمر الاحتلال مستشفى الوفاء بشكل كامل في العدوان الأخير، بحسب الهندي.

العلاج في الخارج

وعن الاحصائيات المتعلقة بعدد المواطنين الذين يتلقون العلاج بالخارج، بعد اصابتهم بالجلطات القلبية، ذكر الهندي أن 800 مريض بغزة جرى تحويلهم للخارج من أجل تلقي العلاج المناسب خلال عام 2014م، فيما شهد عام 2013 نسبة مشابهة تقريبًا، فقد وصل عددهم إلى 816 مصابا.

وأظهرت الاحصائيات وجود ارتفاع بعدد الحالات المصابة بالنوبات القلبية التي تم تحويلها للعلاج بالخارج من العام 2010 للعام 2014.

وإزاء هذه الزيادة المضطردة في أعداد المرضى، فإن ثمة اشكاليات أخرى تواجه المصابين بالمرض، أسهمت في تعقيد الأزمات التي يواجهها المريض وتدهور الحالة الصحية لدى أغلبهم، أهمها الافتقاد إلى مراكز علاج طبيعي، بحسب ما يؤكده الدكتور الهندي.

ومن المشكلات التي تطرق اليها الهندي، وجود ازدحام كبير بالأسرّة في قسم الباطنة بمستشفى الشفاء، ما يدفع الأطباء للاستعجال بإخراج المرضى، حيث يمكث المريض من 3 أيام لأسبوع فقط، بينما يحتاج فعليًا الى العناية والمكوث بالمستشفى إلى مدة أسبوعين على الأقل.

من جانبه، نبّه الدكتور أشرف شعث استشاري واخصائي امراض قلب إلى وجود ارتفاع بمعدل الإصابة لدى فئة الشباب بمرض السكتات القلبية أيضًا بنسبة ملحوظة، فهي تفوق نسبة 70% من نسبة الشباب العمرية التي تبدأ من (18- 55 عامًا).

ويقول شعث إن هذه النسبة لدى الشباب لم تكن موجودة قبل ست سنوات تقريبًا، وهي اليوم آخذة في الزيادة.

واشتكى الطبيب من عدم انتظام توفير الادوية اللازمة لعلاج هذا المرض بشكل دوري في مشافي القطاع، نظرًا لحالة الاغلاق والأوضاع السياسية.

وأمام هذه الزيادة المضطردة في إعداد المصابين بأمراض التجلط والقلب والتي يرجعها البعض للوضع النفسي، التقينا الدكتور يوسف عوض الله الأخصائي النفسي والمحاضر بجامعة القدس المفتوحة، للوقوف على أصل الحالة النفسية القائمة في القطاع، فكشف عن ازدياد الحالات النفسية التي تتردد على العيادات الخاصة.

وقال عوض الله "إن هذه النسبة ارتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الست الماضية، مبينّا زيادة النسب كما هو موضح في الشكل التالي.

وأكد ّان الارتفاع الكبير بات لدى فئة الشباب، لأسباب وعوامل مختلفة من أهمها الإدمان على التدخين وبعض الممنوعات، وكذلك السهر الطويل الذي يسبب تغيرًا في الخصائص الكيميائية بالدم.

وأرجع السبب للضغوط النفسية والاجتماعية في ظل الحروب الثلاث التي خاضها أهل القطاع على مدار ست سنوات، مشيرًا إلى وجود 400 ألف طفل في القطاع عاشوا الصدمة النفسية، طبقًا لإحصائيات موثقة لدى منظمة اليونسيف الدولية.

وذكر أن عدد المواطنين الذي يتوجهون لتلقى العلاج النفسي يتزايد ويصل لأكثر من 30 حالة شهريا، موضحًا أن اكثر الفئات التي تتردد هي من 17- 25 عاما، لافتًا إلى أن نسبة المترددين قبل ست سنوات كانت أقل من 40% من النسب الحالية.

من جهته قال الأخصائي النفسي الدكتور درداح الشاعر المحاضر بجامعة الأقصى، إنّ الشباب يشعرون بحالة من الاحباط والعجز والسلبية، ما يؤدي لتفاقم معاناتهم على كافة المستويات وخاصة الجانب الصحي.

وبيّن الشاعر أن مثل هذه الأمراض تضعف القدرة الانتاجية عند الشاب إلى درجة الصفر، بالإضافة إلى ضعف قدرتهم على التنمية والتواصل والتفاعل، مما يؤدي إلى عجزهم عن التكيف مع المجتمع.

ويمثل الشباب 60% من اجمالي سكان غزة بحسب احصائيات موثقة لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني "وفا"، مشيرًا إلى أن معدل البطالة بين الخريجين الشباب بلغ 52.5% خلال الربع الأول، بينما بلغت نسبة البطالة في صفوف الشباب المتعلمين وغير المتعلمين نحو 67.8%.

أمام هذا الواقع، حاول معدو التحقيق الوقوف على دور الجهات المسئولة للتخفيف من العبء الواقع على كاهل الشباب. فأكدّ أحمد محيسن وكيل وزارة الشباب والرياضة في غزة، أن جميع البرامج التي تعنى بالشباب في الوزارة قد توقفت في عهد حكومة التوافق، نظرًا لغياب مصاريف الموازنة والمصاريف التشغيلية لها.

وقال محيسن إن الوزارة اضطرت لوقف برنامج صندوق دعم الشباب لإقراض الزواج بعدما نجح في اقراض 1200 شاب، بالإضافة لتوقف برامج تمويل المشاريع الصغيرة والبحث العلمي والمجالس الاستشارية والمخيمات، والتي عملت الوزارة على تفعيلها عدة سنوات من أجل التخفيف عن الشباب في القطاع.

 ولا شك أن هذه الاحصاءات تدق ناقوس الخطر، وعليه فإن الجهات المسئولة مطالبة بتدارك خطورة الوضع الصحي الناجم عن الأوضاع الاقتصادية والنفسية السيئة، الأمر الذي يسقط المرضى فريسة سائغة للمرض ينهش أجسادهم، حتى فئة الشباب.







التعليقات