خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

رام الله - دنيا الوطن
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:


عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي خير الزاد؛ زاد الدّنيا، وزاد الآخرة. ولبلوغ التقوى، علينا أن نعيش في هذه الأيام ذكرى انتقال الزهراء(ع) إلى رحاب ربها، بناءً على الرواية الَّتي ذكرت أنَّ وفاتها حلّت بعد خمسة وسبعين يوماً من ارتحال رسول الله(ص) إلى ربّه، وأن نعيش حزن علي(ع)، ومعه الحسن والحسين، وثلة من أصحابه، عندما وقف أمام جسدها الطاهر ودموعه تنهال من عينيه، قائلاً: "السَّلام عليك يا رسول الله، عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسّريعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، ورقَّ عنها تجلُّدي، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهَّد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستُنبِئُك ابنتك بتضافر أمّتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودِّعٍ، لا قالٍ ولا سئِم".

أيها الأحبَّة، إنَّ تعبيرنا عن الحبّ للزَّهراء(ع) والولاء لها، لا يقف عند حدود ذرف الدّموع ولطم الصّدور عند ذكرنا لها، ولا بإقامة المجالس لها، أو الاكتفاء باستعادة ما تعرَّضت له من ظلامات، رغم أهميّة كلّ ذلك، ولكن لا بدّ من أن نكون حيث كانت الزهراء في حبّها الخالص لله، أن نعبد الله كما عبدته، وأن نكون صادقين كما كانت، إذ وصفها رسول الله(ص) بأنها صدِّيقة شهيدة، تشهد على الناس بأعمالها، أن نكون كما كانت في جهادها وفي رساليَّتها وحبّها للعلم وقول الحقّ، وفي رفضها للانحراف والباطل، وفي حرصها على وحدة المسلمين، وأن لا تعبث بها أيادي الفتنة.

وبذلك نخلص للزهراء، ونبقيها حيَّة في السّلوك والعمل والمواقف، كما في المشاعر والأحاسيس، وبذلك نواجه ما تعرَّضت له، ونواجه كلّ التّحديات.

أقفل الأسبوع الماضي على عدّدٍ من قضايا؛ أولاً، عندما وقف رئيس وزراء العدو في الكونغرس؛ أحد مراكز القرار الأميركي، معلِّماً ومرشداً، ليحذِّر من الاتفاق المزمع عقده بين الإدارة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران، وليكيل الاتهامات لإيران بالإرهاب، وبأنها تشكّل خطراً على العالم.

إنَّنا في الوقت الَّذي نؤكّد أنَّ من يتحدَّث عن الإرهاب، لا بدّ من أن يكون منزّهاً عنه، نتساءل: كيف لكيان بُنِيَ على الإرهاب، وأسّس وجوده عليه، وهو يمارسه كلّ يوم، أن يتحدّث عن محاربة الإرهاب؟! فأيّ إرهاب أكبر من أن يقتلع شعباً من أرضه، ويسعى إلى تهجيره، وحتى إذا أمكن إبادته!

إنَّنا نرى في ما حصل إساءة في الشّكل إلى موقع أميركا، ولكن علينا التَّدقيق في المضمون، حيث أُريد لهذا الخطاب أن يظهر كيان العدو بثوب المظلوميَّة، وكأنّه المستهدف من جيرانه! وهو الَّذي يمتلك سلاحاً نوويَّاً، وأكبر ترسانة من الأسلحة الحديثة في المنطقة، كما أنَّ علاقته الأمنيَّة والاستراتيجيَّة بالولايات المتحدة الأميركية، تكاد تكون الثّابت الوحيد في سياسة أميركا في المنطقة، فلا تُتخذ قرارات، ولا تُعقد اتفاقات، إلا بعد الأخذ برأيه، والنظر بعين الاعتبار إلى مصالحه.

إننا نريد للشَّعب الأميركي ولشعوب المنطقة والعالم، أن لا تنطلي عليها هذه الخدع، حتى لا يظهر كيان العدو أنه الحريص على السّلم العالمي، وهو الذي يمثّل أكبر تهديد لهذا السلم في المنطقة والعالم.

وانطلاقاً من هذا الخطاب، فإنَّنا ندعو الدّول العربيّة والإسلاميّة إلى وعي مخاطر هذا الكيان، الَّذي يسعى جاهداً للّعب على وتر الخلافات فيما بينها، ووضع إسفين في العلاقات الإسلامية ــ الإسلامية.

ثانياً، لقد صدر مؤخّراً عن السّلطة الفلسطينيّة موقف لافت، برفض التنسيق الأمنيّ مع العدو؛ وهو قرار كنا ننتظره بعدما أمعن هذا العدو بممارساته العدوانية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، واستمرار حصاره لغزة. إننا نأمل أن يكون هذا القرار ثابتاً، وأن ينطلق من عمق الإحساس بخطورة هذا الكيان وسعيه الدائم لضرب وحدة الفلسطينيين.. وهنا، نشدّد على وحدة الموقف الفلسطينيّ ضمن خيار المقاومة. 

وفي هذا الإطار، فإنّنا نستغرب أن تصدر بعض القرارات الَّتي تضع حماس في خانة الإرهاب في هذه المرحلة، وهي الَّتي قدَّمت مئات الشهداء في مواجهة العدو، ولحساب حرية الشّعب الفلسطينيّ وقضيّته.

ثالثاً، يشهد العالم العربيّ والإسلاميّ حركة لقاءات بين العديد من دوله، ونحن نؤكّد تعزيز العلاقات فيما بينها، بما يخدم قضاياها، ولكنّنا نخشى من توجّهات في المنطقة، قد تزيد الانقسام والتوتر، وذلك في ضوء ما نسمعه من حديث عن سعي لإنشاء محور سني، مقابل آخر شيعي، أو محور عربي، مقابل محور فارسي.

إننا أمام خطورة هذا الحديث، ومن يدخل على خطّه، نعيد الدّعوة إلى الحوار، لأنه السّبيل لحلّ المشكلة في المنطقة، فلا جدوى من العداء، أو الصراع، أو التقاتل المباشر أو غير المباشر، تحت عناوين مذهبيَّة أو قوميَّة، لأنَّ ذلك لن ينتج إلا المزيد من الدّماء والدمار، وسيؤدي إلى تقسيم المنطقة وإفقارها، وجعلها أسيرة الفتن، وسيثير شهيَّة أعداء هذه الأمّة للانقضاض عليها. 

ونأتي إلى لبنان، لنعلن عن شعورنا بالارتياح لاستمرار الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، ولنأمل بحوارات أخرى، كما نقدّر نجاح القوى السياسية في الحكومة، بتجاوز نقطة الخلاف حول كيفية اتخاذ القرارات، بعدما شعر الجميع بخطورة بقاء هذا البلد بدون حكومة تسيّر أمور الناس وأمور الدولة.

إنَّنا نأمل أن يكون قرار عودة الجلسات نهائياً، ريثما يتم انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، ولا سيّما في هذه المرحلة، حيث تزداد المخاوف من الساعين للفتنة، كما حصل أخيراً في عكار، ومما يدبّر لهذا البلد، ونعيد التأكيد أنه لا يمكن أن نواجه تحديات الداخل، إلا بتعزيز مناخات الوحدة، وتسيير عجلة مؤسّسات الدولة، ومدّ يد العون للجيش اللبناني وقواه الأمنية.

وفي هذا الأيام، نلتقي بذكرى مجزرة بئر العبد؛ التي أُريد من خلالها إطفاء الجذوة الإسلاميَّة، من خلال اغتيال الشَّخصية الرمز؛ الشخصيَّة الحوارية المنفتحة التي عملت على تقديم صورة الإسلام المنفتح على العصر وعلى الحياة، حيث أُريد لهذا الصّوت؛ صوت سماحة السيّد، رضوان الله عليه، أن لا يرتفع في السّاحة، لتخلو هذه السّاحة لأصوات الفتنة والقتل والعدوان.

وعندما نستذكر هذه المجزرة، علينا أن نتذكّر منابع هذا الإرهاب الاستكباريّ، الَّذي لا يتوانى عن قتل العشرات وإصابة المئات، في سبيل التخلّص من شخص واحد، لنعرف أنَّ ما نعانيه من إرهاب، إنما انطلق من القوى الاستكبارية، ويجب أن لا تنطلي علينا كلماتها المعسولة، وخدعها المعروفة في العمل للتخلّص من الإرهاب الذي هو صنيعتها سابقاً ولاحقاً.

وأخيراً، ونحن على مقربة من عيد المعلّم، نحيّي المعلّمين في يومهم، ونبارك لهم عطاءهم، ويكفي في تكريمهم أنَّ رسول الله(ص) قال: "إنما بُعِثتُ معلّماً". وهنا، ندعو إلى إنصاف المعلّمين مادياً ومعنوياً، وعلى كلّ المستويات، ليؤدّوا دورهم كاملاً بما يخدم قوَّة الأوطان؛ فقوَّة الأوطان بعلمها ومعلِّميها. 

 


التعليقات