عباس محمود العقاد ..المفكـر والأديب وصاحب المباديء

عباس محمود العقاد ..المفكـر والأديب وصاحب المباديء
رام الله - دنيا الوطن
بقلم : معروف  دياب    
                           
                   
إن الأدباء والمفكرين هم صوت الأمة وعنوانها ، والمعبرون عن هويتها وشخصيتها .فالكلمة في البدء كانت ,وفي الأزل ستبقى . وقد يكون لها دوي وفعالية أكثر من السلاح ، ويخطيء كل من يحاول كبت هذه الأصوات ،ومنعها من التعبير ، والبحث عن الحقيقة ، وإعلاء صوت الحق .                                                                           
وأول آية نزلت في القرآن كانت بدايتها كلمة : اقرأ: التي تحمل عدة مفاهيم ، أي الخروج بكلمات الله إلى الآخرين ،ومحاربة الباطل والشرك والفساد،وتنوير البشر بالحق والحقيقة، وبهذه الكلمات سطع نور الإيمان .وأخرجت الإنسانية من الظلمات إلى النور                                                                                                      
عباس العقّـــاد من الأدباء الذين يصعب الحكم عليهم ، لأنه شخصية متعددة الفكر ، وشخصية عصاميّــة ،وصلت إلى قمة الفكر بجهد وإرادة ذاتيين ، وكان معياره الوصول إلى المعرفة والحقيقة مهما كان الثمن ..وهو من المفكرين إما أن تحبه أو تكرهه ، وربما لا تتشكل أية عاطفة نحوه ،، ولمن الجميع يشعرون بنوع من الرهبة نحوه ممزوجة بالاحترام ، وعدم المس بهذا المتربع على عرش الفكر ، وإلا يصيبه ما تحمد عقباه                                                    
قرأنا العقاد في أوج ازدهار الثقافة بجانب عمالقة كبار ،أثــروا ساحتنا ، وكان يتصارع فيها الفكر والأدب والدين  والسياسة والفن والتاريخ والنقد .وكان هذا مدعاة لتنشيط الوعي بشكل عام عند الطبقة المثقفة ،نوانعكس هذا على
المجتمع وحياته وتصوراته وهمومه وأحلامه  .                                                                              .
ولد العقاد في مدينة أسوان عام 1889 م لأسرة متوسطة الحال.والتحق بالكتاب .ثم إلى المدرسة إلإبتدائية والثانوية ، ولكنه لم يكمل تعليمه ،ورحل إلى القاهرة ، وعمره أربع عشرة سنة ، وبدأ يثقف نفسه بجهده الذاتي ,ثم التحق بعد ذلك بالوظائف الحكومية ,وتركها وعمل بالصحافة ..وتعـرّف على إبراهيم عبد القادر المازني (1890 ـ1949) الذي تخـرّج من مدرسة المعلمين العليا ،وشغف بالأدب الإنجليزي ، وتأثر بشيلي ، كما تأثر في الأدب العربي بالشريف الرضي ....
  اشترك المازني مع العقادفي كتاب (الديوان ) عام 1922 م ، دعوا فيه إلى مذهب جديد، وهو كتاب نقدي ، ثم شاركهما الشاعر ( عبدالرحمن شكري 1886 ـ 1958 ) ، وانفصل عنهما بعد ذلك .زوقد صدر منه جزءان ، تناولوا فيهما مهاجمة أحمد شوقي ( 1868 م ـ 1932م ) ,,,,وكذلك مهاجمة الشاعر : حافظ إبراهيم (1871م ـ 1932 م ). حاول المازني تحطيم المنفلوطي أيضاً ، واعتبر أدبه أدب ضعف .                                                                             . .. حاولت مدرسة الديـوان أن توسع أغراض الشعر .وأن لا يتقيد بما كان مألوفاً من أغراض قديمة، وضرورة التحرر من القافية الواحدة ,والدعوة إلى التنوع ، وتناول الأشياء البسيطة العابرة في الحياة والتعبير عنها بصورة فنـيّة جميلة..وقد زالت هذه المدرسة في الشعر ،وبقي شوقي وحافظ عملاقين في الشعر .. وكما يقول الدكتور "محمد مندور": إن العقاد ليس محروماً من زوح الشعر ، ولكن عندما يتعالى العملاق ،ويحاول أن يصول ويجول يولي الشعر منه الفرار ..

.... أصدر العقــاد أربعة دواوين من عام 1916 م باسم "يقظة الصباح " حتى 1928 م وطبعها ، وهي " وهج الظهيرة "، و" أشباح الأصيل " .وفي ديوانه الرابع "وحي الأربعين " بين فيه حقيقة المذهب الجديد , ووضح معنى التقليد في الشعر ... كان الشعر عند العقاد متنوع المواضيع , يختار الأشياء البسيطة ، ويعبر عنها بطريقة بليغة وفنيـّة ، مثلاً :قصيدته " كواء الثياب ليلة الأحد" يقول :                                                                                                                        لا تنـم ... لا تنـم   إنهم  ساهرون  سهروا في الظلــم  أو غفــوا يحمـون أنت فيــهم  حكـــم وهـم ينظـــــــرون في  غد يلبســـــون في غــد يمـــرحون 
تعـرّف العقــا د على الزعيم سعد زغلول زعيم الأمـّة ، وصار يحــرّر في جريدة "البلاغ " لسان حزب الوفد ، ويكتب فيها المقالات السياسية ، مردداً آراء الغربيين في الحرية ، وحقوق الشعب والإنسان ..ودخل في معارك مع كتّـاب الأحزاب الأخرى مثل :" محمد حسنين هيكل .كاتب رواية زينب " الذي كان كاتب الأحرار الدستوريين ,وصدرت مقالاته في مجموعة كتب ..
.. نرى أن العقاد من خلال مواقفه وجرأته قد دخل السجن في عهد الملك فؤاد مدّة تسعة شهور بسبب قولته المشهورة :" إن من يعتدي على الدستور سنطيح برأسه مهما كان. 

تنوعت كتابات العقــا د بين الشعر والأدب ، وفي القصّـة ترك واحدة فقط هي  "سارة"   .وكتب في مسألة الحكم ، وفي الفكر والفلسفة والدين والترجمة ،، واتجه إلى كتابة التراجم والسير . فكتب ما سمي بالعبقريات : " عبقرية محمد " (صلى الله عليه وسلّم ) و"المسيح " عليه السلام ،,"أبي بكــر" و" عمر" و"علي "... كذلك كتب : "عقـائد المفكـرين في القرن العشرين "وكتاب الله" .وكتاب "إبليس " وكتاب "أبي نواس "،وكتاب  "أنـا " ،وهو سيرة ذاتية للعقاد ، وبلغ مجموع ما كتبه نحو ( 80 كتاباً ) ..

كان العقــاد يقـرأ كل شيء ، ولم يتخصص في شيء . كان عقله موسوعة ، مع أن كل الحاضرين في صالون العقــاد منهم من تخصّـص في الفلسفة الحديثة أو القديمة أو اليونانية أو المسيحية واليهودية ، أو المنطق ، وعلم النفس ومناهج البحث ، او الأدب بتخصصاته المختلفة ، أو في الدين ، أو السياسة ..ولكن العقــاد كتب في أغلب فروع المعرفة ..

صــالون العقــا د :
 كان صالون العقاد أو ندوته يحضرها : طاهر الجبلاوي ـ العوضي الوكيل ـ الدكتور محمد غـلاّ ب ، والشاعر كامل الشناوي ـ علي أدهم  ـ ـسيد قطب ـ أحمد فؤاد الأهواني.  محمود أمين العالم وأنيس منصور .. كذلك كان يتردد على صالونه اللواء شوقي عبد الرحمن الذي عاش في انجلترا ،وقرأ كثيراً في التاريخ ، وكان يتحدث عن الحروب الحديثة ، والعقاد يتحدث عن الحروب عند المسلمين     

ويروى أن سيد قطب ، وهو أحد تلامذة العقاد بعد أن فسّر القرآن الكريم كله ، كانت للعقـاد اعتراضات كثيرة ، ووعد سيد قطب بأن يفسر أعمق ، ولم يفعل ..ورغم أن العقـاد كان ليبرالي التفكير ، إلا أنه كان ضد الحرية الفردية ، ويخاف أن تؤدي إلى الفوضى و الانحراف.... ( يتبع )

التعليقات