امام المجلس المركزي الفلسطيني مهام جسام

امام المجلس المركزي الفلسطيني مهام جسام
بقلم / عباس الجمعه

ان جملة المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم من انقسام داخلي وانعكاسه لخلاف سياسي إضافة إلى المتغيرات السياسية اتجاه القضية الفلسطينيه، جميعها أظهرت بشكل واضح وجود خلل في بنية النظام السياسي الفلسطيني وإشكاليات في العلاقة التنسيقية والوظيفية بين السلطة والمنظمة، حيث برزت هذه الإشكاليات إلى السطح وبقوة، مما يتطلب إعادة النظر في المرتكزات القانونية والسياسية والوظيفية التي يعمل من خلالها النظام السياسي الفلسطيني.

الشعب الفلسطيني يتطلع ان تكون الدورة القادمة والقريبة للمجلس المركزي الفلسطيني،دورة هامة،تاريخية ونوعية،دورة تحدث تغييرا جوهريا في مسارات العمل الوطني الفلسطيني،تغييرا يرتقي الى مستوى تحديات المرحلة وانعطافاتها التاريخية، فالخطر داهم وجدي على قضية الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني،ولسنا بحاجة الى بيان ختامي يصدر عن المجلس كبيانات القمم العربية يعيد التاكيد على  المبادرة العربية للسلام،التي لفظتها اسرائيل مرة ومرات وركلتها شمالا ويمينا والعرب ما زالوا متمسكين بها ويهبطون في سقفها في كل قمة يعقدونها ويستجدون اسرائيل لقبولها،ولسنا بحاجة الى الإنشاء  في  الإشادة والمدح والتبجيل لأصحاب الفخامة والجلالة والسمو على دعمهم ومساندتهم للقضية الفلسطينية،تلك القضية لو سلمت من مؤامراتهم،لما وصلنا الى ما وصلنا اليه الان، لذلك نحن يجب ان نتطلع الى دور حركة التحرير العالمية ودور روسيا والصين ودول امريكا اللاتينية والى الدور الصاعد لليونان والى القوى والاحزاب العربيه والدول الصديقة والشقيقة على مستوى العالم العربي  والاسلامي .

المجلس المركزي يجب ان يتوقف بشكل جدي،من اجل ترجمة ما اتخذ من قرارات سابقة حول الية تطوير وتفعيل منظمة التحرير بشكل جدي وحقيقي،وكذلك وقف تغول السلطة وسيطرتها على قرارات المنظمة، لأنها مرجعية الشعب الفلسطيني في الخارج وليس داخل الوطن وحده، و الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وحاضنة للمشروع الوطني الفلسطيني من اجل استكمال مشروع التحرر الوطني لأننا ما زلنا تحت الاحتلال إلى حين قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس وضمان حق عودة اللاجئين لديارهم التي هجروا منها وفقا للقرار الاممي 194.

ان انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني ، بعد طول انتظار وترقب وأمل بالانعقاد ، باعتباره مؤسسة فلسطينية هامة في خدمة نضالنا الفلسطيني وفي حماية مصالحنا الفلسطينية ، ومع هذا فالترحيب بانعقاد المجلس المركزي واجب علينا ، والأهم من الترحيب بانعقاد المجلس هو جدول أعمال المجلس في دورته الحالية ، في ظل الانقسام الفلسطيني الكارثي دون ان يعطوا  اصحاب الانقسام  موقفا واضحا سوى تحميل المسؤوليات وهم يعبثون بداخلنا الفلسطيني نتيجة مشروع له اجندات خارجية خطيرة على مستوى القضية والمنطقة .

ان المطلوب اليوم من المجلس المركزي أن يكون مجلسا جادا في مناقشة ومعالجة الوضع الفلسطيني كله ، داخل الوطن والخارج ، وفي كل الشتات الفلسطيني ، وأن ينطلق في معالجة الوضع الفلسطيني من كونه مسؤول عن كل الشعب الفلسطيني في كل أماكنه بما فيهم أبناء شعبنا في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 ، فالمجلس المركزي هو مجلس منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لكل أبناء الشعب العربي الفلسطيني ، ومن الخطأ أن يتجاهل المجلس المركزي ما يعانيه شعبنا في بعض أماكن تواجده ، وخاصة ما تعاني منه اليوم مخيماتنا في سورية ولبنان ، وما يتعرض له أهلنا في الأرض المحتلة عام 1948 من محاولات الإستيلاء على أراضيهم وطردهم من بيوتهم .

لا أعرف ماذا ستكون نتائج أعمال المجلس المركزي، لأنني أكتب هذا المقال قبل بدء أعمال دورته، فالوضع الراهن يشير إلى أن السياسة باتت فنا للفوضى أو الموت البطيء بدلا من فن إدارة الصراع الوطني ، وهي حالة يمكن أن تؤدي إلى نكبة أشد خطرا ً من نكبة 48، وخاصة ان هناك خلل كبير يدفع ثمنه شعبنا الفلسطيني عموما والجماهير الفقيرة خصوصا، وخاصة ما يجري في قطاع غزة من شكل الفوضى السياسية والمجتمعية المحكومة بالطبع بأهداف ومصالح وبرامج محددة بالرغم مما يبدو من تعدد المحاور السياسية والتنظيمية والأمنية، وامام هذا الصراع يفقد المشروع الوطني عناصره وثوابته الجوهرية لحساب هوية الإسلام السياسي ، حينئذ لن تكون هذه الهوية بديلاً للمشروع الوطني فحسب بل، ستمثل نهاياته لكي تبدأ بالسير في مشروعها، وهي إمكانية نزعم أنها مستحيلة التحقق في فلسطين راهنا إلا إذا استطاع تيار "الإسلام السياسي" أن يصبح مشهداً رئيسياً في بعض بلداننا العربية، وهو أمر لا يمكن تحققه بدون التكيف مع السياسات الأمريكية.

لذلك، على قوى وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، أن تتعاطى مع ما يجري من على أرضية المصالح والاهداف الوطنية والقومية التقدمية الديمقراطية الكبرى للجفاظ  على المشروع الوطني وحماية منظمة التحرير الفلسطينية الكيان والهوية والممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وهذا يحتاج منا إلى إعداد أنفسنا للبناء عبر مرحلة تمكين حقيقية على المستوى التنظيمي والفكري والسياسي، بما يحقق تطلعها لاستعادة دورنا وتأثيرنا المستقبلي القريب المنشود، انطلاقا من قناعتنا بان هذه المرحلة تتطلب إعادة الاعتبار لتوصيف المرحلة بوصفها مرحلة تحرر وطني وديمقراطي، وفق رؤيتها ومضمون برنامجها السياسي الذي يجب أن يكون مرشدا وهاديا لنا في الانخراط الواسع والنشط في أوساط الجماهير من ناحية بما يمثل حتى  يكون صمام الأمان صوب أهدافنا ورؤيتنا ليس في الإطار الوطني الفلسطيني فحسب بل في إطار الرؤية النضالية مع قوة حركة التحرر العربية والعالمية ، واستنهاض الجماهير الشعبية وتحقيق أهدافها في التحرر والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتقدم.

نقول ذلك لاننا نرى ان مشروع الإسلام السياسي هو مشروع بديل من وجهة نظر أصحابه، للمشروع الوطني والقومي التقدمي الديمقراطي، وبالتالي فهو جزء من مشروع الإسلام السياسي على المستوى العربي الإقليمي لحركة الإخوان المسلمين، وهو مشروع بحكم المكونات الطبقية أو الاجتماعية والاقتصادية لهيئاته القيادية والوسطى لا يتناقض في جوهره مع السياسات الاقتصادية الأمريكية، الأمر الذي سيهدد بالضرورة، مجمل النظام السياسي الفلسطيني، وثوابته الوطنية التي عرفناها في إطار م.ت.ف منذ عام 1964 لحساب مشروع أو هوية بديلة .

ان صعوبة الوضع المالي للسلطة الفلسطينية نتيجة احتجاز حكومة الاحتلال الأموال الفلسطينية التي بحوزتها من الإيرادات الضريبية المجتمعة ، تتطلب معالجة الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية، بمنطق التشخيص والتحليل وكشف المخاطر الراهنة والمستقبلية، هو أحد المداخل الضرورية لصياغة البدائل الاقتصادية الوطنية والمجتمعية الهادفة لإخراج الواقع الفلسطيني من مأزقه الراهن. ففي هذه الظروف التي تتزايد فيها مظاهر العنجهية الإسرائيلية الاحتلالية، وما يترتب عليها من خطوات عملية لخلق معطيات وحقائق أمر واقع جديدة، بالتهويد والاستيطان والجدار الفاصل والمزيد من تجريف الأراضي والاستيلاء عليها، والاغتيالات والقتل والمطاردة والاعتقال، والقصف وهدم البيوت، والحصار والضغط الاقتصادي والتجويع في إطار الصراع التناحري والتناقض الرئيس مع العدو الصهيوني، ومع إدراكنا لمخططات هذا العدو، الهادفة إلى تدمير مقدرات شعبنا وصموده السياسي والاقتصادي، عبر منهجيته لعدوانية شبه اليومية التي فاقت المنهجية النازية في عنصريتها وبشاعتها وآثارها المدمرة، إلا أننا ندرك أيضا العوامل الفلسطينية الداخلية السلبيه والمتفاقمة في قلب هذا الصراع وفي موازاته، حيث تتجلى الظروف الفلسطينية المعقدة في أحلك صورها رغم صمود شعبنا وهو يواجه الاحتلال ومستوطنيه ، في هذا المناخ، تزداد نسب البطالة والفقر لدى الشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب التوقف عند الجانب الاقتصادي، من خلال رسم سياسة اقتصادية ومواجهة كل مظاهر الخلل والفساد ومحاسبة رموزه وأدواته، كما أن الاستعداد للمجابهة يقتضي أساسًا إعادة بناء مؤسسات "منظمة التحرير" وتفعيلها، لأنها منذ توقيع "أوسلو" في حالة يرثى لها، حتى تعود قولا وفعلا المرجعية العليا والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لذلك إن الذي يفكر بوقف التنسيق الأمني، وبالشروع في تقديم الدعاوى ضد قادة الاحتلال على جرائم الحرب التي ارتكبوها في حربها على الشعب الفلسطيني وتحديدا في قطاع غزة، وعلى جرائم الاستيطان المستمرة والتي لا تسقط بالتقادم، والتوجه فوراً بالوثائق المتوافرة بالكامل إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي ومحكمة الجنايات الدولية لمحاكمة الكيان الصهيوني وإدانته على جرائمه في نيسان القادم، لا يقوم بتوقيع "اتفاقيّة الغاز" مع الاحتلال لمدة عشرين عاما وبقيمة مليارات الدولارات، ليكسر بذلك جدار المقاطعة لكيان الاحتلال ، مما يستدعي عملية باتت أكثر من ملحة لانتشال الشعب الفلسطيني من هذا المأزق الخطير الذي يهدد وجوده وأرضه وقضيته، وهذا  يستدعي انطلاق سفينة النجاة التي يمكنها إنقاذ شعبنا من خلال الإصلاح السياسي والاقتصادي وعدم الخضوع للشروط الأمريكيه الصهيونية التي ستودي لمزيد من الفشل والتراجع من ناحية وإلى مزيد من الخضوع والتبعية بكل أشكالها من ناحية أخرى.

لقد بات واضحا إن إعادة تأسيس رؤيتنا للصراع ، وما يشبه إعادة التصميم لركائز قضيتا الفلسطينية، وإعادة إنتاجها في الواقع الفلسطيني ، بكل مرتكزاته القومية والوطنية في الداخل والمنافي ، واستعادة روح القضية من براثن الهبوط والانقسام الفلسطيني الداخلي من ناحية واستعادتها من براثن الهزيمة والخضوع العربي الرسمي من ناحية ثانيه.

ان ما يجري في المنطقة من تحولات منذ احتلال العراق وتمزيقه، تميزت بإذكاء النعرات الطائفية وتشجيع ودعم القوى الارهابيه المغطاة بالاسلام لتحويل اتجاه الصراع من صراع مركزي ضد الامبريالية والصهيونية وحلفائها من الأنظمة والتنظيمات إلى صراع طائفي ومذهبي بهدف الوصول الى تقسيم المنطقة، كاستراتيجية تمكن من تسهيل الهيمنة والتحكم والإخضاع. وخاصة امام  ما يجري في العراق ولبنان وسوريا وليبيا ومصر، والسعي نحو توسعيها إلى باقي بلدان المنطقة، كما يستدعي تحديد طبيعة الصراع في المنطقة العربية لاتخاذ المواقف الصائبة والممارسة السياسية الناجعة، من خلال دعم صمود قوى المقاومة والشعوب ومن اجل إرادة التحرر والإنعتاق والدفاع عن حق شعوب المنطقة في الحرية والديمقراطية والاستفادة من ثرواتها ،ومواجهة إرادة الهيمنة وإخضاع شعوب المنطقة وثرواتها وإرادتها لمصالح القوى الامبريالية ، وهذا يتطلب من كافة الاحزاب والقوى العربيه  استنهاض طاقاتها في مواجهة للقوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ومواجهة داخلية للأنظمة المتحالفة معها والمنفذة لأجندتها، والمنظمات المتطرفة المدعومة منها في المنطقة لخدمة المصالح ذاتها ، واعادة تصويب بوصلة الصراع العربي الفلسطيني ـ الإسرائيلي ، باعتبار الكيان الصهيوني ركيزة وأداة للقوى الامبريالية في المنطقة. مما يستدعي من الجميع مواقف  مبدئية بخصوص القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعالم العربي، ودعمها اللامشروط للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل التحرير والحرية والاستقلال  وحق العودة وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.

ختاما : لا بد من القول امام المجلس المركزي مهام جسام وقرارات يجب ان تكون على درجة عالية من الأهمية، ترتقي الى حجم المهام والتحديات المحدقة بقضيتنا ومشروعنا الوطني،فالهجمة الان تستهدف تصفية المشروع الوطني ووأد قضيتنا للأبد،ولذلك بات ملحا ومطلوباً من المجلس المركزي الفلسطيني في دورته القادمة رسم معالم استراتيجية وطنية جديدة.

كاتب سياسي

التعليقات