عائلة عبد ربه, أخطأت بحقها الصحافة ولم تعتذر !

غزة/نور السويركي:
في نهاية ديسمبر الماضي, تصدر علي وجهاد واسلام وجمال عبد ربه, عناوين الصحف المحلية والمواقع الالكترونية ووكالات الأنباء على اختلاف جنسياتها, حين أقدم علي عبد ربه 19 عاماً, على الزواج من أرملتي شقيقيه القتيلين في العدوان الأخير على قطاع غزة في يوليو 2014, ليشعل بعد ذلك مواقع التواصل الاجتماعي وألسنة المجتمع في التحليل و التأويل حول حيثيات هذا الأمر,الذي تحول من شأن عائلي خاص إلى قضية رأي عام بعد نشره بغضون ساعات.
عائلة جمال عبد ربه من جباليا, فقدت خلال العدوان سبعة أفراد, على إثر القصف العشوائي الصهيوني الذي طال منزلاً كانوا يحتمون به بعد أن نزحوا من بيتهم خوفاً من الموت, نجا رب العائلة وابنه علي وابنته ولاء وحفيديه بركة وجمال, وزوجات ابنيه جهاد وإسلام, وبعد أن حاولت العائلة لم شملها في محاولة لخلق مايستحق الحياة, جاء الإعلام المحلي لينتهك خصوصيتها, ويحول المآساة إلى مهاترة بسبب سوء تقديمها.
جمال عبد ربه (55 عاماً), بدا عليه الاستياء الشديد:" بعض الصحفيين الذين كتبوا عنا اسأوا لنا كثيراً, حرفوا قصتنا والمعلومات الخاصة بنا, وأحرجنا ماتم نشره في وسط عائلتنا والمجتمع الذي اتهمنا بالسعي للشهرة والمال وليس لم الشمل".
أضاف: "بدأت القصة في اليوم السابق لكتب الكتاب, حين كنت أتمم الأمر على الجوال مع القاضي الشرعي ليحضر إلى البيت لعدم قدرة جهاد على مغادرة سريرها بسبب إصابتها البالغة, وتواجدت بالصدفة إحدى الصحفيات التي التقطت الخبر وعممته, وذهلنا في اليوم التالي من عدد الصحفيين المتواجدين في بيتنا".
اعتقد جمال أن تواجد الصحافة لن يضرهم في شيء, بل سيخدمهم في توجيه الأنظار حول جريمة قوات الاحتلال الصهيوني بحقهم, " لكنهم ضرونا مانفعونا, للأسف الصحافة تاجرت بقصتنا ولا يوجد رقابة على مايُنشر".
وباستنكار :" هاتفت الصحفية التي نشرت الخبر وكتبت عنا, وقلت لها أن ماكتبته فيه مغالطات وايحاءات سلبية كثيرة, ولكنها وعدتني بأن تعدل القصة ومن يومها للآن لم يتم تعديل شيء ولم تتواصل معنا للاعتذار".
تابع بنبرة حادة: "الصحافة أعطت انطباعاً بأني ضغطت على علي في قرار الزواج, ولم يذكروا أنه من طلب ذلك, وقد أمهلته مدة طويلة ليفكر بالموضوع وطلبت من أقاربنا أن يتحدثوا معه, ولكنه أصر, فما كان مني إلا مباركة هذا الزواج فنحن فعلا بحاجة للم شمل العائلة".
عائلة عبد ربه ليست الوحيدة التي تلجأ لتزويج ابنائها من أرامل أخوتهم, ففي قطاع غزة, تلجأ كثير من العائلات لذلك, في محاولة منهم للحفاظ على الترابط العائلي, وإبقاء الأرملة في منزلها في بيت العائلة بعد انتهاء عدتها الشرعية, وقد خلف العدوان الماضي بحسب دراسة للمرصد الأورمتوسطي، مابين (400-500) امرأة حملّن لقب "أرملة" .
علي لم يكن متواجداً خلال اللقاء, اصطحب ابنة أخيه بركة الطالبة في الصف الأول الابتدائي, إلى مدينة الملاهي في محاولة للترفيه عنها, بعد أن استدعتهم مديرة المدرسة صباحاً لتطلب منهم أن يعيدوها للروضة لأنها لا تنطق أي كلمة بالفصل, وتصاب بنوابات صراخ وبكاء حادة وتركض هاربة نحو بيتها خلال فترة الدوام على إثر اصابتها بحالة نفسية بعد أن شاهدت المجزرة بأم عينها.
وتعتني ببركة وأخيها جمال عمتهما, فبعد أن أصيبت أمهما جهاد 24 عاماً في رجلها اليسرى,وفي عينها اليمنى أصبحت لا تقوى على الحراك وتعاني من تشوش الرؤية في عينها المصابة, قالت: " بعد عودتي من رحلة العلاج في مستشفيات اسرائيل, ذهبت لبيت أهلي لأنهى عدتي هناك, ولكن كان قلبي معلقا بالبيت الذي تربيت وتزوجت فيه وأنا بعمر ال14 عاماً".
أضافت: "هذه العائلة أحبها من كل قلبي, ربيتهم جميعاً وتربيت معهم كنت أتعامل معهم على أنهم أهلى وأخوتي ولم أتقبل فكرة مغادرة البيت للأبد, كل ذكريات طفولتي وشبابي هنا".
تنهدت: "الصحافة ظلمتنا كثيراً, أعتب عليهم بشدة, غيروا عمري, ولم يذكروا تفاصيل وضعي الصحي, وأن تقبلي النفسي لهذه الفكرة صعب, وجاء في إطار أن أربي أولادي بين أهلهم وفي البيت الذي تربى به والدهم".
وبالمثل فإن إسلام (19 عاماً) لم تتقبل فكرة العودة إلى منزل أهلها أيضاً, طلبت من أهلها ووالد زوجها أن تعود لبيتها الذي سكنته مع زوجها لأربع سنوات, وقد رفض ذلك تبعاً للعادات والتقاليد السائدة, " لم أتخيل في أي يوم أن يغلق بيت العائلة, كان يعج بنا وبالضيوف وحماتي كانت سيدة طيبة وأخلاقها نبيلة جدا, ربتنا على حب العائلة وغرست هذا الحب فينا وسأكون مثلها و اعيد فتح البيت وفاء لها".
وبغضب: " كتبت الصحافة على لساني أنى قلت سأمارس حياتي الطبيعية مجدداً وكأنى لا أكترث للماضي, وهاجت عائلتي وأنبوني على هذا الكلام, والناس قالت أني نسيت ابني وزوجي في لحظات, وهذا آلمني بشدة".
" من كتبت هذا الكلام لم يقل أني انفعلت بسبب شدة ضغطها عليّ, خاصة وأنها طلبت أن تجلس مع كل واحدة منا على حدة ونحن في أضعف حال, أريد من الناس والصحافة أن تتركني لأعيش بسلام مع نفسي بعد كل ماعانيته وأعانيه من ألم" هكذا طلبت إسلام.
ولعل عائلة عبد ربه, واحدة من أعداد من العائلات و الأفراد المتضررين نفسياً جراء استغلالهم في انتاج مواد صحفية حُرفت معلوماتها لأسباب عدة أو اضطروا للإدلاء بمعلومات تخصهم تحت أساليب الترغيب و الإلحاح, وهذا يفرض سؤالاً جوهرياً حول واقع أخلاقيات العمل الإعلامي في قطاع غزة.

التعليقات