انتزعت حقها في المياه: روابي قصة نجاح ... ودرس في مضمون الصمود

انتزعت حقها في المياه: روابي قصة نجاح ... ودرس في مضمون الصمود
تحليل اخباري
بعد صراع استمر لعدة أعوام بين إرادة البناء والحق في الحياة والبقاء من جهة، وسياسة الاحتلال وإصراره على تجفيف مصادر هذه الحياة ومصادرة مقوماتها من جهة أخرى، أخيرا تمكنت مدينة روابي من انتزاع حقها بالمياه كمدينة ناهضة في تلال فلسطين. ولم يكن لهذا الانجاز أن يتحقق بانتصار الكف على المخرز لولا تسلح القائمين على المدينة بالإرادة المستمدة من صبر وثقة الاهالي، الذين كاد الجدل وطول الانتظار أن يفقد بعضهم الأمل جراء محاولات التشكيك التي كان الاحتلال من خلال ممطالته يشكل مصدر تغذيتها وترويجها، فهو وكما ذكر الكاتب حسن البطل في مقاله عن روابي مؤخراً " أن اسرائيل تعتبر أي نجاح فلسطيني فشلا لها"، خاصة إذا كان هذا النجاح يتعلق بفرض واقع بحجم مدينة روابي ومساهمته الملموسة في حماية الأرض المقامة عليها والمحيطة بها من مخططات الاستيطان والمصادرة، وما يبرزه هذا النجاح أيضا من إسهام مباشر في معركة الصمود والبقاء على الأرض. وبهذا المعيار الأهم في علاقة الصراع بين الفلسطيني وارادته في البناء والحياة، وبين الاحتلال ومخططاته، فإن روابي مثلت قصة نجاح ملموسة، ليس فقط في معركة الصمود والبقاء، بل وفي معركة البناء والحق في الحياة والحرية على هذه الأرض.

وبالتأكيد لم يكن لهذا الإنجاز الوطني أن يغدو حقيقة دون تكامل الجهد بين القائمين على المدينة وبين الجهات الرسمية والأهلية على حد سواء، في معركة عنوانها الصمود والإصرار على حق شعبنا في استخدام مصادره الطبيعية وخاصة المياه، التي طالما صادرت اسرائيل ومازالت تواصل مصادرة هذا الحق، وذلك في انتهاك واضح لحقوق الشعب الفلسطيني.

وبفعل الإدارة الذكية لهذه المعركة المبنية أساسا على عدالة الحق الفلسطيني، وهنا تحديداً يتمثل هذا الأمر بالحق في الحياة والبناء في مواجهة سياسة مصادرة مقومات الحياة بأبعادها المختلفة، جُندت بصورة فعالة شبكة العلاقات الواسعة في مختلف المحافل الدولية والإقليمية والإعلامية، حيث تصدرت قضية حقوق روابي في المياه أبرز وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، وحتى الاسرائيلية، مبرزة تبيان الحق الفلسطيني، وبما أظهر أمام العالم مدى الظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، وأيضا مدى الانتهاك لأبسط حقوقه الطبيعية. وبهذا المعنى كانت معركة حق روابي بالمياه معركة فلسطينية بامتياز.

وعندما أُجبرت حكومة اسرائيل بفعل هذه الحملة الذكية، إلى الرضوخ بالموافقة على تزويد روابي ومشاريع فلسطينية أخرى بالمياه، حاولت تفريغ هذا الانجاز من مضمونه المعنوي ودلالاته السياسية الهامة، مدعية وفي إطار التجاذبات السياسية والانتخابية القائمة على استرضاء المستوطنين، أن هذه الموافقة تشمل أيضا تزويد بعض البؤر الاستيطانية بالمياه، وكأن هذه البؤر ينقصها المياه، أو كأن حكومة الاحتلال لا تقوم يومياً بمصادرة مياهنا وتزود المستوطنات بها، دون أي اكتراث لموقف السلطة الوطنية الفلسطينية أو القانون الدولي. الأمر الذي يكشف بأن هدفها من ذلك هو الترويج لمحاولة التضليل المكشوفة والهادفة لتشويه النصر الذي تمكن الفلسطينيون من تحقيقه.

فاسرائيل، وكما هو معلوم، ومنذ اليوم الأول للاحتلال في حزيران 67 تواصل مخططاتها الاستيطانية وتنهب ثروات الشعب الفلسطيني ومصادره المائية في انتهاك هو الأخطر لقواعد القانون الدولي.

وهي تدرك تماما أنه لا يوجد فلسطيني يمكن أن يعطي موافقته على هذه الجريمة المستمرة. فالمياه التي تصادرها اسرائيل وتواصل السيطرة على مصادرها هي حق فلسطيني واضح. وانتزاع روابي ومشاريع فلسطينية أخرى هو جزء يسير من استرداد هذا الحق، الأمر الذي يكشف طبيعة اللعبة الاسرائيلية الهادفة الى تبهيت مغزى ودلالات هذا النجاح ومحاولات تفريغه من محتواه، كي لا يتحول إلى نموذج آخر فعال في نضال الفلسطينيين بترسيخ حقهم على هذه الأرض. فاسرائيل اكثر من يدرك أن نجاح النماذج القائمة على بناء الوقائع المادية على الأرض ومراكمتها هو الطريق الأكثر فاعلية نحو استعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما تسعى بكل جهدها لحرفه والتشويش عليه.

وربما أن الاستخلاص الأهم من هذا النجاح، وغيره من النجاحات التي تبدو صغيرة أو رمزية يتمثل في الثقة بالقدرة على تحقيق الإنجاز والمراكمة عليه وتعميمه على أوسع نطاق، وليس السقوط في براثن التشويش عليه أو التشكيك في جدواه.

هذه الإرادة التي أدرات بها روابي معركتها هي ذاتها التي تسكن أبو صقر أحد أبطال الحديدية في الاغوار  والتي تصارع حقها في البقاء والحصول على المياه، وهي أيضا نفس الإرادة التي يتسلح بها أبطال المقاومة الشعبية في بلعين وغيرها، والذين احتفلوا يوم أمس بمرور عشر سنوات على انطلاق مقاومتهم الشعبية ضد الجدار والاستيطان، وهي ذاتها إرادة أبطال باب الشمس وبوابة القدس وغيرها من المبادرات التي تسعى لتثبيت حق شعبنا في البقاء على أرضه وبناء مستقبله عليها.

ويبقى السؤال هو كيف يمكن أن نجعل من الصمود عنصراً ومكوناً اساسياً في استراتيجية مقاومة المشروع الاستيطاني، وما يتطلبه ذلك من ضرورة توفير متطلبات هذا الصمود، وليس فقط الاكتفاء به شعارا دون مضمون ملموس. 

التعليقات