كلمة الرفيق فهد في مهرجان انطلاقة الجبهة الديمقراطية في مخيم جرمانا - دمشق

كلمة الرفيق فهد في مهرجان انطلاقة الجبهة الديمقراطية في مخيم جرمانا - دمشق
رام الله - دنيا الوطن
سنت صعبة ومليئة بالتضحيات والمعاناة، بآلاف الشهداء الذين سقطوا، وبما يفوقهم عدداً من الجرحى الذين أصيبوا، في غزة والضفة والقدس، وفي مخيمات شعبنا في سوريا؛

فإلى هؤلاء الذين إرتقوا شهداء باسم فلسطين ومن أجلها، في سبيل الحقوق الوطنية، دولة وعودة، نمضي بأفكارنا، ونقف بخشوع أمام ذكراهم، ونجدد العهد، كما في كل عام، على مواصلة المسيرة، مهما بلغت الصعوبات؛

إليهم نتوجه مؤكدين: لن تذهب تضحياتكم سدىً، فما ناضلتم، واستشهدتم، وجرحتم، وأسرتم، ودمرت البيوت ومصادر العيش من أجله، سيتم إدراكه مهما طال الزمن؛

وإليك يا هشام أبو غوش، القائد ورفيق الدرب والصديق، يا من افنيت العمر مكافحاً من أجل فلسطين نقول: إن رفاقك في الجبهة الديمقراطية، رفاق أبو عدنان وعمر القاسم وخالد نزال، رفاق بهيج المجذوب والحاج سامي وعاطف سرحان، لن يهدأ لهم بال، ولن تُفلَّ لهم عزيمة، هم على دربك ماضون، إلى أن ترتفع راية فلسطين فوق أسوار القدس.

في الدوامة التي تجتاح المنطقة من أقصاها إلى أقصاها، تمزقها إرباً وتسعى إلى تقسيمها وإدامة الفوضى في سائر أنحائها، نلجأ شعوباً وحركات سياسية وكيانات دول إلى الوحدة، نتحصن بها، نصونها كحدقات الأعين، لأننا نعي مخاطر تقسيم الكيانات؛ ومن هذا المنطلق نتضامن مع من يدافع عن الدولة الوطنية بوحدتها الترابية، وحدودها الدولية، ومؤسساتها الرسمية الجامعة على مستوى الوطن.

في هذا السياق، قناعتنا راسخة أن ما يضمن إنتصار صيغة الدولة الوطنية التي تحفظ وحدة الشعب والوطن، هي الصيغة القائمة على مبدأي الحرية والمساواة، التي توفرها أنظمة سياسية ديمقراطية تعددية علمانية، في إطار دولة المواطنين المتساوين بالحقوق والواجبات، دولة صيانة الإستقلال الناجز والسيادة الوطنية، دولة العدالة الإجتماعية التي تؤمن فرص العمل والتعليم والحياة اللائقة الكريمة لجميع مواطنيها.

وثقتنا عالية بأن الدولة الوطنية ستنتصر في نهاية المطاف بتوافق مكوناتها السياسية والمجتمعية؛ فلكل صراع خاتمة مهما استدام، ومهما تعقدت مساراته، وحتى لو تخللتها مظاهر الرِدة في بعض الأحيان؛ ذلك أن منحى تاريخ المجتمعات والشعوب، هو منحى صاعد وبوجهة تجسيد القيم السامية للإنسانية جمعاء، قيم الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية.


أهمية الوحدة الداخلية في الحالة الفلسطينية بنفس أهميتها في الحالة العربية؛ والإنقسام الفلسطيني المركب، المؤسسي والسياسي والجغرافي، يكاد يُكمل عامة الثامن، ولا مؤشرات لأفق واعد، مرئي وملموس، لاستعادة وشيكة للوحدة المفقودة.

وها نحن نقترب من العام على صدور بيان مخيم الشاطيء لتنفيذ الإتفاقات السابقة لاستعادة الوحدة، والأمور عملياً لا تزال على حالها، ولم يغيّر منها شيئاً تشكيلُ الحكومة الأخيرة بالإتفاق ما بين حركتي فتح وحماس، التي سرعان ما انتقلت إلى دائرة المراوحة في المكان بالنسبة للملفات الحيوية المطروحة بحدة في قطاع غزة: الإعمار، فتح المعابر، وتسوية وضع موظفي حكومة حماس سابقاً، ناهيك عن المسائل الأخرى المتصلة بتوحيد الإدارات والتشكيلات الأمنية والعسكرية.

إن الحل المقترح للخروج من هذا المأزق الوطني المستحكم بمتناول اليد، ويتحرك على مستويين:

■ المستوى الأول الخاص بالمسائل المباشرة لقطاع غزة يقتضي حضوراً مباشراً لحكومة التوافق الوطني على أرض القطاع واضطلاعها بكامل مسؤولياتها، مهما كانت الملاحظات على دورها، أو التعطيل المتعمد لأعمالها.

في هذا السياق ندعو الوفد الذي شكلته اللجنة التنفيذية مؤخراً بعضوية جميع الفصائل، بما فيها حركتا حماس والجهاد، إلى الإسراع بالتوجه إلى القطاع لمساندة جهد الحكومة من أجل حل المسائل الآنف ذكرها وغيرها من الملفات.

■ أما المستوى الثاني وهو الأهم، فيقوم على دعوة الإطار القيادي المؤقت لـ م.ت.ف الذي إنقطع عن الإجتماعات منذ حوالي العامين دونما مبرر، إلى إجتماع عاجل، علماً أن هذا الإطار القيادي هو الالية الأهم، والآلية المخولة – بحكم مستواها القيادي الرفيع – أكثر من غيرها لإدارة هذا الحوار.

في هذا السياق ندعو الإطار القيادي المؤقت الذي يضم جميع القوى السياسية إلى جانب المستقلين، إلى وضع خطة تطبيقية لاستعادة الوحدة الداخلية، خطة ندعو إلى أن تنعكس سريعاً على توسيع التمثيل السياسي في المؤسسات الفلسطينية، وهو أمر يسير بالنسبة للمجلس المركزي، وربما – وإن بآلية مختلفة – للجنة التنفيذية، حيث هنالك معايير يتم تشكيل هذه الهيئات على أساس منها، معايير تعتمد أصول الإئتلاف الجبهوي من خلال التوافق الوطني.


هذه الخطوات التمهيدية والإنتقالية تندرج في سياق الدعوة لإنتخابات سريعة ومتزامنة لرئاسة السلطة الفلسطينية، وكذلك للمجلسين الوطني والتشريعي بنظام التمثيل النسبي الكامل، وبما يفسح في المجال أمام تطوير بناء المؤسسات الفلسطينية، ومن خلالها النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة تفتح على تجديد شرعيته التي تقادمت.

لقد أضحت هذه الشرعية معرَّضة بشكل جدي للتآكل بفعل تعطل عمل بعض المؤسسات كالمجلس التشريعي، وتأخر هذه المؤسسات عموماً عن الإحتكام إلى صندوق الإقتراع مصدر الشرعية الشعبية، ضمن الإستحقاقات الدستورية المقرة؛

كما باتت هذه الشرعية أيضاً عُرضة للتآكل نتيجة لعدم وجود قوى سياسية رئيسية ذات تمثيل شعبي وازن في الهيئات الوطنية الجامعة إمتداداً للخلل في الوحدة الداخلية.


لا إمكانية لتحويل تضحيات شعبنا إلى إنجازات وطنية ذات شأن، طالما يسود الإنقسام.

هذا ما تؤكده مخرجات العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فعلى الرغم من تألق الأداء العسكري للمقاومة، والإلتحام بين الشعب والفصائل المسلحة، ووحدة الأخيرة في الميدان، وتشكيل الوفد الفلسطيني الموحد وأدائه المتماسك؛ على الرغم من كل هذا، لم نلمس نتائج سياسية بمستوى التضامن والصمود من جهة، والفشل الإسرائيلي من جهة أخرى، في الإخلال جوهرياً بقواعد الإشتباك.

وإلى هذا نضيف؛ لا نتيجة عملية لشعار: رغم تعثر المصالحة سنواصل الإعمار(!)، حيث الحقيقة هي، أن لا إعمار في غزة بدون مصالحة.

وبالخلاصة؛ لا أفق لأي عملية سياسية ذات مغزى، ما لم تُستَعَدْ الوحدة الداخلية.


الإحتلال الإسرائيلي، إحتلال كلي، لا مجال للخلاص منه إلا بتعبئة  قصوى للطاقات الفلسطينية في الوطن والشتات تحت مظلة وفي إطار استراتيجية كفاحية في الميدان، تتحدد عناوينها تبعاً لنسبة القوى السائدة، فضلاً عن شرط المكان.

من هنا، أهمية الوحدة الداخلية التي وحدها تسمح بتعبئة الطاقات وحشد الموارد المتوافرة، لكي تصب جميعها في إتجاهات العمل الرئيسية المتوافق عليها وطنياً.

ومن هنا أيضاً الخلاصة المسلم بها: الوحدة الداخلية هي الرافعة الضرورية لتثمير سياسة كفاحية في الميدان، على طريق المقاومة الشعبية الشاملة، وكل أشكال النضال المشروع في مقاومة الاحتلال والتهويد والإستيطان، فضلاً عن العزل والحصار؛

والوحدة الداخلية هي الأساس الذي لا غنى عنه من أجل تدعيم مرتكزات إستراتيجية البناء والصمود والدفاع في قطاع غزة؛ كما وإستراتيجية صمود وثبات وتطوير حركة اللاجئين في كل مكان، دفاعاً عن حق العودة إلى الديار والممتلكات. إن هذا يستدعي بذل م.ت.ف كل الجهود اللازمة لإسناد صمود أبناء شعبنا في سوريا كأولوية مطلقة وبكل الوسائل المتاحة، وكذلك في لبنان.

وفي هذا الإطار نكرر الدعوة إلى تشكيل خلية أزمة في اللجنة التنفيذية توفر كل أشكال الدعم المالي والعيني لعشرات آلاف النازحين من أبناء شعبنا في سوريا، والعمل مع الجهات المعنية من أجل سحب المسلحين من المخيمات، خاصة مخيم اليرموك، وإزالة جميع العوائق وتذليل كل العقبات التي تحول دون عودة سكانها إليها كمناطق أمن وأمان؛

كما ندعو إلى دعم نضالات أهلنا في لبنان، من أجل حقهم في العمل، وتملك السكن، واستكمال إعمار مخيم نهر البارد، فضلاً عن تطوير خدمات وكالة الغوث في جميع مناطق عملها، في لبنان وسوريا والأردن، كما في الضفة والقطاع.

إن مواجهة سياسة الإحتلال الإسرائيلي الكلي تقتضي إتباع سياسة خارجية نشطة ومبادرة؛ من هذا المنطلق ندعو إلى دبلوماسية هجومية، تنأى بنفسها عن المساومات والمقايضات عبر تفعيل إنتساب دولة فلسطين إلى المؤسسات والوكالات الدولية، ونقل جرائم الإحتلال، من حصار جماعي، واستيطان، وقتل للمدنيين العزل، إلى محكمة الجنايات الدولية، لمقاضاة المسؤولين الإسرائيليين، وعزل الكيان، ونزع الشرعية عن الإحتلال، وتوسيع دائرة المقاطعة الدولية الإقتصادية والأكاديمية والثقافية والسياسية لدولة الإحتلال، وتوسيع دائرة الإعتراف بالدولة الفلسطينية، وبالحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا.

العمل الحثيث لاستعادة الوحدة الداخلية؛ إعتماد سياسة كفاحية في الميدان في إطار إستراتيجية شاملة في صلبها وفي القلب منها المقاومة الشعبية؛ تبني سياسة خارجية تحاصر إسرائيل في المجال الدولي، تضيّق الخناق عليها، وتعرضها لأقصى درجات الحصار والمقاطعة والعزل دولياً؛ سياسة إقتصادية مالية إجتماعية جديدة تعزز مقومات الصمود الوطني في وجه الإحتلال وتدعم قدرة المجتمع على مجابهته..

هذه هي الإتجاهات الأساس لاستراتيجية العمل الوطني، التي بادرت الجبهة الديمقراطية إلى طرحها وتبنيها منذ مطلع العام 2011، أي قبل 4 سنوات خلت؛

وحدها هذه الإستراتيجية – في المرحلة الحالية – تفتح أمام حركتنا الوطنية آفاقاً رحبة للتقدم نحو إنجاز الحقوق الوطنية: دولة مستقلة على حدود 4 حزيران 67، بالقدس عاصمة؛ وحق العودة للاجئين بموجب القرار 194؛

وهي البديل الحقيقي لاستراتيجية أخرى مازالت تراهن على مسار سياسي تختزله عملية تفاوضية تبيّن مدى عقمها مع حكومة إسرائيلية سياستها تقوم على خيار اللاتفاوض واللاحل.

ما لم تتضافر هذه الإتجاهات في استراتيجية العمل الوطني، يبقى الكلام عن وقف التنسيق، أي التعاون الأمني، ووقف العمل ببروتوكول باريس الإقتصادي، يبقى كل هذا كلاماً معلقاً في الهواء، دون أن يعني ذلك عدم تبنينا لهذين المطلبين والدعوة لهما وإلى تطبيقهما بقوة وحماس شديدين؛

وبما أن المجلس المركزي لمنظمة التحرير على أبواب الإنعقاد في غضون أيام، فهذه مناسبة لمطالبته الإسراع بوضع آلية مدروسة للإنفكاك المتاح، الأمني والإقتصادي عن الإحتلال.

إن من يبغي رفع التحديات الكبرى للشروع بالتخلص من الإحتلال من مدخل كسر القيود الإقتصادية والأمنية التي تؤبد سلطة الحكم الإداري الذاتي تحت الإحتلال، عليه أن يحصن الحالة الفلسطينية بالوحدة الداخلية وبمقومات الصمود المجتمعي، عليه أن يرتقي بالمقاومة الشعبية بشكل خاص، عليه أن يندفع في سياسة خارجية هجومية مدروسة دون مساومات أو مقايضات..

هذا هو المطلوب لرفع سوية المواجهة الشاملة لاحتلالٍ كليٍ ومتمادٍ، معادٍ للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، بل لقيم الإنسانية جمعاء.
على هذا الطريق نمضي مجددين العهد لأسرى الحرية، أن لا نستكين وأن لا يهدأ لنا بال قبل فك أسرهم؛

نجدد العهد للشهداء، للجرحى، للمشردين والنازحين، لأبناء شعبنا المعذبين في كل مكان أن نواصل المسيرة حتى النصر، حتى إنجاز الحقوق الوطنية..

  

التعليقات