الحلقة الثانية عشر من "صوت العاصفة"..حصرياعلى دنيا الوطن: الاناشيد : بقلم خالد مسمار

الحلقة الثانية عشر من "صوت العاصفة"..حصرياعلى دنيا الوطن: الاناشيد : بقلم خالد مسمار
رام الله - خاص دنيا الوطن
خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة الثانية عشر والثانية من الجزء الثاني حيث تحدث عن أغاني الثورة الفلسطينية وشعراء الثورة  تحت عنوان " الأناشيد بقلم . خالد مسمار

الأناشيد بقلم . خالد مسمار
كان لاستاذنا ومعلمنا المرحوم فؤاد ياسين( ابو صخر) الفضل الاكبر في اختيار الاناشيد الاولى لصوت العاصفة، بالاضافة الى اختيار الاصوات الاذاعية لها.

وروى لنا الاخ ابو صخر، انه كان لابد من نشيد للعاصفة، وهي الجناح العسكري لحركة فتح، بل هي عماد الحركة وعمودها، فقال: جئنا بالاخ صلاح الحسيني ( ابو الصادق) وحصرناه في احدى الغرف المغلقة، المعزولة مادياً وصوتيا عن العالم وقلنا له: لا يفتح لك باب الغرفة قبل ان تضع كلمات فيها من المعاني والافكار والمشاعر ما يلخص موقف فلسطين.. فتح.. العاصفة، بكل ما في ذلك من اثارة واستثارة، وخرج علينا ابو الصادق بالكلمات التي اصبحت فيما بعد نشيدا للعاصفة تفتتح به الاذاعة وتختتم به لدى كل ارسال:

بسم الله.. بسم الفتح.. بسم الثورة الشعبية

بسم الدم.. باسم الجرح.. اللي بينزف حرية.

باسمك باسمك يا فلسطين..

اعلناها للملايين.. عاصفة.. عاصفة.. عاصفة.

ومن مجلة " فلسطيننا" التي كانت تصدرها الحركة في بواكير اصداراتها تم اختيار ثلاثة نصوص شعرية بتوقيع فتى الثورة " ابو هشام" وهي: وصية شهية، وعرس النصر، وانا ابن فتح.

يقول استاذنا ابو صخر" اخذنا النصوص الاربعة، وذهبنا بها الى منزل الفنان العربي الشهير " عبد العظيم محمد".

يقول المرحوم فؤاد ياسين "ابو صخر" جلسنا وعبد العظيم محمد وعادل القاضي، وقلنا لا نخرج ليلتنا هذه من عندك الا بالحان لهذه النصوص.

قال مبهورا: كيف.

قلت: اليوم نأخذ اللحن جاهزاً وغدا التسجيل.

قال: ولكن ذلك بعيد عن الفن.

قلت: بالمقاييس العادية .. وفي الاحوال المعتادة، كلامك صحيح ولكننا في احوال خاصة ولنا مقاييس مختلفة.

قال: بالله عليك.. كيف؟ قل لي كيف.

قلت: اولا هذه نصوص تؤديها المجموعة.

قال: هذا اصعب.

قلت: ولكننا لا نريد تطريبا ولا تغريبا .. بل نريده اداءً سهلا وبسيطا واضحا ومعبراً.

قال: حسنا اتركوني اياماً انضج اللحن والنغم واسويه عملا فنيا.

قلت: لا اياما ولا يوما واحدا، امامنا ساعات قد تمتد الى الفجر، ولكن لابد من انجاز المطلوب.

ويواصل ابو صخر قائلا: وتحت الحاح عنيد، تركنا الفنان عبد العظيم محمد واختلى بعوده وبالاوراق بين يديه، ثم خرج علينا بعد ساعة او تزيد ليسمعنا مشروع لحنه لنشيد العاصفة، وكان حقا رائعا فيما عدا بعض الملاحظات العارضة التي لم تستهلك زمنا طويلا لتعديلها او تصحيحها..

وبعد ساعة اخرى، ولد نشيد وصية شهيد.. الذي تقول كلماته ..

اغمس يراعك في دمي ..

وبعدها ولد نشيد في عرس النصر.. انا زاحف في عرس النصر

ثم اجهد الفنان وبدا عليه الاعياء، وقال وهو بين مصدق ومكذب .. هل من المعقول ان افعل كل هذا في ليلة واحدة.

قال: لا هذا كثير .. يكفي ما فعلناه الليلة.

قلت: ماذا لو عملنا نشيد بلا الآت موسيقية وبلا ادوات ايقاع، الناس في عادتهم ينشدون من غير جوقة موسيقية، فلماذا لا نجرب ؟

واغمض الفنان عينيه .. وغابفي اعماق اللغز، واخذ النص ووضع النغم وكان اول نغم من نوعه رائعا بلا اي موسيقى، ومن غير اي ايقاع

وكان نشيد " انا ابن فتح ما هتفت لغيرها ولجيشها المقدام صانع عودتي"

بعد انطلاق الاذاعة بوقت قصير، طلب الاخ ابو صخر من الاخ الكاتب والشاعر محمد حسيب القاضي رحمه الله ان يكتب انشودة تتحدث عن المؤامرة .. فجاءنا بكلمات نشيده المعروف وقد بدأها.. لتسقط المؤامرة.

قال له ابو صخر: كيف

ردّ حسيب: كيف كيف.

قال ابو صخر: كيف تسقط المؤامرة؟ من ذا يسقطها.

قال حسيب: نحن نسقطها

قال ابو صخر: اذن فليكن القول : لِنُسقط المؤامرة

هكذا كان الحال مع الاناشيد، تدقق بالحرف والكلمة.

نشيد" كلاشينكوف" كلمة كلاشينكوف استطاع محمد حسيب القاضي ان يروّضها في نشيد كان له وقع ملحوظ بين المقاتلين والجماهير.:

كلاشينكوف خلّي رصاصك في العالي

ما في خوف طول ما رصاصك في العالي

وكلمة الصهيونية: الشعب الفلسطيني ثورة ثورة على الصهيونية

حمل سلاحه وبدا كفاحه خذي يا ثورة واعطيني

خذي دمي وهاتي انتصارات

ونشيد احمي الثورة: استطاع ابو هشام في هذا النص ان يصنع بيانا ثوريا ويقدم تعريفا بليغا ومتكاملا للثورة وموقعها من الحياة والشعب.

هذي الثورة للملايين

للي شربو الظلم سنين

للي جاعوا للي ضاعوا

للي عريوا للي التاعو

لليتامى للثكالى

للي بسوق الظلم انباعو

للي سكنوا خيام الذل

للي حملوا ظلم الكل

للي حملوا الجرح وثاروا

للي هبوا للي لبوا

للي علوا اسمك واسمي

احمي الثورة بدمك احمي يا اخوي

نشيد جعبة وبارودة: كعادته صلاح الحسيني "ابو الصادق" يطلق كلماته المحببة للجميع : اعطني جعبة وبارودة وزاد ثلاث ايام ثلاث الغام واطلقني مش طالب ترافقني احمي لي ظهري يا خويا وما تخلي ايدين الشر تلاحقني

نشيد انا يا اخي: كلمات ابو هشام اصبحت نشيدا يتغنى به شعبنا واصدقاء شعبنا وحلفاؤه.

انا يا اخي امنت بالشعب المضيع والمكبل

وحملت رشاشي لتحمل بعدي الاجيال منجل

وجعلت جرحي والدما للسهل والوديان جدول

دين عليك دماؤنا

والدين حق لا يؤجل

اما الملحنون لهذه الاناشيد والذين لم تذكر اسماؤهم ولا اسماء مؤلفيهم فأذكر منهم: وجيه بدرخان، مهدي سردانة، احمد شريف، ابراهيم رجب، عبد الحميد توفيق زكي، كنعان وصفي، رياض البندك، طه العجيل، صبري محمود، عبد المنعم الحريري، وكان من طلائعهم الاستاذ عبد العظيم محمد والموسيقار الفنان علي اسماعيل الذي وضع موسيقى كلمات ابو هشام المبدعة "فدائي" التي ما تزال حتى الان هي النشيد الوطني الفلسطيني.

اشير هنا الى مبادرة محمد حسيب القاضي حين جمع عددا من نصوص اناشيده في كتاب له بعنوان " نشيد للبندقية والرجل" وجعل الى جانب كل نص منها النوتة الموسيقية التي تساعد من يهتم في عزفه او تسجيله.

الخاتمة.

لقد تعلمنا اصول العمل الاذاعي، على يد اساتذة كبار مجربين، فلسطينيين وعرب، الا ان المدرسة اي الحاضنة التي منحتنا القدرة على تشرّب المهنة هي الاذاعة ذاتها، حياتنا اليومية فيها تفاعل الزملاء مع بعضهم البعض، تبادل الافكار والخروج الدائم للعمل خارج المبنى، في الشارع في المخيم  في قواعد الفدائيين في قلب المعارك، ذلك ان الاذاعة ليست مجرد مكان عمل او استوديو وميكروفون، وقلم وصوت، انها عالم اوسع من ذلك بكثير، انها بالضبط ما يجري في داخلها وما يحيط بها وما هي مسؤولة عن نقله للناس.

لهذا يفشل حتما كل من يتخذ من العمل الاذاعي مجرد وظيفة يتقاضى راتبا منها ، يذهب الى الدوام اليومي كما لو انه ذاهب الى وظيفة ادارية، ويغادر ما ان تشير الساعة الى موعد المغادرة، كل الذين عملوا بهذه الطريقة، لم يتركوا بصمات ابداعية على العمل الاذاعي، كانوا مجرد موظفين وكفى.

الشروط التي يجب ان تتوفر في الكادر الاذاعي ، هي ليست بالشروط القاسية او المرهقة، بل انها حين تقرر ان تكون اذاعيا مؤثرا ومبدعا .. سهلة وممتعة، واولها ، المعلومات .. يجب ان تكون لدى الاذاعي مخزون معلومات غني ومتجدد ، وهذا يتطلب منه، ان يقرأ كثيرا وخصوصا في التاريخ والادب، وان يتابع الاذاعات الاخرى، اذ لابد وان يستمع اكثر مما يذيع، وان يأخذ عن الاساتذة الكبار والمذيعين المتمكنين بعضا من ابداعاتهم في الاداء، دون ان يقع في النسخ والتقليد، فالمذيعون الكبار المتمكنون ، يعرفون كيف يبدأون واين يتوقفون، انهم يقطعون الجمل بالقراة كما لو انهم يؤدون اغنية، ويتوقفون طويلا او لفترة قصيرة حسب مقتضيات المعنى، وافضل الطرق لايصاله الى المستمعين ، والمذيع في ايامنا هذه يختلف عن المذيعين في زماننا اي قبل ثلث قرن من ايامنا هذه، والامور كلها تسير في صالحه اكثر مما كانت في صالحنا، فالمعلومات متوفرة بكثرة في الحواسيب، والكتب متوفرة ويمكن قرائتها والحصول عليها بضغطة زر، وهذا يجعل المذيع موسوعة معلوماتية ان اراد ويجب ان يريد ذلك، خصوصا وان المذيع ليس مجرد قارئ اخبار، او قارئ تعليقات، انه في الاساس محاور، ينبغي ان يكون ندّا في الاسئلة حتى لو كان يحاور رئيس دولة، وينبغي ان يكون عارفا بالسياسة من كل جوانبها وملما بواقع الثقافة والفن، وكلما كان قارئا جيدا فانه حتما يكون اكثر اقناعا في حواره، وطريقة استخدامه للمفردات والحجج..

الا ان الحاسوب .. الذي يسد فراغ المعلومات، لا يستطيع تعويض اللغة، التي يتعين على المذيع ان يتقنها وان يعرف كيف يستخدمها لايصال الافكار ، فالمذيع الناجح هو الذي يبتعد عن المفردات الصعبة، او المصطلحات " المتقعرة" والتي غالبا ما يستخدمها قليلو الكفاءة اللغوية، للاختباء ورائها، فالمذيع يجب ان يتعامل مع اللغة بحس موسيقي، وباداء سلس ، كي يؤثر فيمن يسمعه.

والامر ذاته مع  مذيع التلفزيون، الذي يتفوق على مذيع الاذاعة بميزة استخدام لغة الجسد ، التي يجب ان يعبر فيها الوجه عن المعاني دون مبالغة، فمذيع الاذاعة الذي يُسمع ولا يُرى يستخدم نبرات الصوت لخدمة المعنى، اما مذيع التلفزيون الذي يُرى ويُراقب ويُمتحن فان لم يتقن لغة الجسد فان حضوره يفقد كثيرا من المزايا حتى يبدو احيانا مثل صورة جامدة تحرك الشفاه فقط.
ان هذه الاشياء وان كان ضروريا التعرف عليها بصورة نظرية الا انها تتصل بالممارسة ، اي ان المذيع الذي يتعب على نفسه ويواظب على تطوير الجانب المهني في عمله لابد وان يصل مرحلة يكتشف فيها المزايا بنفسه دون ان يدله عليها احد.

وهنا اختم بخلاصة.. هي ان المذيع في الاذاعة او التلفزيون يجب ان يحرص على تكريس شخصية اذاعية تميزه عن غيره، وهذه الشخصية هي مزيج من الوعي واللغة والصوت والاداء، وتكييف الوجه مع المعاني، وهذه موهبة تحدد الخط الفاصل، بين المذيع العادي والنمطي والمذيع المبدع والجذاب وكل من يقف امام الكاميرا او الميكروفون يجب ان لا يغيب عن ذهنه اهمية ان يكون مبدعا وجذابا. 

التعليقات