ألجانب الآخر لمنتصف الوَيْل

ألجانب الآخر لمنتصف الوَيْل
آصف قزموز
31 كانون الثاني 2015
توازنات المصالح حيناً، وتضاربها وعدم اتزانها أحياناً كثيرة في بلادنا وما حولها، تحت نير احتلال وحِراب أجندات غريبة من خارجنا الدولي والإقليمي، تضعنا في مخاض عسيرْ، وصراع مريرْ، ما بين أولويات العام والخاص وعلى جانبيهما حربٌ وَوَيْلْ، والأخلاق أشياءٌ لا تُشترى.
ولعل ظاهرة تغليب الخاص على العام في بلداننا، تشكل اليوم أحد أخطر وأقذع روافد خدمة العام والخاص الدولي والإقليمي، من وعلى حساب الخاص والعام الوطني والقومي العربي عموماً. ففي رحم الخاص الوطني يوجد خاص وعام، وفي الخاص الدولي يوجد عام وخاص، وما بينهما فينا نزوح حيْل، ولنا ليلٌ وويْلْ، وهذه حقائق مشفوعة، في إطار حقوقٍ مشروعة.
إنها لعبة توزيع الأدوار بظاهر صراع أضداد، فاليوم يشهد العالم كيف يتم وبرغم العَداء وصراع التفاوض المعلن بشأن الملف النووي، استخدام إيران في توظيف وإدارة دور الشيعة في العراق والعلويين في سورية والحوثيين في قلب اليمن وعلى تخوم السعودية، ما استولد "داعش" كسلاحٍ مجرم باسم السنة، واستخدام تركيا في إدارة وتوظيف دور السنة والإخوان المسلمين في مصر وليبيا وغيرها، وَخَراج كل ذلك يصب في بوتقة العام والخاص الدولي والمصالح الدولية وحسبْ. والسيف يجرح صاحبه حين يُشهر في غير مكانِهْ ولا أوانِه.
بذلك سيتبدى فجر تقسيم دول المنطقة لدويلات طائفية وعرقية في إطار الفوضى الخلاقة المعلنة على المنطقة منذ سنوات، ما سينبئ بولادة مبررات إعلان قيام الدولة اليهودية في فلسطين، التي يسعى لها اليمين الإسرائيلي جهاراً نهاراً، مع استمرار تغييب وتأخير قيام الدولة الفلسطينية، إلاَّ إذا نجح المشروع السياسي الفلسطيني في أن يشغلَ حيزاً جديراً في إطار أولويات الصالح الخاص والعام الإسرائيلي والدولي.
في بلادنا فلسطين تستطيع أن ترى حالة التغول لدى البعض منا، لا سيما عندما يبالغ في الاستئثار وطحن الصالح العام في جوف المصالح الخاصة الفردية أو الفئوية الضيقة. لكن هذا لم يكن السمة العامة التي تطبع الواقع الفلسطيني، وإنما لا زال في طور النشاز والاستثناء الفردي الخارج عن النص والقيم، ويمكن تلمسه بوضوح في نطاق ما يمكن تسميته الفساد الإداري والمالي المندس في بعض جيوب المجتمع الفلسطيني، والكيانية السياسية والإدارية الفلسطينية غير المتبلورة حتى اللحظة لمستوى الدولة مكتملة السيادة والمواصفات، والمنقوصة الإرادة الكافية لإحقاق مصالح الشعب الفلسطيني. الأمر الذي جعل هذه الظاهرة تنمو على ضفاف ومتون الدعم المالي والسياسي المقدم لنا من الخارج الإقليمي والدولي، والذي حرصت بعض مصادره ومضخاته الدافعة على شحنه وحقنه ببذور الفساد المسبق والمقصود لضمان مصالح أصحاب المال ومراكز القوة والنفوذ الدولي والاحتلالي، وتوظيف هذا المال وتوجيهه في خدمة مصالح النفوذ والسيطرة الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط.
علشان هيك، ظلت بعض مظاهر الفساد الإداري والمالي تلازم كل البلدان في مراحل النضال التحرري الوطني، ذلك لأنه السلاح الفتاك بيد الخصوم ومن مولوه عن سابق قصدٍ وعَمْد وكرَّسوه، لا بل إنه الخنجر المسموم القاتل في الخاصرة الوطنية للشعوب.
لكن، في مطلق الأحوال، لا يجوز لنا الانجرار الأهبل وراء فزاعات ممولي وداعمي الفساد في بلادنا، الساعين لتضخيم الظاهرة وتدمير مصالح شعبنا في وحدة مكوناته الكيانية، سياسةً واقتصاداً وحقوقاً.
الذات الوطنية العامة والذات الفردية والفئوية الضيقة، لا تجهل هذه الحقيقة، وفي خضم الذوات الثلاث لم يكن بالإمكان محاربة تفاقم هذه الظاهرة كما ينبغي، إن على المستوى الفردي أو الجمعي، ولربما يعود ذلك لجملة التعقيدات والصعوبات التي أوجدتها، السياسات الخارجية الدولية والإقليمية التي تعرقل إن لم نقل تمنع وتحول دون تخلصنا من هذه الكارثة المثبطة لأي تقدم سياسي وطني حقيقي للشعب الفلسطيني، لا بل وأبقانا قابعين في دائرة السيطرة الاحتلالية المدعومة من بعض المصادر الممولة لنا ولفسادنا المقصود، وهو ما ولد وكرَّس مفاهيم ومقولات توازن المصالح، التي نمت على ضفافها ومتنها كل المثبطات لحركتنا السياسية، وكل المثبتات لأركان وقواعد السياسات الاحتلالية.
كل هذا وما نشأ وتأتى عنه، أحدث وأمن وجود اختلالات وتخلخلات، في سير تطبيق أية مبادئ وقوانين وأحكام أو ركائز قد تبنى عليها دولة فلسطينية، لا بل تعيق وتمنع تمكين السلطة الوطنية من القيام بواجباتها الإدارية والسياسية والاقتصادية بمنظور وطني حر ولو نسبياً، للحيلولة دون إنجاز أي تراكم إيجابي فلسطيني من شأنه أن يقرب ساعة الخلاص من الاحتلال الجاثم.
وبالتالي، فإن شل وتعقيد ممارسة ونشاط القوانين والنظم التي سنها الفلسطينيون لإدارة شؤون حياتهم وقيام سلطتهم بواجباتها، في حفظ الأمن وإدارة شؤون البلاد وتنمية الكيانية الفلسطينية الوليدة، قد شكلت ضربة قاصمة للمشروع الوطني الفلسطيني عامة، وللسلطة الوطنية خاصة، وهي لا تزال في مهدها.
طيب في ظل هذه الصورة التراجيدية التي يترنح بين جوانحها الحلم الفلسطيني منذ سنوات، ألم يحن الوقت المناسب للقيام بنهضة تنظيمية إدارية داخلية، في حدود أقصى الممكن، الذي لا يوقعنا في أية مطبات أو شراك منصوبة أو متربصة، بالبعدين الخاص والعام معاً؟ ألا يحتاج هذا الأمر إلى حس أعلى بالمسؤولية الوطنية من قبل البعض المثبط، لتطغى ولو مرة على المصالح والحسابات الضيقة الممكِّنة لسياسات وأهداف الاحتلال من حيث لا يدرون أويدرون وتلك مصيبة؟!
أليس من الوجاهة بمكان أن يضع المحضرون والمنظمون للمؤتمر السابع لحركة فتح، في رأس الأولويات إعادة النظر والدراسة المسؤولة لحالنا السياسي والاقتصادي الإداري، ولو من باب تحسين الأداء الإداري للسلطة والحركة بكل أدواتها، من دون التطير والدخول في أية تخوم خطرة أو أسيجة شائكة من شأنها أن تضر بالمصالح الوطنية وسلامتها الملتزمة والمنضبطة والمنظمة، بعيداً عن أية مقامرات ومغامرات بطولية في فعلها، لكنها مدمرة وهادمة في نتائجها وتبعاتها. بجانب كل هذا، يجب الحفاظ على توازن واعتدال أدائنا السياسي والإداري والتنظيمي، على نحو يرفع من مستوى الشعور لدى المجتمع الدولي بمسؤولية أكبر، تجاه تمكين شعبنا وحقوقه، وبمصلحة أكبر له في إيجاد الحل السياسي العادل والمناسب لقضيتنا الفلسطينية. ويبقى خلق المصالح مع الأطراف المقررة والشريكة، هو المقدمة الأولى لأي حل.

[email protected]

التعليقات