مزارع شبعا .. وسياسة شد الحبل

مزارع شبعا .. وسياسة شد الحبل
مزارع شبعا .. وسياسة شد الحبل
بقلم / محمود سلامة سعد الريفى
ساهمت حادثة اغتيال عدد من كوادر حزب الله اللبناني واحد قيادات الحرس الثورى الإيراني برتبة عسكرية سامية فى الجزء السوري من الجولان , ومن بينهم نجل قائد الجناح العسكري للحزب "عماد مغنية" الذى اغتيل على يد اجهزة الامن الاسرائيلية فى 12 شباط من العام 2008م فى العاصمة السورية دمشق في تأجيج مشاعر الغضب والانتقام , ورغم مرور وقت طويل على استهدافه الا ان رد فعل حزب الله على عملية الاغتيال لم يحدث وبقي مُعلق و سبب ذلك هواجس لدولة الاحتلال على مدار العام تتمحور حول آلية رد حزب الله على استهداف "مغنية" الأب , دون ان يرد حزب الله فى حينه و ينتهى الامر وهذا ما يؤرق دولة الاحتلال اكثر.
فى تطور مفاجئ اغتالت دولة الاحتلال عناصر حزب الله , وتوالت بعد ذلك التحليلات و الاجتهادات حول الكيفية التى سيرد بها حزب الله على استهداف كوكبة من كوادره وقادته الميدانيين ممن يتولون قيادة انشطة الحزب على الأراضي السورية و هذا ما يؤكد على طبيعة العلاقة القائمة بين حزب الله و النظام السوري ووجود هؤلاء لم يكن ليكون لولا حالة التناغم فى العلاقات مع الدولة الايرانية التي تدعم بدورها جهاراً نهاراً الحرب الشرسة التى يقودها نظام بشار الاسد ضد معارضيه من كافة التوجهات , ووجود ايران و حزب الله كلاعبين اساسيين على الساحة السورية يوفر دعماً لوجستياً ومالياً ومعنوياً ويعبر عن تحالف استراتيجي بين النظام السوري و ايران و حزب الله , يستفيد منه حزب الله خاصة مع توافد قيادات عسكرية ايرانية على الاراضي السورية, وهذا ما اكدته حادثة الاغتيال بوجود ايراني من بين المستهدفين..
حينما نفذت دولة الاحتلال عملية الاغتيال بحق نجل عماد مغنيه و رفاقه اعتقدت بذلك انها وجهت ضربة لحزب الله على الأراضى السورية و تحديدا على جبهة الجولان المحتل حيث تواجد هؤلاء على بعد 4 كلم من الحدود المحتلة للجولان , وان حزب الله مشغول فى الاقتتال الى جانب النظام السورى , ولن يفكر بالرد على الاقل فى الوقت الحالى و يمكن لنتنياهو المرشح لرئاسة الحكومة ان يستغل عملية القتل المقصود لصالحه امام جمهور مؤيديه , خاصة كلما اقترب موعد الانتخابات تزداد وتيرة السباق المحموم نحو تولى مقاليد الحكم والتغلب على منافسيه داخل حزبه او فى التكتلات و التحالفات المنافسة , وتظهر استطلاعات الرأى حجم التنافس القائم , والأن بعد تشكيل جبهة عربية موحدة تتنافس فى انتخابات الكنيست بقائمة عربية موحدة على الرغم من اختلاف برامجها و افكارها ومبادئها الا انها و لأول مرة تتوحد فى قائمة انتخابية واحدة وجه هذا الموقف الموحد لفلسطينى الداخل المحتل لطمة قوية على وجه نتنياهو و كل الاحزاب الاسرائيلية الاخرى من اليمين الى الوسط الى اليسار .
رد حزب الله على عملية الاغتيال باستهداف موكب لضباط كبار من الجيش الاسرائيلي بشكل مباشر بعدما اطلق قذائفه الصاروخية باتجاه المركبات العسكرية التى كانت تقل ضباط جاءوا بزيارة تفقدية اصيبوا اصابات مباشرة تضاربت اعداد القتلى و الاصابات بينهم , واعتراف جيش الاحتلال بمقتل 2 من ضباط الوحدات النخبوية فى الجيش الاسرائيلي و اصابة 7 بجروح , على الرغم من هدوء المنطقة ولم يكن هنالك ما يؤشر لحركة غير اعتيادية ولكن الاستهداف كان مباغتاً اشتعلت مع "شبعا" المُشبعة بكرهها لمحتليها.
عملية الاستهداف التى قام بها حزب الله جاءت لترسل رسائل عدة تفهمها دولة الاحتلال حيث أن جنودها قتلوا فى منطقة محتلة تهيمن عليها الأخيرة منذ حرب 1967م , وهذا ما قيد رد الفعل الدولي , وجاء بمجمله دعوات لضبط النفس وعدم الانزلاق لحافة الهاوية و المواجهة الشاملة و هذا ما لا تحتمله الجبهة الاسرائيلية الداخلية و ليست على استعاد وغير مؤهلة لخوض غمار معركة لا يمكن التنبؤ بنتائجها , ولا سقفها الزمني , وفيما لو ضُربت المراكز الحيوية , واستهدفت التجمعات السكنية , من أي طرف كان سيكون هذا كفيلاً بإشعال المنطقة , على الرغم من انشغال حزب الله فى الملف السورى لا يمنعه هذا من تصدى قواته لأى مغامرة اسرائيلية غير محسوبة النتائج و التداعيات , وفي موازة ذلك اسرائيل لا ترغب بفتح باب القتال على الاقل فى الوقت الحالي فتجربة غزة لم يمر عليها وقت طويل , وعلى الرغم من قلة الامكانيات التسليحية فى العُدة و العَتاد لدى المقاومة الفلسطينية مقارنة بعتاد و تسليح حزب الله و قوته الصاروخية الا أن العدوان الأخير على قطاع غزة فى يوليو من العام 2014م مَكن المقاومة من تحقيق توازن الرعب , ما جعل مستوطنو غلاف غزة يهربون شمالاً , ودخول مئات الاف الاسرائيليين فى مدن الوسط و الشمال الفلسطيني المحتل الملاجئ بفعل رشقات الصواريخ الفلسطينية التى اطلقتها أذرع المقاومة الفلسطينية ومنها "مقاتلو فتح" ومجموعاتها العسكرية .
معركة شبعا بالأمس لن تكون الاخيرة مع القوات الاسرائيلية , ولكنها حركت المياه الراكدة , وعلى الأرجح لم يكن هذا رد فعل حزب الله على اغتيال اسرائيل لعناصره فى القنيطرة يوم 18/1/2015م, وفى حساب الربح و الخسارة لكل من حزب الله و اسرائيل حسابتهما الميدانية و السياسية , وتمثل "معركة شبعا" واحدة من معارك المقاومة اللبنانية تستهدف بها جنود الاحتلال على اراضيها , والاختبار الاصعب هو عدم تدحرج الاوضاع الميدانية و انزلاقها للمواجهة الشاملة كما حدث فى حرب تموز 2006م مرهون بردود الفعل على الجبهة , وهنا من يمتلك مفتاح الباب ليفتحه على مصراعيه امام حرب اكثر فتكاً وتدميراً خاصه فى الوقت الدقيق لكل من اسرائيل التى تتهيأ لانتخابات الكنيست فى اذار القادم ووضع رئيس الحكومة الاسرائيلية الحالي الذى يُحسد علية سواء على المستوي الداخلي وحالة التنافس الشديد بين الاحزاب السياسية وظهور تكتلات حزبية يمكنها أن تطيح بمستقبله السياسي محاولاً استغلال أي حدث أو افتعاله مخاطباً بذلك الجمهور العام الذي مَل من سياسة عقيمة فى ملفات اهمها توفير الأمن للمواطن الاسرائيلي , أو على مستوي علاقاته المتوترة مع الادارة الامريكية.
الوضع الميداني فى الجبهة الشمالية الاسرائيلية يرتبط استقرارها او انفجارها بطرف اساس فى أي مواجهة او معركة قادمة فى الجنوب اللبناني هو الان منشغل فى الاوضاع الداخلية اللبنانية بعد تنامي قوة مجموعات السلفية الجهادية فى لبنان , ومحاربتها فى سوريا, وتبقي حسابات الربح و الخسارة من أي معركة لكل طرف , وما النتائج المترتبة فى حال تصاعدت الاوضاع الامنية و خرجت عن السيطرة , وما هو الهدف من اشعال فتيل لا يمكن اطفائه .. تبقي الاجابة على هذا السؤال بين اروقة صانعي قرارات الحرب أو اللاحرب فى الدهاليز المغلقة أو الأرضية , لكنها بكل المعايير هي سياسة شد الحبل بين حزب الله واسرائيل , واختبار قوة لن تصمد امامه جبهة الجنوب اللبناني طويلاً خاصة هنالك حالة التوتر الناشئة والمتواصلة , وامكانية تفجر القتال مسألة وقت ليس الا..

التعليقات