(قصص من داخل سجون غزة) … عزمه وحبه على تعلم السلاح أودى بحياة صديق عمره !

(قصص من داخل سجون غزة) … عزمه وحبه على تعلم السلاح أودى بحياة صديق عمره !
غزة - خاص دنيا الوطن - هدى أبو قينص
ولدت صداقتهما منذ الصغر بحكم الجيرة والقرابة، وعاشا مع بعضهما سوياً ،دون فراق على  مدار 14 عاماً على التوالي ،لم يختلفا يوماً رغم إختلاف إنتماءاتهم السياسية، بل دراسا وعملا  في نفس المجال، ليأتي اليوم الفاصل والمحتوم ويفرق بينهما دون قصد ،حين أجبره رفيق
عمره على تعليمه لإتقان فنون إستخدام السلاح ،لتصدر الرصاصة الأولى والقاتلة، لتنهي صداقتهما على الفور .

جلس " نور " وهو اسم مستعار لشاب في السادس والعشرين من عمره ، يسرد قصته " لدنيا  الوطن " من بين القضبان وهو يحاول الحفاظ على قوته وثباته في الحديث قائلاً : " تربيت في  كنف أسرة متوسطة الحال، وعشت فيها أجمل أيام حياتي برفقة صديقي " و " ،العزيز على  قلبي، ومقرب مني جداً منذ طفولتنا ، درسنا في مدرسة واحدة، نخرج ونلعب مع بعضنا البعض، لا  يفرقنا الا النوم ،كبرنا وترعرعنا في ظل وجود صداقة ،يشهد لوفائها الجميع " .
علاقة حميمة.

وتابع : " توالت الأيام ومرت السنين ،وعملنا في نفس المجال ،ولكن بعد فترة وجيزة إتجه  رفيقي الى مسار سياسي خاص به ، ولكن ذلك لم يؤثر قط على صحبتنا ،بحكم العلاقة القوية  والحميمة التي تربطنا ،بكل المقاييس ونفس المعايير".
 
بعد أن إنتهت الحرب الغاشمة على غزة صمم " نور" على تعلم إستخدام السلاح، لحبه  وشغفه على إطلاق النار، خاصة بعد مشاهدة القوة الخارقة ،التي برع بها المقاومين، لمواجهة  الإحتلال الإسرائيلي، مطالبا رفيقه لتعليمه مرارا وتكرارا على مدار شهر، ليقابله بالرفض  خوفا على حياته مطمئنه بوعود لتعيلمه في يوما ما .

واصل حديثه " بعد فترة عاودت عليه الطلب بكل اصرار ليعلمني، ووافق بعد جدال وعراك  شديد وقتها شعرت بسعادة غامرة لا توصف ،لدرجة أنني قبلت رأسه ،ليحدد يوما لتدريبي على إتقان اطلاق النار في مكان خالي ".

في اليوم المحدد بعث " نور" رسالة على هاتف مدربه " و " ،ليكون لقاءهما في منطقة  المحرارت في مدينة خانيونس، وأثناء سيرهما مشياً على الأقدام ،التقط السلاح من يديه بكل شغف وحب ملحوظ ،لدرجة أنه شعر بنفسه ذاهباً لجبهة لمرمى إطلاق النار، ليمسك المسدس  بطريقة خاطئة لتستبيح أنامله إطلاق الرصاصة الأولى والوحيدة ، قلب صديق عمره ورفيق  دربه ،ليسقط على أثرها أرضا .

لوعة وحزن
بكلمات مثقلة بلوعة وحزن أكمل قائلاً : " كانت المفاجأة الكبرى بل الفاجعة بالنسبة لي ،ولم  أتوقع ماحصل ،حين رأيت صديقي ملقى أرضاً غارقاً بدمائه ،ووقفت مجمد الخطوات ،لا  أستطيع الحراك فسمعته يهمس بصوت خافت ،يطالبني بمهاتفة الإسعاف على رقم " 101 " ، وقتها لم أتمالك نفسي وشعرت بمشقة بالغة لأتصرف بشكل عادي ،ولكنى أجبرت نفسي لأسرع  الى الشارع لأستوقف أى سيارة مارة تنقله للمستشفى " . 

تنازعت شتى أحاسيسه ثم خفت وطأة صدمته ،و تدراك نفسه ،محاولاً إخفاء ما اختلج صدره  ورأت عينه ،وأسدل على ردود أفعاله ستاراً منسوجاً بقوة مصطنعة ،ورافق صديقه الى مستشفى ناصر في خانيونس، ليخبرأ من المستشفى أن سبب الإصابة عيار ناري طائش ،بعد أن أخفى السلاح الذي كان بحوزته . 

الرصاصة الغادرة
إتسعت عيناه وعقد لسانه، ليتوقف عن سرد روايته للحظات ،ثم أكمل بعد غصة كادت تخنقه  لبعض ثواني قائلاً : " حين وصلنا الى المستشفى، أدخلو صديقي الى غرفة العمليات لخطورة  إصابته برصاصة غادرة أخطأت مسارها، وقتها باشرت بالإتصال على صاحب العمل  الذي كنا نعمل به سويا ،حتى يخبر شقيق صديقي أنه مصاب، ومتواجد بالمستشفى ،بعد نصف  ساعة من الزمن وصل أخيه وأخبرته أنه مصاب بعيار ناري عشوائي، لا أعرف مصدره ،وسلمته أمانات أخيه ووليت هاربا الى غزة .

تحول وجه النزيل " نور " الى أصفراً شاحباً مطأطأً رأسه للأسفل متابعاً : " هربت من المستشفى  بعد ما خرج الدكتور بخبر وفاة صاحبي، وإختفيت لمدة 3 أيام ، ثم تداركت نفسي  من وهل المصاب، وعدت الى عقلي ورشدي، وتوجهت مسرعاً الى المركزالتابع لمدينة  خانيونس وسلمت نفسي ،وقصصت عليهم قصتي مع صديق عمري، ثم حولت بعد يومين الى  مركز التأهيل والإصلاح " الكتيبة " ليخبرني والدي أنهم يبذلون جهود حثيثة ،ويسعون  لإرسال وجهاء ومخاتير من أعيان البلد ،لتحقيق الصلح بين عائلتي وعائلة رفيق عمري  المغدور، وإقناعهم بحقيقة الأمر، كون القتل دون قصد وغير متعمد" .

التعليقات