لا لعبادة الأصنام !

لا لعبادة الأصنام !
بقلم: ريهام عودة

يتميز الإنسان منذ عدة عصور زمنية  ببحثه المستمر عن الأمن و الحماية و الراحة النفسية ، فالنفس البشرية منذ الأزل وهي تبحث عن ارتباط ما مع الخالق أو  الطبيعة أو أي إنسان أخر قد  يمدها  بشعور من الطمأنينة و الإحساس بالأمان ، فقبل بداية عصر الديانات السماوية الثلاثة صنع البشر لأنفسهم أصناما  تجسد أشكالهم الآدمية من أجل عباداتها حيث رأوا أن هذه الأصنام هي الآلهة التي سوف توفر لهم الحماية و الأمان و سوف تساعدهم على تحدي الصعاب و حل جميع مشاكلهم  اليومية وذلك فقط بمجرد الإخلاص لها وتقديم القرابين و التودد لتلك الأصنام في كافة المناسبات.

لكن مع بدء عهد الديانات السماوية ، ظهرت ثورة دينية في شبه الجزيرة العربية و في بقاع أخرى من العالم ،  وبدأ الرسل و الأنبياء يبشرون الناس بأن هناك اله واحد هو من يستحق العبادة و أن الأصنام التي صنعوها بأيدهم لن تجديهم نفعا و لن تحميهم و لن تساعدهم أبدا ،  فهذه الأصنام ممكن أن تتحطم في أي لحظه و تتحطم معهم جميع أحلامهم و أمالهم،  فالخلاصة التي دعت إليها  الديانات السماوية الثلاثة  بكل بساطه تتلخص في عبارة نفي واحدة وهي

 " لا لعبادة الأصنام"  

ولكن في عصرنا الحديث هذا و في عالمنا العربي مازال هناك أناس متأثرون بفكرة و ثقافة عبادة و تقديس الأصنام التي يصنعوها بأيديهم ، لكن تلك المرة طبيعة الأصنام  التي يعبدوها تختلف تماما عن الأصنام الوثنية القديمة ،  ففي القدم كانت الأصنام تصنع من الطين و الحجارة  و الخشب أما في عصرنا هذا و في القرن الواحد العشرين فنحن نصنع أصنامنا من البشر أنفسهم وعندما تنهار وتتحطم تلك  الأصنام البشرية  تتحطم معها  أحلامنا و أمالنا  و نشعر حينذاك  بأننا خسرنا مصدر الحماية و الأمان  لنا سواء في حياتنا الشخصية أو العملية.

للأسف يقع كثير من أفراد الشعوب العربية  في فخ عبادة أصنام بشرية صنعوها بأيديهم و ذلك عن طريق تقديسهم  لشخصيات عامة  بشكل مبالغ فيه مثل على سبيل المثال أن يقدسوا  قائد أو زعيم سياسي ما ، حيث يقومون بتعليق كل أمالهم و أحلامهم على هذا القائد وينسوا أن هذا القائد ما هو إلا إنسان عادي قد يخطئ و قد يصيب ، قد يخطط لهم لمستقبل جيد أو قد يقودهم إلي الانهيار ، و قد يكون ممثل بارع  ذو كاريزما معينه و يستطيع أن يجذبهم بشكل مزيف و يبشرهم دائما بالنصر و قد يكون إنسان صادق وواقعي  لكنه غير جذاب  ويناقشهم بصراحة عن احتمالية النصر أو الهزيمة  ، فالمواطن العربي بطبيعته عاطفي و يحكم على قائده بمدى الكاريزما السياسية التي يتحلى بها هذا القائد  بدون عمل أي تحليل أو نقد منطقي لطبيعة الخطاب السياسي الذي يلقيه هذا القائد أمام  المواطن العادي.

و الكثير من المواطنين العرب قد  يتناسون الطبيعة البشرية التي لا تستطيع الخلود للأبد لذا يستمر الكثير  منهم  وخاصة الشباب بتقديس شخصيات سياسية  معينه ، يرتبطون  بها  و يعلقون مستقبلهم و مستقبل  أمة بأكملها  عليها وينسوا أن كل ما هو على هذه  الأرض هو بكل بساطة فاني و أن التغيير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة.

وقد تبلغ سذاجة بعض المواطنين العرب مستوى  كبيرا ، عندما يدعون أن قائد معين  يعتبر بالنسبة لهم بمثابة  والدهم و أنهم من دونه هم لا شيء ،  الأمر الذي يعزز الاعتمادية المباشرة على السلطة الأبوية الشرقية التي تفضل أن تحكم  دون أن تسمح بمناقشة الأبناء أو الشعب بالقرارات التي يتخذها الأب الحاكم ،  فتصبح سلطه هذا القائد كسلطة الأب الذي يجب أن يطيعوه جميع الأبناء بدون أي مناقشة أو مراجعة لقراراته حتى لو كانت خاطئة ، ويصبح المواطن الذي انتقد قرارات الأب الحاكم  كالابن العاق الذي يجب أن يطرد من رحمة والده.

ومن المظاهر التي تدل أيضا على سذاجة بعض المواطنين العرب و المثقفين العرب عندما يقولون عبارة أنه "من ليس له كبير يجب أن يبحث عن كبير" وهذه العبارة تعود إلي الفكر القبلي حيث هناك شيخ كبير  لقبيلة ما  و هو من يحكم القبيلة بأكملها لوحده ، و تعتبر سلطته و أعرافه بمثابة قوانين إلزامية يجب على جميع أفراد القبيلة  أن يحترموها و يطيعوها دون أية مراجعة أو مناقشة لها ،  وهنا تتلاشى  ماهية الدولة المدنية ودستورها وقوانينها التشريعية التي يجب أن تكون كمرجع موحد لكافة المواطنين ، بحيث يتساوى الجميع أمام قوانين الدولة و لا يخضعون للسلطة المزاجية للحاكم ، فالدستور و القانون يجب أن يكونا هما الفيصل الوحيد  و رأس الدولة الذي يجب أن يمتثل أمامهما الجميع  بدءا من المواطن العادي وصولا إلي الحاكم أو القائد الأعلى للدولة .

إنها بالفعل أصنام بشرية صنعناها بأيدينا وقدسناه لحد العبادة ، إنها أصنام صنعنها لدرجة أننا عندما نواجه مشكلة صغيرة بحياتنا اليومية نتهرب من مسئولية مواجهتها  و نتهرب من التحديات التي تعترضنا  فنهرع إلي لوم الآلهة البشرية التي نعبدها  و نناشدها  في كل مرة لتنقذنا   و ننسى أو نتناسى  أننا نتحمل المسئولية الكبرى عن حياتنا و قراراتنا و مستقبلنا وحتى قدرنا.

إننا نتجاهل أيضا  أن هذه الأصنام الآدمية ما هي إلا  بشر مثلنا لا تملك أن تقدم لنا الحل السحري  لمشاكلنا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، إنهم بشر عاديون كانوا أيضا يعبدون أصنام بشرية أخرى مثل بعضنا و قد تحطمت أيضا أصنامهم عبر الزمن .

لذا يجب علينا  كشعوب عربية واعية  بدلا  من أن نصنع أصنام بشرية ، أن نقوم  بالعمل على المطالبة بتطوير مزيد من القوانين المدنية التي يجب أن تحافظ و تحمي حقوقنا الأساسية و يجب علينا  كمثقفين عرب أن ندعو إلي تعزيز  سلطة الدستور و القانون  و أن لا نقدس سوا الخالق  و أن نبتعد عن تقديس البشر مهما كانت سلطتهم ، فلا خلود لإنسان على وجه الأرض،  فالبشر زائلون و الوطن هو الباقي!

التعليقات