مركز أطلس للدراسات يرصد ردود الفعل الإسرائيلية على التوجه الأوروبي

رام الله - دنيا الوطن
"يبدو وكأن قدراً كبيراً جداً من الناس في أوروبا، على الأرض التي ذبح فيها 6 مليون يهودي، لم يتعلموا شيئاً، ولكن في إسرائيل تعلمنا"؛ بهذه الوقاحة التي تعبر عن صدمه عميقة، علق نتنياهو على ثلاثة قرارات أوروبية صدرت في يوم واحد في أماكن مختلفة من أوروبا، وجميعها لصالح فلسطين وضد المصالح الاحتلالية الإسرائيلية، وأضاف "رأينا اليوم نماذج باعثة على الصدمة من الازدواجية الأخلاقية الأوروبية، في جنيف يدعون الى التحقيق ضد اسرائيل على جرائم حرب، بينما في لوكسمبورغ المحكمة الأوروبية تشطب حماس من قائمة منظمات الإرهاب؛ حماس التي نفذت عدداً لا يحصى من جرائم الحرب وأعمال الإرهاب، نحن سنواصل الدفاع عن شعبنا وعن دولتنا ضد قوى الارهاب، الطغيان والازدواجية الأخلاقية".

التوجه أو الحراك الأوروبي نهاية الأسبوع المنصرم، بما في ذلك مشروع المبادرة الفرنسية "على الرغم من كونها تهدف لاحتواء الموقف الفلسطيني"، وقبل ذلك الاعترافات المتوالية بالدولة الفلسطينية، وعلى الرغم من ان كل هذه الاعترافات غير ملزمة ولا أسنان لها، وأهمها اعتراف اتحاد البرلمان الأوروبي، ربط قيام الدولة الفلسطينية بالمفاوضات وبالموافقة الإسرائيلية؛ فقد نظر الى هذا الحراك في اسرائيل بإدانة واستنكار واضحيْن، إدانة واستنكار الموقف الأوروبي مثل اجماعاً وتوافقاً اسرائيلياً على المستوى الرسمي والحزبي والكثير من الكتاب، باستثناء حزب "ميرتس" ومجموعة من نخب اليسار وحركة "السلام الآن" الذين كانوا قد قدموا عريضة في التاسع من ديسمبر موقعة بنحو ثمانمائة شخصية في مقدمتهم أبرز أدبائهم (ا. ب يهوشع ودافيد غروسمان وعاموس عوز) تطالب دول الاتحاد الاوروبي بممارسة الضغوط على اسرائيل والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد سوغوا موقفهم بالحرص والمسؤولية والوطنية؛ حرصهم بأن لا تتحول إسرائيل الى دولة قومية فاشية منبوذة، وخوفهم من ان انعدام حل الدولتين سيفرض مستقبلاً حل الدولة الواحدة التي لن تكون فيه اليهودية أغلبية حاكمة، وكذا خوفهم من ان اليأس سيدفع الفلسطينيين الى تبني "العنف والإرهاب".

وباستثناء هذه القلة؛ فالإدانة كانت سيدة الموقف، فكل من هرتسوغ وليفني ولبيد وما سواهم لم يكتفوا بالإدانة، بل حثوا أوروبا على التوقف عن تشجيع الفلسطينيين على تبني الطريق أحادية الجانب، وقد استغل بيرس زيارته لفرنسا للحديث عن مخاطر أحادية الجانب وحث الفرنسيين والأوروبيين على دفع الفلسطينيين للعودة لطاولة المفاوضات.

صحيح ان الكثير من ممثلي الأحزاب والقوى حملوا نتنياهو مسؤولية هذا التدهور في العلاقة مع أوروبا، لكنهم في ذات الوقت اعتبروه يعبر عن عدم توازن في الموقف الأوروبي.

نفتالي بينيت زعيم حزب "البيت اليهودي" فقال "قوانين سدوم (نسبة الى القوانين القاسية وغير الأخلاقية لمدينة سدوم حسب التوراة، مدينة قوم لوط بحسب القرآن) للمحكمة الأوروبية أباحت اليوم دم اليهود بصفتهم هذه، وتعبر عن فقدان أخلاقي للطريق، فالإرهاب الذي يتلقى المبرر في تل أبيب سرعان ما سينتقل الى لندن، باريس وبروكسل، لأسفي، لا يمكن لأوروبا ان تقول اننا لم نحذرها مسبقاً".

أما الجمهور الاسرائيلي فبأغلبيته المطلقة يلقي بالمسؤولية عن الوضع المتدهور لإسرائيل على الساحة الدولية على الأغيار، ونحو الثلث فقط، من مقترعي اليسار والوسط يلقي بالمسؤولية الأساسية على حكومة إسرائيل، وقد فسره البعض على انه بداية ترجمة للتغيرات النوعية في الموقف الأوروبي من الصراع والاقتناع بأهمية ممارسة المزيد من الضغوط على اسرائيل بعد ان سئم الأوروبيون من سياسات نتنياهو التي تهدد مشروعهم، مشروع حل الدولتين.

وفي محاولة مخادعة؛ طلب بيرس وليفني من كيري الضغط على أوروبا وإقناعها ان أي حراك أوروبي ضاغط على إسرائيل في الظروف الحالية (الانتخابات)، بما في ذلك دعم التوجه الفلسطيني لمجلس الأمن في الفترة الممتدة حتى موعد الانتخابات في السابع عشر من مارس العام القادم؛ سوف يستفيد منها اليمين الإسرائيلي، وستؤثر على المزاج الانتخابي للناخب الاسرائيلي الذي سيميل لصالح منح ثقته للمعسكر اليميني، احتجاجاً وغضباً، مما سيؤثر سلباً على معسكر "السلام"، وحسب التسريبات الاعلامية فقد اجتمع كيري مع ثمانية وعشرين مندوباً للاتحاد الأوروبي وطالبهم بالعمل على إرجاء أي نقاش او تصويت على المشروع الفلسطيني أو الفرنسي المقدم لمجلس الأمن الى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية.

وارتباطاً بذلك كتب اريه شبيط في هآرتس انه "لا يمكن إحداث التغيير من خلال انقلاب عسكري أو ضغط أمريكي أو عقوبات أوروبية، وإنما التغيير سيأتي فقط في صناديق الاقتراع".

الهستيريا والكراهية والتحريض على أسلمة أوروبا في أعقاب المواقف الأوروبية، وجدت الكثير من التعبير عبر عدد من مقالات الكتاب، فكتب دان مرغليت في "اسرائيل اليوم": "كانت أمس ليلة البلور الثانية في أوروبا، ليس في الليل وانما في النهار؛ ليس بالعنف وانما بالكلمات؛ ليس بتخريب الكنس وضرب اليهود وانما بالكلمات، برلمانات أوروبا وقفت الى جانب الفلسطينيين، ورسمت حدوداً دائمة وتاريخاً نهائياً، ولم يبق شيء للمفاوضات، ومسحوا نقطة الإرهاب السوداء عن حماس، والحمد لله أنهم لم يوقعوا على القرار بكلمات الله أكبر".

وفي التحريض على الاسلام والجالية العربية والإسلامية، استسلام السياسيين الأوروبيين للحضور الإسلامي، وفي محاولة لتفسير التحول الأوروبي في ضوء الديموغرافيا وعدم رؤية الأسباب الحقيقية الكامنة في التغول الاحتلالي وانسداد آفاق التسوية عبر التنكر لأبسط حقوق الفلسطينيين والتنكر لكل القرارات والتوجهات الدولية، فقد كتب ايلي حزان في "اسرائيل اليوم" ان "أوروبا والعالم الغربي يغيران وجههما بشكل تدريجي، موجات الهجرة من الدول الاسلامية تعطي القارة طابعها المختلف عما كانت عليه قبل سقوط جدار برلين، ويبدو أن انفتاح أوروبا هو الذي قد يؤدي الى نهايتها".

أما جي بخور فكتب "الحديث يدور عن قارة، المسافة بينها وبين العالم الاسلامي آخذة في القصر، لدرجة انه بات ممكنا تثبيت اصطلاح تاريخي جديد هو (الدول الأورو إسلامية)، ومثلما فعل العالم الاسلامي كل ما في وسعه كي يمس بإسرائيل الشابة، فإن الميل آخذ في التحقق في الاتحاد الأوروبي أيضاً، ذات مرة تحدثوا عن التحول الغربي للعالم العربي، أما اليوم فالحديث يدور عن التحول العربي لأوروبا"، ومسلطاً الضوء على التحول الديمغرافي داخل أوروبا، محذراً باستخدام أرقام احصائية للمهاجرين المسلمين الى أوروبا، من انه في نهاية العقد ستتحول مدن أوروبية رئيسية هامة الى مدن ذات أغلبية إسلامية، ومنها بروكسل ومرسييه ومالمو وبرمنغهام وروتردام ومدن أخرى.

رغم ان التوجه الأوروبي هو أقل ما نطمح اليه وجاء بطيئاً متعثراً ومتأخراً، وهو لا زال متخلفاً حتى عن مواقف بعض القوى الصهيونية الإسرائيلية؛ فإن اسرائيل التي تعودت ان تكون فوق القانون، تعودت على القتل والاحتلال والزعم انها ديمقراطية؛ غير مستعدة لتقبل أي تغيير في السياسات الدولية، وهي تنظر لهذه التغييرات بفزع وهستيريا نتيجة للانزياح اليميني الشديد الذي لا يقبل بالتسوية ويضحى بمستقبل أي تسوية على مذبح الايديولوجية اللامسيحانية، معتمدا على آخر معاقل دعمه وقوته الخارجية، على أمريكا، التي لا زالت تشكل حائط الصد المنيع والضامن والحامي لبقاء احتلاله وبقائه محمياً من أي مسائلة أو تجريم.

التعليقات