اطفال في بروقين سلب المرض ابتسامتهم وطفولتهم

اطفال في بروقين سلب المرض ابتسامتهم وطفولتهم
رام الله - دنيا الوطن - معين ريان
زهور حرمت من التفتح ونشر عبيرها .. تتجول في شوارعنا بنظرات مسروقة ووجوه غلفتها امارات من الحزن والخجل والحرمان، أصواتها شاحبة تستجدي الأمكنة والأزمان لتسرد على رمال الحياة حكاية أُسر اثقلتها اعباء المرض ومتطلبات الحياة، لتعيش دون مجاذيف في مراكب تخوض بحر الحياة ... فهذا هو حال المواطن "ابو قاسم"  واطفاله الخمسة، من بلدة بروقين قضاء محافظة سلفيت، في حل لغز المرض والمعاناة التي يعيشونها.

دائرتي الشؤون الاجتماعية والعلاقات العامة في محافظة سلفيت، وخلال زيارة خاصة لهما للاطلاع على وضع الاسرة ومعاناتها مع المرض، من المشهد الاول ادركنا صورة الواقع الذي يعيشه "ابو قاسم" وزوجته في ظل وجود اربعة ابناء يعانون من عدم نمو الشعر فوق رؤوسهم ... فعند مقابلتهم لن تستطيع اخفاء دهشتك او التغلب على عواطفك المدفونه.. إلا وأن تمعن في بعض التفاصيل المؤلمة.

بدأت معاناة الأب مؤيد كايد خليل " ابو قاسم " 40 عاما وزوجته " ام قاسم " واطفالهم الخمسة وهم الابن البكر قاسم 12 عاما ، والبنات بتول 11 عاما ، ماريا 10 اعوام، ثراء 9 أعوام، سندس 3 اعوام، منذ السنوات الاولى للانجاب، عندما لوحظ عدم نمو الشعر على رؤوس ابنائهم بشكل طبيعي كغيرهم من الاطفال، الأمر الذي زاد مع علامات الخوف والحيرة لدى العائلة لتبدأ رحلة العلاج والكشف عن المجهول.

بحرقة كبيرة ونبرة صوت هزيل، يقول ابو قاسم :" بدأنا نلاحظ وجود مشكلة في نمو شعر رأس الابناء بعد ثلاث سنوات من ولادة الابن الاكبر قاسم واخته بتول، حينها توجهنا الى  الدكتور (هـ.ع)  في مدينة نابلس لمعاينة حالة الاطفال، وبعد اجراء الفحص أخبرنا الدكتور انه لا يوجد اعراض لأي مرض، وان تلك الحالة أمر طبيعي وان الشعر ينمو مع الوقت عند البلوغ".

ويتابع:" وبعد مرور عدة سنوات لم نلاحظ اي تغيير او تحسن على حالة قاسم واخواته، حيث بقي شعر رؤوسهم ناعم وقصير ولا ينمو، وقتها قررنا ان نذهب لزيارة اخصائيين تجميل واطباء الجلد، لمعاينة الحالات، حيث اخبرنا بوجود ضعف في الهرمونات الخاصة بنمو الشعر، وقد تم تحديد وصفات طبية وادوية لذلك، وبعد الالتزام بها لفترة طويلة لم نلاحظ وجود اي تحسين قد طرأ على حالة الاطفال".

ويضيف الاب خليل :" لقد اصبنا انا وزوجتي بحالة من الاحباط واليأس لعدم التوصل الى نتيجة او تقدم في علاج الابناء، وخاصة ان وضعي المادي والاقتصادي لا يساعدنا في التوجه الى اطباء واخصائيين خاصين وشراء الادوية اللازمة نظرا لارتفاع تكاليفها، في ظل عدم وجود مصدر دخل ثابت وعمل دائم لي يمكن من خلاله الاستمرار في تحمل تكاليف واعباء العلاج، اضف الى ذلك ان والدي يعيش بجواري وهو كبير بالسن ويعاني من "جلطة" ولا يستطيع النطق وهو يتلقى العلاج ولا يقوى على العمل ، وذلك يشكل عبئا نفسيا وماديا اضافيا علينا من حيث توفير الدواء والرعاية اللازمة له ." 

اما والدة الاطفال فاتن عبد الله "ام قاسم"، وقد برزت على ملامح وجهها علامات الحزن والياس، تحدثنا عن بدايات زواجها ومراحل الحمل والولادة، قائلة : " تزوجت عام 1999 وبعد مرور اربع سنوات على زواجي، انجبت الولد البكر "قاسم" ، ولم يلاحظ عليه اي علامات مرض او اعياء بعد الولادة، لكن خلال فترة الحمل كانت تظهر علي اعراض هزل وعدم رغبة في تناول الطعام، وكنت اراجع العيادة الصحية في البلدة باستمرار، وفي اعتقادي ان هذه اعراض طبيعية لدى كل امرأة تكون في حالة حمل ".

وحين السؤال عن تباعد فترات الحمل والولادة، اوضحت "ام قاسم" ان فترات الحمل والولادة كانت متقاربة جدا ومتتابعة، الامر الذي شكل صعوبة كبيرة عليها في تنظيم امور حياتها وواجباتها البيتية، وحتى في تناول الوصفات الطبية اللازمة للأم الحامل .

وتبين ام الاطفال الخمسة اصرارها على الاستمرار في مسيرة العلاج ، رغم المحاولات الكثيرة التي لم تفلح في الوصول الى تحليل طبي او علمي دقيق يشخص المرض او يجد علاجا جذريا له، وتضيف :" توجهنا قبل سنوات الى مديرية صحة سلفيت لعرض الابناء على الاطباء، لكن لم يتم اجراء اي فحوصات او تحاليل طبية لاولادي في الصحة، غير ان طبيب الجلد اكتفى بالقاء نظرة والقول بان الاطفال يعانون من نقص في بعض الفيتامينات ومادة الزنك. "

وتتابع "ام قاسم" حديثها :" قمنا بشراء الدواء المحدد والعلبة الخاصة بمادة الزنك من الصيدلية والبالغ ثمنها 50 شيكل للعلبة الواحدة ، علما ان كل حالة من اطفالي بحاجة الى اربع علب دواء مادة "الزنك" في الشهر الواحد، اي ما يعادل 800 شيكل ثمن دواء في الشهر، وهذا يشكل عبئا ماديا اضافيا على العائلة، ورغم ذلك استمرينا في شراء الدواء واستخدامه لمدة تزيد عن شهرين لكن دون فائدة ، ولم يطرأ اي تغير او تحسن على نمو وطول شعر اولادي."

وتشير "ام قاسم" الى انها قامت قبل عدة شهور بالسفر الى الاردن بصحبة ابنتها بتول (11 عاما) لعرضها على الاطباء في مستشفى البشير الحكومي، الا ان المحاولة لم تفلح لعدم وجود تحويلة طبية من وزارة الصحة مع العائلة، مبينة ان اجراء الفحوصات اللازمة تكلف ما لا يقل عن  200 دينار اردني ، وان الوضع المادي للاسرة لا يسمح باجراء هذه الفحوصات او حتى بزيارة طبيب خاص.

هذا ولم تتوقف محاولات ومساعي "ابو قاسم" وزوجته في التوصل الى حل وعلاج لاطفالهم الذين سلبت منهم ابتسامتهم وطفولتهم بسبب المرض، رغم قلة الامكانيات المادية والحالة الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، فقد توجهت العائلة بالاطفال قاسم واخواته الى مشفى "هداسا" بالقدس، املا منهم في التوصل الى علاج او تشخيص نهائي للمرض.

"لقد تم اخذ عينات دم من اطفالي لاجراء الفحوصات اللازمة من قبل الاطباء في مشفى "هداسا"، وهناك ابلغونا بانه سيتم التواصل معنا في حال الانتهاء من الفحص واستخراج النتائج، الا انه لم يتم التواصل معنا او الاتصال بنا من اي جهة، ونظرا للظروف المادية السيئة التي نعيشها لم نستطيع الذهاب الى مدينة القدس لزيارة المستشفى او التواصل معه للاطلاع على نتائح الفحوصات والتحاليل."  هذا ما قالته "ام قاسم" عن محاولات العلاج في مشفى "هداسا" التي بقيت قيد المجهول منذ عام 2011 وحتى اللحظة.

ولدى حديثنا مع الابناء قاسم وبتول، وقد ظهرت على وجههما علامات الاحمرار والخجل، وسؤالنا عن نظرة الناس لهما قالا : " عندما نخرج من البيت الى المدرسة تكون نظرة الناس من حولنا والطلاب الاخرين غريبة، وكانها نظرات شفقة او خوف من العدوى، ولذلك نعيش حالة من العزلة والانفراد في كل مكان نتواجد به ، ذلك عدا عن الكلمات الجارحة التي نسمعها." وتضيف بتول:" الى متى ستستمر معاناتي واخي قاسم واخوتي .. ونأمل بالتوصل الى حل وعلاج لمشكلة نمو الشعر حتى نكون اسوة بغيرنا من بنات جيلنا ونعيش بين الناس دون اي نقص، وكذلك رغبة منا في انتهاء معاناة ابوينا ."

ووجهت عائلة "ابو قاسم" مناشدة ونداء لاصحاب الخير والجهات المختصة والمسؤولة في السلطة الوطنية وعلى راسها وزارة الصحة الفلسطينية والجمعيات والمؤسسات التي تعنى بالطفولة للوقوف الى جانب العائلة واطفالها، ومساعدتها في اجراء الفحوصات والتحاليل الطبية اللازمة لمعرفة نوع المرض وتوفير العلاج المناسب، حتى يتمكن  فلذة اكبادهم من استغلال الجزء المتبقي من طفولتهم التي حرموا منها، ويعيشوا كغيرهم من الاطفال بدون اي نقص او مرض، وليستعيدوا ابتسامتهم التي حرموا منها لسنوات.

التعليقات