روت حكايات وفسرّت رسومات : مختصة نفسية تشرح لدنيا الوطن كيف تكشف "الرسومات" عورات الأطفال !؟

روت حكايات وفسرّت رسومات : مختصة نفسية تشرح لدنيا الوطن كيف تكشف "الرسومات" عورات الأطفال !؟
غزة -خاص دنيا الوطن-اسامة الكحلوت

يلفت نظر الباحث دائما احداثيات واى حدث عابر يمر امامه فى الشارع العام على ارض الواقع ،  كما حدث مع الدكتورة امنة زقوت استاذة الصحة النفسية المشارك فى جامعة الاقصى وخبير التنمية البشرية ، والتى لم تكن تهتم بالرسم الا انها غيرت نظرتها عن هذا الموضوع كليا بعدما شاهدت نتائج الرسم لدى الاطفال .

فعندما كانت تقوم بنشاط  ضمن مشروع عمل يهتم بالرسم ، شاهدت فتاة فى الرابعة عشر من عمرها قامت برسم ورقة مظللة كليا باللون الاسود ورسمت ايضا فى نهاية الرسمة فى احدى الزوايا حذاء واحد ، مما استوقف زقوت هذه الملامح فى الرسمة ، وعندما سألت الفتاة عن الرسم أجابتها " هذا الجزء  المظلل هو حياتى السوداء التى اعيشها  ، اما الحذاء فهذا انا لانه لا قيمة لى داخل المنزل لان الحذاء بدون الحذاء الاخر لا يلزم " .

وبعدما دققت فى تفاصيل اللوحة تعمقت زقوت فى حياة الفتاة الصغيرة التى اهتمت بهذا الرسم ، وعندما سألتها عن سبب هذا الرسم ، ابلغتها ان امها توفيت بالسرطان وتزوج والدها بسيدة اخرى ، ولديها الكثير من الاخوة كل منهم يعتنى بحياته واسرته وزوجته فقط ، فيما بقيت هى الفتاة الوحيدة داخل البيت لا يهتم بها احد ، معتبرة نفسها كحذاء واحد بدون اهمية ، ومن هنا ادركت زقوت اهمية الرسم للاطفال فى اسقاط ذاتهم فى الرسم .

وانطلقت زقوت للاهتمام برسوم الاطفال فى هذا العالم الرهيب  الذى يحمل تحت كل خط داخل الرسم معنى ، فانطلقت بهذا الكنز الثمين نظرا لعملها فى الصحة النفسية ، وادركت ان العاملين بهذا المجال يجب ان يتقنوا ماهية هذا النشاط باعتباره مؤشر سريع لتشخيص مشاكل البشر من خلال رسوماتهم وكشف عوراتهم واسرارهم وافراحهم واتراحهم .

وطرحت فكرة مفهوم الذات للاطفال واسقاطه بشكل غير واعى على رسوماتهم ، وقامت بتسميته اسقاط تدنى مفهوم الذات فى اختيار رسم الشخص ، وانطلقت لتنفيذه على اطفال ما بين عمر 13-15 سنة طفولة متأخرة .

وبدأت بالجلوس مع الطلاب ومن ثم قامت باعطائهم الاوراق للرسم بعد عملية تنفس عميقة لراحة الاعصاب ، وطلبت منهم ان يرسم كل شخص نفسه كما يراها على الورقة ، وكانت هنا صاعقة جديدة بما شاهدته من لوحات .

وعملت زقوت على  دراسة حالة كل طفل من المتواجدين من رسوماتهم  وكانت جميعا على علاقة طردية تصل لنسبة 100% ، وكلما زاد الوضع الاجتماعى والنفسى سواءا كلما انعكس  على الرسومات ، واظهرت اغلب الفتيات المشاركات فى الرسم فى لوحاتهن مظاهر الحرمان والنواقص اكثر من الذكور ، حيث يعانى الفتيات  اضطهاد المجتمع متمثلة برسوماتهن المرفقة بالدموع وكلمات الحزن واليأس .

واتضح ان هناك علاقة وطيدة بين درجات استجابتهم المتدنية على مقياس مفهوم الذات وطبيعة رسوماتهم التى تتميز بعدم التوافق وتؤشر لنقص القيمة ولغة الرسم عند الاطفال ، وتكون عادة محمولة بشحنات انفعالية اتصالية عارمة تجعلهم يسقطون تصوراتهم لانفسهم بسهولة ، ويرسم الطفل ما يشعر به وما يتدفق تدريجيا فى عقله عن الموضوع ، حيث يعتبر الرسم تعبير انفعالى وتكشف عن ما يدور بداخل الطفل .

وفى شرح تفاصيل لوحة صغيرة عبارة عن طفل عارى ويظهر ملامح الذكورة فى الرسم ،  رسمها طفل فى الصف الاول الاعدادى ، قالت زقوت لدنيا الوطن " الطفل صاحب هذا الرسم يعيش لابوين منفصلين ، وكان شعره ناعما جدا وكلما يقوم بتعديل شعره بيده يبادره اصدقائه بلقب انت بنت او بنوتة ، فعندما وجد الفرصة السانحة للرسم رسم نفسه عاريا مظهرا ملامح الرجولة  ، وله مخالب بيده لانه يعانى الحرمان والفقر ، ويقف على ارض غير مستوية وكانه يقسم بان ينتقم من الناس  ، واظهر عورته وانه رجل بشكل مباشر ليثبت رجولته لاصدقائه " .

كما يعتبر الرأس مركز هام للذات وتظهر المبالغة فى حجم الرسمة  الراس صغيرا ، وملامح الوجه يجب ان تكون ذات دلالة وفى التدقيق فى ملامح الحالة تبين انها فى حالة سكون وبرود بدون حراك متصلبة ، ويذكر ان الاطفال الصغار الذين يجدون صعوبة فى اقامة علاقة مع الاخرين يرسمون وجوه متصلبة .

وفى شرح رسمة اخرى قالت زقوت " حالته صعبة  لرسمة لرجل مشوه جملة وتفصيلا ولجأ الطفل لرسم رأس مشوهة ووضع شوك بدل الشعر نتيجة ظروفه الصعبة التى عكست الظروف الاجتماعية ، حيث تبين بعد معرفة حالته الاجتماعية انه يعيش بين ابوين فى نفور دائم " .

ومما جذب زقوت اكثر طفلة تعيش فى بيت كبير ولكنها رسمت رسمة اظهرت بيتها صغير جدا ورسمت بجانبه مفتاح كبير جدا  ، وعندما سألتها عن السبب قالت لها ان زوجة والدها تخبئ الطعام يوميا عنها فى " نملية " – وهى ما يشبه خزانة صغيرة خاصة بالطعام - ، ولها مفتاح وبيتها ضاق عليها وكبر المفتاح لانه مفتاح الحب والحنان التى تبحث عنه هذه الطفلة .

واوضحت زقوت فى نهاية حديثها ان الرسم هو اداة تشخيصية هامة لاكتشاف الحالات التى يعيشها الاطفال والوضع النفسى والعاطفى والاجتماعى لهم ، وممكن الممكن ان يتم علاج اى مشكلة بالنظر للاسباب وعدم انتظار النتائج لحل المشكلة .

وطالبت باعادة لنظر فى مفهوم الرسم انه فقط وجه جمالى وقبيح ، بل ايضا وجه نفسى عميق واداة تشخيصية عميقة ورسومات هامة للاطفال .










التعليقات