خيارات وبدائل

خيارات وبدائل
كتب غازي مرتجى

سيمفونية أوجاع غزة أصبحت مُملة لـ"طبلة" الأذن , وغاب عنها الدرجات الجمالية التي تُضفي التجديد والتنويع على السيمفونيات التقليدية , وأصبحت التجارة الأربح هي تجارة الكلام والتصريحات من غزة وعن غزة وإلى غزة ..

لن تستطيع اقناع مواطن ذاقت عظامه برد الشتاء القارص انّك ستحقّق له شيئاً ضمن منظومة الوعودات التي اعتاد عليها ولن يُصدّق "كلاماً" ولو كان مُرسلاً إلا ان تبع "البعبعات" واقعٌ يشعر به هذا المواطن بأنّ شيء ما تغيّر .

مناكفات فتفجيرات ومنع وردح متبادل فمناكفات من جديد فمحاولات رأب صدع .. أضعنا الأشهر الستّة من عمر الحكومة ضمن هذه الدائرة المغلقة .. وللأمانة الصحفية فإنّ المختلفين توقفّا عند نقطة السكون وقت العدوان الاسرائيلي على القطاع لكنّ هذا انفجر من جديد بحملات ردح أشد وأعنف .. وللأمانة أيضاً قد تكون تعويضاً عن هذين الشهرين الأحمرين !

ملفات شائكة وريب وتشكيك يشوب كافة الخيارات , فالحكومة أصبحت برؤية حماس مُنتهية وبحسب فتح مستمرة والحكومة نفسها لا حول لها ولا قوّة وتحملّت قذارة المرحلة الأوسخ في التاريخ الفلسطيني على كاهلها , بينما المجلس التشريعي برؤية فتح غائب وجلساته غير شرعية وبرؤية حماس الرئيس فقد شرعيته وبرؤية الشعب .. أستغفر الله !

الحالة التي تمر بها القضية الفلسطينية قد تُدوّن فترة الانقسام وما سبقها وما تلاها في كتب التاريخ بسطرين فقط , بينما شعب غزة يدوّنها بدمائه وقوت أبنائه وكرامة شيوخه .

لا يُمكن بحال من الأحوال استمرار الأوضاع على ما هي عليه والخيارات القادمة لقطاع غزة سيئة , فحماس تهدد بعودة التصعيد في حال استمرار الانتهاكات الاسرائيلية وغزّة المنهكة لن تصمد هذه المرة في حرب خامسة ستستمر ويلاتها عدة سنوات ضوئية , والرئيس متوجّه الى مجلس الأمن ويريد بقاء حكومة الوفاق على حالها ويعمل بكل ما يستطيع لعدم العودة للمربع السابق .

التصعيد مع اسرائيل , أو المصالحة الداخلية الحقيقية , والمصالحة مع القاهرة .. هي المحاور الثلاثة المُنتظر احداها في المرحلة القادمة .. التصعيد مع اسرائيل مُستبعد تماماً سواء من طرف المقاومة في قطاع غزة او حتى من طرف حكومة اليمين المتطرف والتي تواجه خطر السقوط كل يوم .. والمصالحة الداخلية الحقيقية مرتبطة بمصالحة حماس مع القاهرة وانهاء "لبس" سبّب من الآلام والمخاطر على القضية الفلسطينية الكثير .

الرئيس عبدالفتاح السيسي أيقن تماماً أن القضية الفلسطينية هي مفتاح عبوره الى الدول المغلقة وبها يُمكن فتح الطرق التي عُبدّت بشراسة لإفشال النظام المصري , وبالقضية الفلسطينية عادت مصر الىقلب المشروع العربي بعد غياب استمرّ سنوات خمس أثرّت بشكل كبير على سير القضية الفلسطينية ومراحل نضوج الدولة .

تصريحات الرئيس المصري الأخيرة التي أكدّ فيها استعداد جيش بلاده لحماية الدولة الفلسطينية القادمة كانت رسالة ذات معانٍ متعددة سواء للداخل الفلسطيني او للولايات المتحدة ومن خلفها العالم أجمع .. فحركة حماس الرافضة لـ"قوة ثالثة" طرحها الرئيس ابو مازن سابقاً وتهديدها بالتعامل معها كقوة احتلال جديدة تمكّن الرئيس السيسي من حلّ هذه المعضلة بموافقته على ارسال الجيش المصري الأقرب لقلوب وعقول الشعب الفلسطيني من أي قوّة قد تُشكّل في حال اقامة الدولة الفلسطينية , وخبرات الجيش المصري للتعامل مع قطاع غزة من جهة والقذارة الاسرائيلية من جهة أخرى تؤهله لأن يكون اليد الأمينة على الدولة الفلسطينية القادمة .. لقاء الرئيس أبو مازن والرئيس السيسي وإن لم تتضح الصورة حتى اللحظة بما ناقشه الرجلان إلاّ أنّ الواضح انّ انطلاقة الرئيس ابو مازن لمجلس الأمن ستكون من القاهرة هذه المرة وبدعم غير محدود من نظيره المصري .. كما جرت العادة على مر التاريخ .

الحرب على غزة مستبعدة لكنها ليست مستحيلة , وقد يكون الدم الفلسطيني دافعاً لقوى اليمين الاسرائيلي المتطرف لشن عدوان جديد على القطاع الا انّ حكمة الفصائل الفلسطينية ستمنع ذلك وسير المصالحة بطريقها الطبيعية سيحرف الوجهة الاسرائيلية الدموية بكل تأكيد

الخيار الدارج حالياً وفقاً لطبيعة الطقس "المتجمّد" هو تجمّد الوضع العام وبقائه على ما هو عليه , فحركة فتح المشغولة باجراء انتخاباتها الداخلية والتحضير لمؤتمرها السابع وحماس التي تُحاول الخروج من عنق الزجاجة وفك ازماتها المالية وعلاقاتها الديبلوماسية .. والفصائل الأخرى التي تبحث عن ذاتها , وشعبٌ لا يُفكّر الا بلقمة عيشه وسداد قروضه وديونه .. لا يُمكن بحال من الأحوال التوجّه بالايجاب نحو الهدف الأسمى من قبل الأطراف مجتمعة .. وسيبقى على ما هو عليه حال الشعب الفلسطيني .

الدعوة موجهّة لحركة حماس -التي تنفي دوماً مسؤوليتها عن عمليات تفجير امام منازل قيادات فتح في العشر الأوائل من الشهر الماضي- لإعلان المسؤولين عن عمليات التفجير .. ودعوة أخرى موجهة لقيادة حركة فتح بضرورة الانتباه للمشروع الوطني – كحامية له- والرجاء موجّه لكل الفصائل والشخصيات بمصارحة الشعب المغلوب على أمره ليعرف من دُمّر منزله يوم اللقاء !

التعليقات