إرهاب النمل الأبيض وإرهاب الإنسان

إرهاب النمل الأبيض وإرهاب الإنسان
فاطمة المزروعي  

لا يكاد يمر يوم إلا ويصدمنا خبر عن عملية إرهابية انتحارية راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، ثم نصدم مرة أخرى عندما تقوم تلك الجماعات الإرهابية التي ابتلينا بها ببث مشاهد تظهر ذلك المنتحر قبل تنفيذ عمليته وهو يبتسم! وبحق تستغرب هذا الكم الهائل من التجهيل والتسطيح بل والسيطرة على عقل إنسان لدرجة إقناعه أن يقتل نفسه ومعه العشرات من الأبرياء، لأن الإرهابيين يختارون دوماً المواقع الأكثر ازدحاماً، فعادة تكون العملية الانتحارية في أحد الأسواق أو عند المخابز أو إلى جانب موارد المياه والإغاثة وغيرها، فلا مقاتلين هناك بل أطفال ونساء ورجال مسنون عزل، وبرغم كل هذا يقدم هذا الانتحاري على تفجير نفسه بحزام ناسف فيقتل معه العشرات من الأبرياء فضلاً عن الإصابات الشديدة.

 لطالما كنت اسأل كيف يتمكن هؤلاء المجرمون من غسل دماغ المنتحر وإقناعه بأن يقدم على قتل نفسه ومعه كل هذا العدد من الأبرياء؟! أعتقد أن هناك خللاً بالغاً وكبيراً في العقلية الإنسانية ويجب دراسة هذا الموضوع بدقة من مختصي العلوم الإنسانية بشكل عام. قبل أيام وقعت بيني يدي دراسة علمية قام بها فريق علمي من عدة دول أكدت أن بعض أفراد النمل الأبيض يقدمون على الانتحار لحماية قومهم، وذلك عبر وضع عبوة ممتلئة بسائل لزج سام على الجسم ثم تفجيرها وسط مهاجمين من جماعات أخرى من النمل. هذه الدراسة صحيحة وليست فيلماً كرتونياً، كما قد يعتقد البعض منا، فقد بثت الخبر وكالة الأنباء الألمانية، والتي نقلت التفاصيل من مجلة معروفة في الأروقة العلمية وهي مجلة "بروسيدنجز أوف ذي ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز الأميركية"، حيث وجد الباحثون أنه عندما يتعرض هذا النمل لهجوم من قبل نمل آخر من فصيلة "لابيوتيرمس لابراليس" فإن النمل الأبيض والذي يحمل أكياساً زرقاء يكون أكثر شراسة في الرد، مبتدئاً بالعض، ثم يطلق شحنته المتفجرة ويموت من جراء ذلك. وتبين للباحثين أن السائل الموجود في الأكياس الزرقاء أكثر فاعلية من السائل الموجود في الأكياس البيضاء. وعادة يقوم بهذه العملية الانتحارية لحماية الفصيلة النمل الأكبر سناً وتقدماً في العمر. الذي لفت انتباهي في مثل هذا الخبر العلمي هو العملية الانتحارية التي يقدم عليها النمل الأبيض، ورغم سموها فهم يقاتلون أولاً الأعداء المهاجمين، ثم إذا لم يتمكنوا من التخلص منهم، فإن الأكبر سناً يقدمون على تفجير أنفسهم لحماية الفصيلة، لحماية الصغار والأعشاش ومجتمع النمل بأسره. في عالمنا الإنساني الوضع مختلف تماماً والطبيعة الحياتية منقلبة تماماً، فالذي يحدث مع الأسف وكما نعلم جميعاً أن الذي يفجر نفسه أولاً عادة ما يكونون في مقتبل العمر، ثم إنهم يستهدفون الأطفال والأبرياء والمسنين والمرضى! وقبل هذا وبعده فإنهم يفعلون هذه العملية الإرهابية دون قضية ودون سبب فهم يحملون أكاذيب وهواجس مريضة لا أكثر.

إن تلك النملة البيضاء التي تزهق روحها وهي تدافع عن أعشاشها وصغارها أمام عدوها لا تلجأ لقتل نفسها إلا بعد أن ترى أنها أوشكت على الهزيمة، بمعنى أنها تمسكت بالحياة لآخر رمق، أما هؤلاء المرضى فقد تمسكوا بالكراهية والأكاذيب، فمن بالله عليكم يستحق الاحترام.

 

التعليقات