مهاجر فلسطيني يبحث عن وطن ضائع .. بين الأوطان

مهاجر فلسطيني يبحث عن وطن ضائع .. بين الأوطان
رام الله - دنيا الوطن
 تحقيق عصام الحلبي
الوطن مزروع في وجدان الإنسان، وضميره منذ إطلالته على هذه الدنيا  ، ولا يغادره إلا إذا كانت الظروف قاهرة وفوق إرادته ، وما نشهده اليوم من رحلات هجرة إلى المجهول  يأتي في سياق اشتداد الظروف الصعبة ، والظلم والقهر ، وحتى الموت  الذي يفرض قسرا على  الإنسان عامة وعلى الفلسطيني خاصة   .

 لان كلمة وطن تعني  تاريخ عميق تشكل عبر الاف السنيين، ارض وبحر وسماء، ذكريات شخصية وجماعية، فكر انساني  وهوية وطنية ،وكرامة وعلم يظللها ، تلك العناصر مجتمعة هي الوطن، الذي يضحي الانسان بروحه من اجله .

  محمود العمري شاب فلسطيني في منتصف العقد الثاني لجأ إلى لبنان هربا من الحرب الدائرة في سوريا مع والدته وأخوه احمد وأختين وبقي والده مع اثنين من إخوته في سوريا لا يستطيعون الالتحاق  بباقي أفراد العائلة في لبنان لتعذر سهولة الحركة وبسبب توقف لبنان عن استقبال إي لاجئ فلسطيني قادم من سوريا .

 

 تشهد المخيمات الفلسطينية حركة لجوء نشطة  للخارج قد تكون منظمة من خلفها جهات تستهدف حق العودة والهوية الفلسطينية ، اومافيات تبتغي الربح والاتجار بالبشر ، لكن ورغم هذه العناوين الا ان هناك ظروفا وبيئة مهيئة للمجازفة حتى بالحياة من اجل  البحث عن حياة افضل ، تتوفر فيها الكرامة الانسانية بعيدا عن الاستغلال والقهر والظلم ، تتوفر فيها المستويات الدنيا من الامن والامان على المستوى الشخصي وقد تكون هذه الاسباب من اهم الدوافع التي  ساهمت في هجرة الشباب الفلسطيني .

يقول محمود العمري عن سبب لجوئه من مخيم اليرموك في سوريا الى  مخيم عين الحلوة في لبنان: "لقد هربنا من الاحداث والحرب الدائرة في سوريا والتي طالت أيضا مخيم اليرموك ، أتينا إلى لبنان طلبا للامن وخوفا على افراد العائلة "،واصفا الحياة بالنسبة للاجئيين الفلسطينين اللاجئين من مخيمات سوريا بالصعبة والقاسية جدا، ولا يمكن تحملها ، من حيث غلاء المعيشة وعدم توفر العمل، هذا فضلا عن التمييز والتفرقة  التي بدأنا نعيشها وهذا يزيد أيضا من المعاناة والضغط النفسي.

وأشار إلى المساعدات  التي تقدمها الجمعيات والتي كانت توفر في البداية بعض الأساسيات ولكن هذه المساعدات بدأت في التناقص الى ان اصبحت تعطى بشكل نادر وقليل جدا ،وكذلك  وكالة غوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينين"الاونروا" لم تقم بالدور المفترض القيام به فقدمت بعض المساعدات القليلة وهي اليوم توقفت عن دفع المساعدات المادية والتي هي ايضا لاتسد  ابسط احتياجات ورغم ذلك اوقفتها الاونروا عن 1400 عائلة.

  ولفت العمري الى معاناته من مرض الديسك في فقرت ظهره وحاجته إلى عملية زرع (براغي وسيخ )،   وقد غطت الاونروا تكلفة التصوير الشعاعي وفي حال إجراء العملية فعليه دفع نصف تكلفة العملية  ، ومحمود لا يجد ما يسد به رمق امي واخواتي.

ويعزو الاسباب التي دفعت بأخيه احمد العمري للهجرة الى السويد  نتيجة صعوبات العيش وعدم توفر ابسط مقومات الحياة الكريمة، وعدم توفر فرص عمل.

 أما احمد  هو فنان’ راقص باليه ، ومدرب ومصمم دبكات فلكلورية فلسطينية، كان في سوريا من الفنانين المبدعين في تخصصه ومجال عمله، فابدع وصمم الكثير من الدبكات واللوحات الوطنية الفلسطينية.

  لكن الحاجة لمياء السهلي والدة محمود تقول:" كنت معترضة على هجرة ابني احمد وغيره من الشباب، فهم يعرضون حياتهم للخطر، وقد فقد العشرات ومات العشرات  في الصحراء و غرق آخرون في البحر، وكل أمنيتي أن يلتئم شملنا جميعا ، فزوجي عالق في سوريا مع اثنين من ابنائي لا يستطيعوا الوصول ألينا ، والانضمام لنا فهناك مانع اخر بعد ان توقف لبنان عن استقبال لاجئيين جدد.

واشارت الى تقصير الجمعيات في تقديم المساعدات والتي وصفتها بأنها قد اصبحت شحيحة جدا، والاونروا تضرب عرض الحائط بحياتنا وعلى ما يبدو لا يعنيها ان متنا او عشنا .

وادعو الله ان تروق الامور في سوريا حتى نعود اليها والى بيوتنا فقد كنا كفلسطينين وسوريين نعيش ومرتاحين ، ونعمل ونمارس حياتنا بكل اريحية .

 

 يمكن وصف رحلة الهجرة الغير شرعية لأحمد بأنها " رحلة الموت"، أو أنها رحلة العودة من الموت، فقد  اصيب احمد مرتين  في حالة إغماء أثناء السير في صحراء ليبيا وقبلها ضاعوا في صحراء السودان لكن  العناية الإلهية  التي تدخلت وانقذتهم، وأنقذتهم مرة ثانية بعد غرق القارب الذي كان يقل احمد ومجموعته في عرض البحر بالقرب من المياه الاقليمية  حيث تم  إنقاذهم من قبل ناقلة نفط يابانية ، قبل ان ياتي خفر السواحل الايطالي ويأخذهم ويعاملهم بقسوة كبيرة متناهية،و اليوم  احمد في السويد يعيش في معسكر جماعي وظروف اللجوء أيضا ليست بالمريحة ، ولكن الظلم والقهر والخوف ، والتمييز والعنصرية، وانسداد الافق دفع احمد  كما مع العديد من الشبان  دفعتهم إلى بيع كل ما يملكون والمجازفة بحياتهم في  رحلة الهجرة الى بلاد لم  يسمعوا عنها من قبل  لكن في أسوا الحالات تحافظ على كرامة الانسان وتؤمن له ابسط مقومات العيش.

 وتسائل محمود لماذا لا يتم  لنا تـأمين ابسط مقومات الحياة حيث نحن في الدول الشقيقة المحيطة بسوريا  لحين  تمكننا من العودة الى بيوتنا،  اوان يقوم المجتمع الدولي باستقبالنا في دول تعاملنا بكرامة انسانية، وتقينا ذلك السؤال، والموت على ابواب المستشفيات.

 ويتحدث محمود بغصة كبيرة  نحن لم نختار ان نخرج من بيوتنا ، ولكن هي الظروف اقوى منا واجبرتنا على ذلك ، وهذه الظروف القاسية ، والصعبة هي التي تدفعنا ايضا الى الهجرة والمجازفة بكل شيئ بما فيها الحياة، املا في حياة افضل .

ترفض أم محمود رفضا كليا فكرة الهجرة الى أوروبا مهما كانت الظروف وتعتبر الترويج لها يستهدف القضية الفلسطينية، والهدف منه الغاء حق العودة، وتهجير جديد للشعب الفلسطيني في بيئة  بعيدة كل البعد عن بيئته من اجل طمس هويته الوطنية .

 وتعبر ام محمود الشباب الفلسطيني المضطر الى الهجرة معتقدا  انه  سيجد حياة افضل من الحياة التي يعيشها  في مكان لجوئه القسري البعيد عن وطنه فلسطين وارضه وقريته.

 تقول أم محمود  عن رحلة الموت: "ابناؤنا يموتون في الصحراء وفي عرض البحر، اتفهم مخاطرتهم بحياتهم من اجل الذهاب الى البعيد المجهول، والذي ينبع  من الظلم الواقع عليهم ، ومن الضغوطات التي يعيشونها، ولكن ليست الهجرة هي الحل ، ولا نريد ان نبقى نتنقل من بلد الى بلد كالشحاذين أو العصافير ، دائما مكتوب على الفلسطيني ان يدفع الثمن .

 وتضيف ام محمود  هناك الكثير من العائلات التي تشتت بين سوريا ولبنان وأوروبا ، فبعض العائلات  قسما  من أفراد ها في لبنان والقسم  الأخر في سوريا ، ولا يستطيع الالتحاق بعائلته  لعدم السماح له الدخول الى لبنان، وهناك عائلات ذهب الزوج او الابن في رحلة الهجرة ، رحلة الموت الى أوروبا وانقطعت أخباره ، وبعضهم وصل الى السويد او المانيا وايطاليا ويعيش حياة انتظار في الحصول على الاقامة حتى لو المؤقتة حتى يباشر في رحلة جديدة اسمها الحصول على لم شمل لافراد عائلته ، وهذه القضية قد تطول لسنوات حتى تنتهي  ، ولحين ذلك تبقى العائلة في حياة اكثر بؤسا وقلقا.

 وتصب ام محمود جام غضبها على وكالة غوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينين" الاونروا" التي قطعت المساعدات المالية رغم ضئالتها عن  1400 عائلة من العائلات الفلسطينية المهجرة من مخيمات سوريا الى لبنان،  هذه الوكالة الدولية التي تتنصل من اهم مهامها التي انشأت من اجلها وهي رعاية وغوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينين، فهي مقصرة في الاستشفاء والطبابة والتعليم والاغاثة .

وتؤكد ام محمود في حديثها الى ان كل مؤامرات التهجير التي تحاك ضد شعبنا الفلسطيني  سوف تفشل، سيفشلها وعي الشباب الفلسطيني المتمسك بحقه بالعودة الى وطنه فلسطين، فنحن شعب لا يمكن ان يقهر  تربينا على حب الوطن وعلى حق العودة وهذا ما نربي اولادنا عليه 

التعليقات