الظلم ظلمات

الظلم ظلمات
د ناصر الصوير
أصعب شيء يؤلمني ويتعبني ويزعجني ويؤرقني هو السلوكيات الخاطئة التي نقترفها بحق أنفسنا وتجعل بعض الناس ممن عايش الاحتلال وعمل داخل دولة الكيان الصهيوني يعقد مقارنات بين السلوكيات التي عايشها وشاهدها من أعدائنا خلال عمله عندهم وبين ما نقترفه من سلوكيات مجرمة بحق أنفسنا !!!
والأصعب والأكثر إيلاما أن تأتي هذه المقارنات لصالح أبناء القردة والخنازير !!!
دعني اسرد عليكم بعض المشاهدات للتدليل على ما أقول في مجال واحد وهو العمل والعمال :
* قدر لي أن أسمع مقاول البناء الذي تولى تشييد المبنى الخاص بي وهو يقول في يوم شديد الحرارة لثلاثة من العمال في تمام الساعة السادسة مساءً أي بعد 11 ساعة من العمل المتواصل والمضني والشاق.. سمعته يقول لهم : يا شباب شدو حيلكوا والله اذا اتشاطرتوا وقمتم بصب أعمدة السطح بالخرسانة بروحكم بدري!!! نعم إذا شد الشباب حيلهم وعملوا كمان 5 ساعات على الأقل أي لغاية الساعة 11منتصف الليل سيقوم هذا المقاول المنصف الرحيم بتسريحهم من العمل للبيت بدري مكرمة منه!!!!
* جاءني رجل غلبان مريض ممن أعرفهم وأعرف سوء وضعه ومعه ابنه الذي أجبرته ظروف والده الصحية وظروف عائلته المعيشية على الخروج من المدرسة التي كان متفوقاً فيها جداً ... بادرته مالك يا أبا محمد فبكى الرجل بكاءً مريراً ولم يتوقف فتوجهت لابنه محمد .. ماذا جرى لأبيك ؟ قال محمد بصوت مخنوق: أنت تعلم عمي أبو محمود أنني خرجت من المدرسة قبل 5 سنوات والتحقت للعمل بمصنع(.....)
ومن يومها وأنا أعمل عندي كل يوم ليس أقل من 12 ساعة وأيام 15ساعة وأكثر ... بشتغل خدام لصاحب المصنع وأولاده .. عندما يكون العمل خفيف يستغلوني في أعمال بيوتهم كخادم.. المعلم يشتم والأولاد يشتمون والأحفاد يضربون وأنا صابر علشان الظروف التي نعيشها ... سألته: وماذا حصل ؟!! قال: أرسلني ابن المعلم لإحضار بغض الأغراض من السوق ، واتصل بي ابناً أخر للمعلم يطلبني على عجل فقلت له أنا في السوق لإحضار أغراض لأخيك ، وعندما رجعت محملاً بهذه الأغراض وما كدت انزلها في المصنع حتى انهال عليَ ابن المعلم بالضرب والشتائم أمام المعلم نفسه وطردوني لأني لا أسمع الكلام وأصبحت متمرداً كما قالوا!!! هنا تدخل الوالد بعد أن كفكف دموعه ، وقال: حاولت عدة مرات إعادته لعمله دون جدوى وكأنه ارتكب جريمة كبرى ، ووسطت الكثيرين دون فائدة ، فذهبت إليه أطلب حقوق ابني الذي عمل 5 سنوات متواصلة بدون إجازات أو حقوق حتى يوم الجمعة والإجازة المرضية كانت تخصم من راتبه !! قلت له : وبعدين؟! قال الأب : لن تصدق ، لقد ضربني المعلم وأولاده وسحلوني في الشارع ونفوا نفياً قاطعاً أن ابني عمل عندهم أصلاً !! وقبل أن أساله ماذا بعد ؟ بادرني مضيفاً: ذهبت إلى أماكن كثيرة شاكياً ولكنه اشترى ذممهم بالهدايا والرشى ، فوقفوا معه ضدي وضد ابني ، وليس على ألسنتهم سوى جملة واحدة( ليس معك إثباتات ) قلت له : كم كان ابنك يتقاضي في اليوم ؟ قال 20شيكل!!! بس.. صرخت فقام .. والله بس..
-- سادتي هاتان قصتان من عشرات بل مئات الآلاف من قصص الظلم والتعسف التي يرتكبها أصحاب الملايين بحق من لا يملكون الملاليم !!!
أصرخ : أين ضمائركم يا أصحاب الملايين ؟!! أين إنسانيتكم ؟!! أين ضمائركم؟!! ألا تخجلون عندما تجعلون عدوكم يتفوق عليكم بعدالة المعاملة... ألا تتقون الله في أبناء شعبكم؟!! والله صدق الإمام محمد عبده رحمه الله عندما سئل بعد زيارته لفرنسا مطلع العشرين: كيف وجدت بلاد الفرنجة؟!! فأجاب وجدت روح الإسلام عندهم وجسد الإسلام هنا .!!!! سلام يا وطن !!!

التعليقات