الصراع من أجل التغيير وفق الرؤية الأمريكية

الصراع من أجل التغيير وفق الرؤية الأمريكية
د زهير عابد
يشهد العالم حالياً تغييرات جوهرية وجذرية سريعة ومتتابعة، حيث أصبحت السمة الغالبة على المنطقة العربية هي التغيير دراماتيكي السريع، قد يرجع ذلك إلى التطور التكنولوجي الذي جعل إدارة الدولة بالنسبة للشعوب العربية صعباً، لذا لجأت إلى طلب الحماية من الأجنبي التي أصبحت في نظر الدول العربية هي التي تقرر مصير المنطقة وتخلع من تريد وتعين من تريد، دون الرجوع أو التشاور مع أولي الأمر

وبالنظر إلى منطقتنا العربية فالوضع مخزي ومخيب للآمال فقد وقعت في مصيدة البقر الوحشي الأمريكي، وذلك من خلال خلق منطقة صراع دائم ومستديم لتبقي المنطقة العربية تحت السيطرة الصهيونية العالمية والاستعمار القديم الجديد، فقد جعلوها تقع في دائرة الصراع الذي لا ينتهي. فهي تسعى لجعل المنطقة تخدم مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني بحجة أنه أقرب كيانات المنطقة تطورا وديمقراطية. لاسيما بعض الدول العربية تستجيب إلى مسلسل الأحداث الجارية حيث بدأت في تطبيق المخطط الأمريكي لها، فها هي قد هيمنت على "ثورة الربيع العربي" وبدلتها بـ "صراعات داخلية"، تعبث فيها أمريكا وحلفائها الأوربيون ومن خلفهم!!!

فهي تعمل على إحداث استجابة فورية لدى ثلة من المستفيدين بأفكارها وخططتها من خلال سيطرتها على تكنولوجيا الإعلام، حيث نجحت في تغيير فكر هؤلاء في محاولة لتطويع العقل العربي في المنطقة لصالحها، والزيادة والقابلية للتكيف مع بيئة الصراع الحالية؛ من أجل السيطرة على البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصاد.

وعملت بالذات على جماعات العمل السياسي لعمل غسل دماغ لكي تتبنى اتجاهات متطابقة مع رؤيتها، تحت ذريعة ثقافة العولمة، وهذا ما نلاحظه في تبني البعض للأفكار المستوردة والغربية على الثقافة العربية. فهؤلاء يعثون في الأرض فسادا لا قيم لهم، فهم لا يؤمنون لا بالقومية ولا بالإسلامية، وهدفهم الوصول لتحقيق غاياتهم بأي سبل وبأقصر الطرق فقط.

فالصراع مع الكيان الصهيوني في السيطرة على المنطقة العربية لم ينته. بل هو مستمر ويكن هذا الصراع كل العداء والرغبة في إلحاق الضرر في المجتمع الفلسطيني على وجه الخصوص والمنطقة العربية بشكل عام، فقد استطاع من خلال أعوانه في المنطقة العربية فصل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي، بحيث أصبحت لا تمثل للبعض أي شيء، وانتهت القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة العربية.

فمشهد العدوان الصهيوني على غزة انتهى من وجهة نظر البعض، في حين الواقع يقول عكس ذلك، فمازال الحصار يطبق على كل أفراد المجتمع الفلسطيني لا يميز بين طفل وشيخ، أو معافى أو مريض، فهي تتفنن في تعذيب الشعب الفلسطيني على مرأى من العالم أجمع، دون أن نسمع إدانة أو حركة تندد بأفعال إسرائيل القذرة في تهويد القدس، فهي تمارس صراع مستتر وغير محسوس لمدركات هؤلاء المتهافتين على إرضائها وكسب ودها، فهي خلقت صراع داخلي وأججت الانقسام وعمقته من خلال وجود الصراع بين حركتي فتح وحماس على السلطة في غزة، لكي تفرغ القضية الفلسطينية من مضامينها وتبقى تدور في دائرة مفرغة، تخرج الشعب الفلسطيني من صراع حتى تدخله في صراع أعمق وأشد خطورة من سابقة.

فها نحن نكيل الاتهامات لبعضنا البعض في عدم إتمام المصلحة دون البحث عن المستفيد الحقيقي من هذا الصراع غير المفيد للشعب الفلسطيني وفقط يفيد الصهيونية وأعوانها في المنطقة، حتى خرجنا من طابور كابونة التموين إلى كابونة كيس الاسمنت، إلى حصار محكم من جميع الجوانب، فقد دمرت الأنفاق التي كانت تمثل أحد مصادر الموارد المهمة بالنسبة لأهل غزة، من خلال خلق منطقة صراع بين الدولة في مصر والمتطرفين في سيناء.

فالصراع الذي يسعون إلى إقامته صراع هدام في قيمه وأهدافه الانعزالية عن العالم والإضرار بالشعب الفلسطيني وأهله؛ حتى يؤدي في النهاية إلى انهيار الشعب الفلسطيني والكف عن المطالبة بالأرض والاكتفاء بالمطالبة بكيس الإسمنت. بل الأدهى والأمر أن هذا الصراع خلق ظروف مواتية للفساد بأنواعه ومجالاته ومن أهمها الفساد الأخلاقي والمالية والمحسوبية والواسطة التي بلغت أوجها في مؤسسات المجتمع. فهم لا رقيب ولا حسيب لهم. وللأسف لم يحن الوقت ليخرج لهم من يقوى على الصراخ ويقول كفى ظلما وفسادا في هذه الشعب. ليستمر الصراع على حساب المصالح العامة للمواطن الغلبان، حيث انحسرت القيم حتى عند ممن يدعون بالإيمان.

وبالنسبة لنا في فلسطيني يتطلب من الفصائل الفلسطينية موقف جريء وحازم في رص الصفوف والإبتعاد عن المصالح الحزبية الضيقة والبحث عن مصلحة القضية والشعب الذي يئن تحت وطئت الاحتلال والحصار الذي جعل الشعب في عنق زجاجة الانقسام، والحل هو حكومة وطنية تتواجد فيها جميع الفصائل بحيث تكون قادرة على اتخاذ القرارات، وتتبني سياسة واضحة بالنسبة للكل الفلسطيني. في إطار مشهد وطني حقيقي وصدق الله العظيم في قوله: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ".

بقلم الدكتور/ زهير عابد

24/11/2014م

التعليقات