حلم صار مشنقة

حلم صار مشنقة
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل(

ليل جميل نبيل يتعطر بضوء القمر ، وينام في حديقة النجوم ، نخيل إلى الأعلى يرتفع ، غيوم مسافرة كالموج ، وبحر يعلو ويهبط ، بحر سيحمل المسافرون المهاجرون الفرحون الحالمون الذاهبون نحو الغامض الغامض ، هناك كانت بلادي !! بلاد كنا معها نتعايش ونعيش بفرح حزين ؟! بلاد صارت عقاب الله فينا ، سلام أيتها البلاد الضحية ، وداعا نحو البحر للرحيل إلى أغنية بعيدة ، لنلمس الحرية لأول مرة ، فافتح يا بحر الطرق للهواء و للخطوات .
طيور عابرة تبحث عن خبزها وتغني للجرح ، انتظريني يا بلادي الأسيرة ، سأعود بعيدا جدا ، لأحفر في ترابك موطئا للروح ، فأنا من جيل الحصار و الرحيل .
قتلى شهدنا قتلنا ، جرحى رأينا الفارس المغوار يغرس الخنجر في ظهر أخيه ، ثم يصلي ويطلب المغفرة !! لهم حق القتل وعلينا حق الموت ، و القاضي له شرعية الظلم !! والجلاد له حق سماع صوت دمنا !! و المشاهدون لم يجففوا دمنا العاري !!
أحبك يا وطني ، إني خُلقت لكي أحبك ، فافتح كل أبوابك لتضمني لأشفى بك منك ، لا تدع بابا واحدا مغلقا ، أعطني حصة ولو صغيرة منك ، أعطني حصة صغيرة من حصادك الغزير لأصنع خبزا لعشاقك ، امنحني فرحا صغيرا على رقعة ضيقة !! أنا أرحل عنك يا وطني !! يبعثرنا الرحيل بريحه كالورق ، نحمل مصرعنا وخزائننا الوضيعة وذكرياتنا الخصبة وعنبنا المعذب على عجل ، بعد أن ضاع يا بلادي الدليل ، بين بلادي وعيوني بحار وصحار .
( ضاق الطريق
ومن خطاك الدرب يبدأ يا رفيق
محاصر بالبحر والكتب المقدسة )
لا أفهم كيف حدث الفراق بيننا أكثر من مرات !! وتُركنا تائهين بين الموانئ والطرقات ، تائه بين الأزرقين سماء وماء ، بحر فوقي ، وبحر يهاجمني من تحتي !! من يعيدني لبلادي ليهدّأ الصخب في دمي ؟! كبير هذا البحر يا بلادي وصقيع هذا الشتاء ، ضمدني دفئني يا وطن بلا حصار .
( لا أحد
لا أحد ...
وليكن هذا النشيد
خاتم الدمع عليكم كلكم يا أصدقائي الخونة )
لم يسمحوا لي بالمرور ، فتعبت واتكأت على الموج ، دقت ساعة البحر ، جُنّ البحر ، من ينقذ البحر من الجنون ؟! ما بك يا بحر ؟؟! ارحمنا أيها البحر و انقذنا من وحش الحصار ، أغلق نوافذ التوابيت ، أرجئ الغرق و لو إلى حين ، أنقذنا يا بحر يافا ، يا بحر غزة !! يا دهشتنا من بحر موسى ، بحر المعجزات ، لقد اعتدنا أن نطفو عليك وقت الرحيل ، نحن أصدقاء !! دار علينا البحر واستدار ، فهل يخون ؟! البحر يصعد فوق نحو السماء !!
موج أزرق وفرح أسود ، البحر يبعثر الأحلام ، حلم كالعسل مر يلعقني ليقتلني بلا رحمة ، لا شيء هنا لا شيء سوى الماء ، ماء يولد من ماء ، أمواج تشرب البحر !! نظرت في كل الجهات ، فلم أجد سوى صورتي في الماء تذوب ، صرخت وحدي وطفلتي ، أنا وحدي في صحراء الصمت والماء مع صورتي وطفلتي ، صورتي وصرختي ، صرختي وحيدة وبعيدة ، أدور حول طفلتي وحدي يا أمي ، يا وطني ، يا ضفيرة طفلتي ، يا غريب أنت وحدك ولا أحد ، انكسر الصراخ وذاب في الماء ، وأدركني حصار الموج ، أفرغت آخر الصراخ في الماء ، بحثت عن جثتي في ملابسي ، و أحلامي تبحث عني بين الموج و الزبد ، من يحمل أحلامي الصغيرة الثقيلة بعدي!! يكتمل التيه بقبر في الماء وضفيرة طفلتي شاهده ، والجثث موائد في البحر !! جثة طفل تشهد أن العشاق مروا من هنا ، وناموا هنا وماتوا هنا ، ثم صاروا كلمات وذكريات ، توجوا البحر بإكليل الجثث ، بلغ سلامي للذين أحببتهم و لأول الأحبة ، قتلنا على مرأى الموانئ و المنافي ، فهل يمتصنا النسيان ؟! رحلنا وتركنا ظلنا و أحلامنا ، فهنا احترقت مراكبنا وطارت خيمتنا مع الريح ، وتعانقت أذرعنا ، نادينا فارتد الصدى وحدكم و البحر !! لن نترك البحر حتى يمر الحصار فوق جسر أعناقنا ، والحلم نعلقه على جدران القمر !!
تحلق النوارس البيضاء فوقنا تلتقط أحلامنا ، عودي يا نوارس بأحلامنا إلى وطن فقدناه وفقدنا !!
هل أخطأنا أيها الميتون ؟!! هل كفرنا بكم يا أصنام ؟! سافرنا و لم نرجع ، لكننا سنولد يوما من جديد ، ، تمهل يا حلم المنفى فسنعود من جديد و من حديد ، تمهل فسوف نكسر أقفال الحصار !!
( فقالوا من اللاجئين.. كفرتُ
وهل ثم أرضٌ تسمى لجوءاً لنُدفن فيها
وهل في التراب كذلك
مقبرةٌ أغنياء.. ومقبرة فقراء
تلفتّ في ظاهر الشام أبحثُ عن موضع
لا يمتُّ لغير منابعه
ندفنُ الطفل فيه
وقد دبَّ فينا المساء
وكان على كل أرض نظام الحوانيت
يتبعنا في الغروب
وكان يُشارُ لنا: غرَباء
وحين دنونا لمقبرة ليس من مالكين لها
جعجع الحرس الأموي بنا: فُرزت للخليفة
صحت بل يفرز الخلفاء!!
وكان نسيم الطفولة ينضحُ مما شقوق الجنازة
بين المخيم والشام تنصت أين اللقاء
جنازة من هذه؟ ولماذا بلا وطن؟
 

التعليقات