صرخة مجنون بالضفة

صرخة مجنون بالضفة
بقلم :عبدالله عيسى
رئيس التحرير


حدثني صديق من الضفة فقال : عندما كنت تلميذا في المرحلة الابتدائية في إحدى قرى الضفة الغربية وكنا عندما نخرج من المدرسة ظهرا نتوقف في الشارع و نصرخ  يا مجنون و هذه الصرخة موجهة لرجل مجنون يسكن على سفح جبل مقابل للمدرسة التي بنيت على جبل ايضا و كانت المسافة بين المدرسة و بيت الرجل المجنون شاسعة و هي تقع بين جبلين و يحتاج من يريد قطع هذه المسافة لوقت طويل .

و كان الرجل المجنون يرد على صراخنا بصرخة مدوية بدون كلام فنهرع هاربين إلى بيوتنا جريا خوفا من أن يلحق بنا ذلك الرجل المجنون .

هذا المشهد كان يتكرر شبه يوميا و كان من اللهو البريء لتلاميذ في المدرسة .

و اذكر أنني عندما وصلت مرحلة الثانوية العامة و غادرت قريتي إلى دولة عربية لإكمال تعليمي الجامعي لم  ادخل حتى ذلك الوقت مطلقا الحارة التي يسكنها الرجل المجنون خوفا منه حتى أن الأمهات في تلك القرية كن يخوفن أطفالهن بالمجنون .

ودارت الأيام و السنوات وذات مرة وإذا بأحد الأشخاص من تلك القرية اللذين اعرفهم يحدثني عن أحوال القرية بشكل عام فقال لي ـن المجنون قد توفي وهو رجل مشلول فقلت له هل أصابه الشلل ذلك الرجل المسكين فقال لي : انه مشلول منذ صغره و اخرس لم يكن يتكلم و كان يصرخ فقط .

فبهت من كلامه و كان حديثه صدمه لي فقلت له : لقد كنا صغارا نخاف منه أن يلحق بنا فيضربنا فنهرب جريا إلى بيوتنا و كانت المسافة بيننا و بينه جبلين يحتاج من يقطع المسافة إلى اكثر من ساعة.

الحقيقة أنا صدمت من أنني طوال حياتي في تلك القرية وأنا أخاف من أكذوبة فالرجل كان مقعدا يزحف في بيته زحفا و اخرس لا يتكلم .

( انتهى حديث الصديق ).

و الحقيقة أن القصة التي رواها هذا الصديق غريبة فالخوف المرضي من أكذوبه , وكان الرجل عاجزا مشلولا يزحف في بيته زحفا وأيضا كان اخرسا لا يتكلم ورسم حول نفسه هالة من الصراخ و خوف كل أطفال القرية ولم يكن باستطاعته إيذاء احد .

و تذكرني هذه القصة بالخوف المرضي الذي انتاب الدول العربية من إسرائيل و بانها قادرة على تدمير أي دولة عربية  في أي وقت حتى أن معظم الأنظمة العربية على مدى عشرات السنين الماضية تخشى إسرائيل و ترى أن مواجهة مع إسرائيل هي نهاية لأي دولة عربية و نجحت إسرائيل في رسم هالة مخيفة حول نفسها حتى اكتشف العرب أن دولة إسرائيل هي أكذوبة و فقاعة و هي اضعف من أن تواجه أي دولة عربية و ذلك في حرب تموز اللبنانية عام 2006 التي خاضها السيد حسن نصر الله ثم تكشفت الحقيقة المرة مرة أخرى في حرب تموز الفلسطينية عام 2014 والتي امتدت لمدة 50 يوما و استطاعت المقاومة الفلسطينية بغزة أن تتجاوز كل الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل منذ عشرات السنين و قصفت تل أبيب و حيفا و القدس الغربية بكل سهولة و يسر و ووقفت إسرائيل عاجزة  تماما عن مواجهة الصواريخ  الفلسطينية و أرها تشبه قصة ذلك المجنون العاجز الذي خوف أطفال القرية على مدى سنوات طويلة و كان مشلولا لا يستطيع إيذاء احد ولكنه رسم حول نفسة هالة مخيفة كما فعلت إسرائيل فهي بالحقيقة عاجزة مشلولة ووضعتها المقاومة الفلسطينية بغزة بحجمها الحقيقي و لكن إسرائيل و بدعم أمريكي و بمساندة من بعض الدول خاصة بعض الدول العربية اتخذت قرارا بأن لا تخرج المقاومة الفلسطينية بغزة منتصرة بهذه الحرب و فعلا تكاتفت إسرائيل وأمريكا والدول العربية لمنع المقاومة الفلسطينية من الحصول على أي مطلب في نهاية الحرب و جرى تشويه حرب تموز الفلسطينية التي خرجت منتصرة من تلك الحرب عسكريا و لكن وضعوها بصورة الخاسرة سياسيا , كل التآمر الدولي على المقاومة الفلسطينية بغزة أخرجها في الحقيقة خاسرة سياسيا ولكن لم تستطع تلك الدول أن تخرجها خاسرة عسكريا فقد نقلت كل تلفزيونات العالم و المواقع الإلكترونية صورا للمقاومة الفلسطينية بغزة وهي تقصف العمق الإسرائيلي بينما تقف إسرائيل عاجزة عن مواجهة المقاومة الفلسطينية فقررت إسرائيل في نهاية الحرب و كعادتها بكل الحروب استهداف المدنيين و تدمير المنازل على رؤوس أصحابها فارتكبت المجازر و سحقت أحياء بقطاع غزة مثل الشجاعية و دمرتها تدميرا كاملا و قصفت أبراج سكانية و دمرتها في محاولة يائسة للتغطية على نجاح المقاومة الفلسطينية في قصف تل أبيب .

لقد قامت المقاومة الفلسطينية بغزة بتوجيه رسالة إلى كل الدول العربية بان إسرائيل هي أكذوبة و عاجزه وأنها لا تستطيع مواجهة مقاومة فلسطينية لا تمتلك إلا قليلا من الصواريخ و محاصرة حصارا كاملا و تهرب أسلحتها بشق الأنفس .

لقد أعطت حرب تموز الفلسطينية درسا لكل الدول العربية و كذلك لحزب الله في لبنان فتغيرت الصورة  و أعتقد أن الدول العربية جميعها ترى الآن إسرائيل كأكذوبة و فقاعة وان الدعم الأمريكي لإسرائيل هو الذي جعلها طوال السنين واقفة على قدميها و رسمت حول نفسها هالة مخيفة مثل فزاعة الطيور في المزارع أو مثل ذلك المجنون الذي تحدثنا عن قصته حتى أن إسرائيل كانت تضغط و تلح على الدول العربية للتدخل لدى المقاومة الفلسطينية في غزة كي توقف إطلاق الصواريخ .

أتمنى على اسرائيل و قيادتها ان تدرك الآن أن السلام مع الشعب الفلسطيني و إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو الحل الوحيد كي تعيش اسرائيل و شعبها بأمان لأنه من الآن فصاعدا إذا لم تلتزم إسرائيل بتحقيق السلام العادل و الشامل فقد أصبحت مهددة تهديدا خطيرا من المقاومة الفلسطينية بغزة و حزب الله و سوريا وربما دول عربية اخرى يمكن ان تفتح جبهات و حروب يدفع ثمنها الشعب الإسرائيلي الذي يتطلع الى السلام مثل أي شعب بالعالم وامام نتنياهو فرصة تاريخية كي يحقق السلام العادل و الشامل .

 

التعليقات