المغرب: تحفيز التنمية البشريّة من خلال الحفاظ على التراث الثقافي

رام الله - دنيا الوطن
د. يوسف بن مئير
 يُشاد بالمغرب اليوم باعتباره حصنا ً للإستقرار في فترة من الزمن وفي منطقة ٍ مضطربتين. وفي حين أنّه يتعذّر التنبّؤ بالمستقبل، غير أنّ هناك بالتأكيد عوامل محدّدة قد ساعدت في التوصّل لهذا الوضع الهامّ. 
 
ثلاثة من هذه العوامل معروفة جيّدا ً وهي: جهود المملكة في التشارك لتعزيز التنمية البشريّة، عمليتها للامركزيّة السلطة وجهودها المخلصة لتحقيق العدالة الإجتماعية، أي لأؤلئك الذين كانوا ضحايا سياسيّة وللنساء اللواتي حرمن بشكل ٍ منهجي من أهمّ الفرص الأساسيّة في الحياة. 
 
الإحتفال بالتنوّع الثقافي:
هناك، على أية حال، نموذج مغربي آخر يستحق اهتماما ً وثيقا ً – وبالتأكيد نسخه – داخل وخارج حدوده. فالمغرب يُحظى بثقافة من نوع ٍ خاصّ منقولة من تاريخه ووضعه الجغرافي وهذه مميّزة بالتنوّع العرقي والديني وبالوحدة فيما يتعلّق بالعلاقات ما بين المجموعات المختلفة. ونهج قيادته في تشجيع وحفظ والإحتفال بهذه الثقافة ليس المقصود منه أن يكون هدفا ً بحدّ ذاته، بل الهدف منه أيضا ً تعزيز التنمية البشريّة للسكّان. 
 
التحديات الريفيّة المغربيّة:
يعاني المغرب، وبالأخصّ مناطقه الريفيّة، من التحديّات الناتجة من الفقر الناشىء عن تطبيق أنظمة معيّنة متأصّلة في ممارسات زراعة الكفاف، مثلا ً تلك الأساليب والأنظمة المتعلّقة بزراعة الشعير والقمح التي تشكّل فقط ما بين 10 – 15 % من الإيرادات الزراعيّة ولكنها تحتلّ 70 % من الأراضي الزراعيّة. 
 
فكيف يخلق فعلا ً تعليم وتثقيف الشباب المغربي بثقافته العريقة والفريدة من نوعها تنمية مستديمة ويوفّر مدخلا ً مباشرا ً لتحقيق ازدهار واسع ؟  فيما يلي مثال على ذلك:
 
دمج الثقافة والتنمية البشريّة – مساهمة الجالية اليهوديّة في المغرب
تُعتبر زراعة أشجار الفواكه من المكوّنات الأساسيّة لأيّة خطّة أو برنامج يهدف إلى إنهاء زراعة الكفاف. ومع طلب العائلات الفلاحيّة المتزايد على الأشجار التي يرفع الآن سعرها بشكل ٍ كبير، فقد كرّس المغرب نفسه لإنتاج عدّة مليارات من الأشجار من خلال مخطّط المغرب الأخضر ومبادرات أخرى. ونتيجة لذلك، فقد زاد الطلب أيضا ً على الأراضي الصالحة لإنشاء مشاتل محليّة بشكل ٍ لا يُصدّق. 
 
وخلال هذه الفترة – وكمبادرة ثقافيّة قبل كلّ شيء، فقد أطلق جلالة الملك محمّد السادس مشروعا َ قارب الآن على الإنجاز للحفاظ على مقابر الوطن، الأمر الذي فتح نافذة ً على فرصة تلهم الجالية اليهوديّة في المغرب على خلق سلّة خبز حقيقيّة من أراض ٍ خالية صالحة للزراعة تقع بجوار هذه المقابر، وذلك لمن هم بحاجة أكثر لها من الشعب. 
 
كان هناك وجود يهودي مهمّ في هذا الجزء من شمال إفريقيا منذ حوالي ألفي عام (بالرّغم من أنّه قد تقلّص الآن بشكل ٍ جوهريّ في القرن الماضي بحيث أصبح اليوم مع الجالية المسيحيّة أقلّ من واحد بالمائة من إجمالي عدد السكّان). وهناك حوالي ستمائة (600) موقع مقابر وأماكن مقدّسة معزولة وضع فيها رجال ونساء يهود صالحين ليرقدوا بسلام عبر قرون ٍ من الزّمن.
 
وبالتالي فقد تشاركت الجالية اليهوديّة في المغرب مع مؤسسة الأطلس الكبير، وهذه مؤسسة مغربيّة – أمريكيّة غير حكوميّة، للعمل مع مجتمعات فلاحيّة مجاورة، محرومة اقتصاديّاً ، من العرب المسلمين والأمازيغ. 
 
تُقرض الأرض للمؤسسة لفترة خمسة أعوام عادة ً لإنشاء مشاتل أشجار فاكهة وأصناف متنوعة من النباتات الطبيّة التي تنمو بشكل عضويّ بدون استخدام مبيدات. وأول هذه المشاتل أنشئت خارج مدينة مرّاكش بجوار قرية تسمّى أقريش بالقرب من قبر الحاخام رافائيل هاكوهين. هنا تنمو 50.000 شتلة تين ورمّان ولوز وليمون وسيتمّ توزيعها قريبا ً مجّانا ً لأسر الفلاحين المحليّة. 
 
احتفلت مؤسسة أطلس الكبير في مطلع عام 2014 بزراعة الشجرة المليون في المغرب. واقترضت في الوقت الحاضر الجالية اليهوديّة جنبا ً إلى جنب مع المؤسسات الحكوميّة والجامعات والمدارس والبلديات والجمعيّات التعاونيّة وجهات خاصّة عشرة بالمائة بالكامل من إجمالي مساحة الأرض المستخدمة في الوقت الحاضر. يوجد في الوقت الحاضر خمسة عقود مبرمة مع الجالية اليهوديّة في مراكش – الصويرة وقد عُرض اقتراح جديد لتوسيع المخطط ليشمل جميع أرجاءالمملكة.   
 
وعلى ضوء نتائج المخطط التجريبي في قرية أقريش، فإنّ هذا المشروع مع الجالية اليهوديّة لوحدها، إذا اتخذ على نطاق وطني، سينتج مئات الملايين من الأشجار والنباتات التي نحن في أمسّ الحاجة لها لكي نتغلّب على العبء الثقيل المتمثّل في الفقر الريفي. 
 
التعليم يؤدي إلى التنمية البشرية
ولإتمام الدورة، فإنّ مؤسسة الأطلس الكبير نفسها تعلّم وتثقّف الشباب المغربي حول تنوّع ثقافته. وأبرز مثال على ذلك هو في الصويرة التي أنجز فيها حديثا ً مشروع لترميم المقابر التاريخيّة لثلاث مجموعات دينيّة موجودة في المدينة، وهم المسلمون والمسيحيّون واليهود ووضع تحت تصرّف الشباب المحليين لحلقات تعليميّة – تثقيفيّة خاصّة. وبصرف النظر عن الفائدة الثقافيّة الواضحة، فقد كانت هذه فرصة لفتح أعين وقلوب وعقول جيل ٍ جديد على القدرة العمليّة لمساحات صغيرة من الأراضي الإحتياطيّة الشاغرة. 
 
علاوة ً على ذلك، تفيدنا الخبرة بأنه في حين النشاطات بين مختلف الأديان والتربية الثقافيّة هي عناصر أساسيّة لعمليّة تهدف للسلام والإستقرار، فإن هذه النشاطات عندما تؤدي للتنمية البشريّة تكون الأهداف النهائية قد تحققت. 
 
يتحلّى ملك المغرب والشعب المغربي بالشجاعة. دعونا نأمل بأن أعمالهم ونشاطاتهم لا تتحقّق فقط في المغرب لوحده، بل تصبح المعيار في منطقتهم المتنازع عليها، وما وراء هذه المنطقة أيضا ً. 

التعليقات