"الإرهاب" والشرق الأوسط

"الإرهاب" والشرق الأوسط
 بقلم: الدكتور عصام الخضراء

طبيب فلسطينى مقيم فى النمسا


تعود جذور الإرهاب إلى أجندة الثورة الفرنسية عندما وصلت سلطة روبسبير المرعبة إلى الذروة ولكن في الوقت نفسه إلى نهايتها. فقد قام روبسبير بإعدام معظم المناوئين للثورة في عام 1794. ثم ما لبث أن انتقل الإرهاب إلى روسيا في القرن العشرين، حيث تابع ستالين مسيرة روسبير، وبدأ بالإطاحة بقادة الثورة البلشفية تحت مسمى "العنف الثوري". وبعد أن تمكن ستالين من الإطاحة بتروتسكي بدأ بالتخلص من رفاق لينين الواحد تلو الآخر إضافة إلى تهجير ملايين الفلاحين ومن ثم القضاء عليهم مما عرف آنذاك بـ (الكولاك).
ولم يتوقف الإرهاب الستاليني عند هذا الحد، بل استتبعه أيضا بمحاكمة رجالات الثورة ومعظم مثقفي ومنظري الشيوعية. وعندما سأل أحد القادة الشيوعيين الفرنسيين ستالين إذا ما كان يفضل أن يتبعه الناس عن قناعة أم عن خوف أجاب:"أن القناعات في طبيعتها متقلبة وقابلة للتغيير أما العنف فهو واحد ".
وقد لعب الإرهاب دورا كبيرا في الحركات الثورية وقد تجلى ذلك في أبرز مظاهره التنظيرية والفكرية في الصراع ما بين كارل ماركس وفريدريك إنجلز من جهة وميخائيل باكونين من جهة ثانية، وذلك عندما شدد الأخير على ضرورة تحطيم مؤسسات الدولة في الوقت الذي كان يطالب به ماركس وإنجلز بضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولية مبدئيا بهدف تسخير أجهزتها لخدمة الثورة ومن ثم الانقضاض عليها لاحقا بعد أن يتم النصر للبروليتاريا بامتلاكها لجميع وسائل الإنتاج. هذا حسب ما جاء في كتاب تروتسكي "الإرهاب والشيوعية" كما جاء في كتاب لينين " مرض الطفولة اليسارية". 
ولم يتمكن كل من ماركس وباكونين من الاتفاق على إستراتيجية موحدة في هذا الشأن فبينما كان كارل ماركس يعتمد على أنصاره في ألمانيا، اعتمد باكونين على مجموعات الأنصار من الاشتراكيين ، في كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ، إلى أن تم له تأسيس التحالف الذي أشرف عليه شخصيا، كما ظل أنصاره في أوربا مخلصين لمنهجه سواء تحت اسم منظمة" الألوية الحمراء " في كل من ألمانيا وإيطاليا ، أو تحت مسمى منظمة"العمل المباشر "في فرنسا.
قفي مقال نشر عام 1985 في مجلة فصلية "العالم الثالث" كتب المفكر الإفريقي علي مزروعي يقول:"إن الإرهاب ما هو إلا ضرب من ضروب العنف الذي يمارس إما من قبل الحكومات أو الأفراد، فكلاهما يجيز العنف بغرض الوصول إلى أهداف سياسية، وهو يمارس أيضا، للفت الانتباه عندما تفشل الوسائل الأخرى للتنبيه إلى مأساة ما".

وربما هذا ما دفع الفلسطينيون إلى القيام بعمليات تنتمي إلى هذا النوع من الإرهاب لأهداف سياسية أيضاً، وذلك عندما دشنوا عمليات خطف الطائرات في مطلع السبعينات وذلك بقصد التنبيه لمأساتهم، إلا أن هذه المنظمات تراجعت في النهاية عن ممارسة مثل تلك العمليات، عندما أدركت حجم الضرر الذي لحق بالقضية الفلسطينية من جرائها، وقررت التخلي نهائيا عن هذا الأسلوب.
ولا يمكن معالجة الإرهاب كظاهرة عالمية دون التقدم لمعالجة جذوره ومسبباته. فقد لجأت حركة التحرير الأيرلندية في كفاحها من أجل الاستقلال إلى استخدام كافة أشكال العنف الذي بدأ بالتراجع بعد نيل أيرلندة استقلالها عن بريطانيا في عام 1919 والذي توج آنذاك بانتخاب أول رئيس لها (ايمون دي فاليرا)والذي قاد قبل ذلك منظمة "الشين فين" التي خاضت العمليات المسلحة ضد البريطانيين. وكذا الأمر بالنسبة إلى كينيا وحركة "الماو ماو" الإرهابية التي أرهقت البريطانيين إلى أن تم إطلاق سراح الزعيم الوطني كيناتا من السجن ليصبح أول رئيس لجمهورية كينيا في عام 1963 لدى نيلها استقلالها.
وربما تختلف التجربة في هذا الخصوص بعض الشيء في الشرق الأوسط. وذلك عندما لعبت الديمقراطيات الأوربية دورا مثبطا باختيارها الوقوف إلى جانب إسرائيل انطلاقا من عوامل شتى وفي مقدمتها عامل تأنيب الضمير نظرا لما لحق باليهود على يد القوات النازية الأوربية أو بهدف إيجاد حلول للمسألة اليهودية وعدم رغبة هذه الديمقراطيات بعودة اليهود إليها. وأنه على الرغم من جميع اتفاقات السلام المبرمة بين إسرائيل والدول المجاورة لها كمصر والأردن، فإن هذه الاتفاقات لن يكتب لها الاستمرار ما لم يتم الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه وما لم تتخلى إسرائيل عن سياستها التوسيعية والاتجاه للاكتفاء بحدودها وما لم يتم التخلي عن سياسة التنكيل اليومي الإرهابية بالفلسطينيين.

إن الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم من قبل إسرائيل، لا بد وأن يقابله استعداد الفلسطينيين لإقامة دولتهم على أسس حداثية وعصرية جديدة.

وهذا يتطلب منهم بذل كافة الجهود من أجل الذي يبدأ بمحاربة الفساد المتفشي في كافة مفاصل السلطة الفلسطينية والعمل بهمة ودأب من أجل بناء قاعدة مادية واقتصادية تقوم على فتح المجال لأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في المناطق الفلسطينية من أجل إعادة إعمارها وإعادة الاهتمام بالعملية التعليمية والتعامل مع روح العصر من خلال الاهتمام بدور البحث والمعاهد العلمية والتقنية وإيجاد فرص العمل المناسبة للكفاءات الفلسطينية الموزعة والمشتتة.

كما أن الاهتمام بتوحيد المجتمع الفلسطيني على أسس عصرية هي من أولى المهام التي تنتظر صانع القرار الفلسطيني. فالضرورة تحتم العمل الآن وأكثر من أي وقت مضى، العمل من أجل الوحدة الوطنية وإزالة كل عوامل التفرقة والتمزق التي أضعفت الفلسطينيين. أن العمل بمثل هذا التوجه هو وحده ما سوف يساعد الشعب الفلسطيني على تقرير مصيره فإما أن تختار البقاء في إطارها الصغير وإما أن تنخرط في إطار مشروع سوق اقتصادية شرق أوسطية تستطيع أن تلعب فيه دورا مميزا من خلال كوادرها العلمية وهو الدور الشبيه بالدور الذي لعبته دولة لوكسمبورغ في السوق الأوربية.

التعليقات