نهاية أسطورة الإخوان المسلمين

نهاية أسطورة الإخوان المسلمين
بقلم : عبدالله عيسى
رئيس التحرير

انتهت أسطورة الإخوان المسلمين قبل أن تبدأ بعد سقوط نظامهم في مصر و خسارتهم في الانتخابات بتونس و كذلك في ليبيا و تراجع المد الإخواني في العالم العربي و عودته إلى سيرته الأولى بحركة سرية ملاحقة و مطاردة في كل مكان .

على مدى ثمانين عاما لم يحاول الإخوان المسلمين الاستيلاء على الحكم في أي بلد عربي بالقوة ووضعوا استراتيجية للوصول إلى الحكم تتمثل بأن تنصب جهودهم على إصلاح القاعدة الشعبية بحيث تصل الأمور إلى مرحلة بان يطالب الشعب بالحكم الإخواني.

80 عاما منذ تأسيس حركة الإخوان في مصر حتى الآن جرى في النهر مياه كثيرة و لاحقت الحركة اتهامات بين فتره وأخرى في معظم الدول العربية تارة استخدامهم العنف و الاغتيال في عهد جمال عبد الناصر و خيوط خفية بينهم وبين جماعات تكفيرية وكان آخرها الاتهامات التي وجهت لحركة الإخوان المسلمين و الرئيس محمد مرسي بعد سقوط نظامهم على يد ثورة شعبية عارمة فاقت قوتها و حشدها ثوره 25 يناير في مصر .

قبل سقوط نظام مرسي بدأ مد إخواني كبير و عارم يتحرك سرا و علنا من المغرب العربي وصولا إلى سلطنة عمان وأصبحت مسألة اندلاع ثورة شعبية إخوانية عارمة في معظم الدول العربية مسألة وقت لا أكتر مستمدة قوتها من نظام محمد مرسي الذي كان يعتقد بتصدير الثورة إلى الدول العربية في حين أن نظام راشد الغنوشي في تونس يتريث و يتعامل بعقلانية مع هذا الموضوع على اعتبار انهم في المرحلة المكية و عندما ينتقل إلى المرحلة المدنية يبدأ الجهاد و تصدير الثورة و قد ابلغوا ذلك صراحة للشيخ وجدي غنيم الداعية المصري الذي زار تونس و ألقى محاضرات عديدة وأثار زوبعة كبيرة و كشف عن حجم التناقض بين سياسة الأخوان في مصر وسياسة الأخوان في تونس .

زيارة الشيخ وجدي غنيم إلى تونس من المهم أن نتوقف عندها طويلا فقد كشفت عن تناقض كبير بين الإخوان بتونس و الإخوان بمصر واختلاف الواقع في مصر و تونس حيث أن حركة الإخوان بتونس ترى أنها جاءت في واقع لا يمكن أن تتخطاه نظرا للتغريب الذي عاشته.

و حسب الشيخ عبد الفتاح مورو يتطلب أن يكون هناك تعايش بين الأخوان و الواقع و ما يصح في مصر لا يصح في تونس وأن حركة الإخوان في تونس لا تستطيع أن تتنكر لهذه القوة اليسارية التي وقفت معها عندما كانت حركة الإخوان في السجون .

مجرد أن طرح الشيخ وجدي غنيم أفكاره في لقاء جماهيري وأعلن فتوى تحريم الديموقراطية وأن الإسلام يمنع مشاركة المرأة في بعض الأمور و الوظائف و تهكم على مذيعات قناة الجزيرة ووصفهن بالميوعة وأن صوت المرأة عورة .. تجمع المئات من اليساريين خارج مقر الندوة و حاولوا اقتحام المكان للاعتداء على الشيخ وجدي غنيم باعتبار أن هذه الأفكار لا يمكن القبول بها بتونس و اضطرت إدارة المهرجان لقطع  المحاضرة وإبلاغ الشيخ وجدي غنيم بان عليهم مغادرة المكان فورا لان الوضع لم يعد آمنا .

على أثر هذه المحاضرة دار جدال كبير بين الشيخ عبد الفتاح مورو والشيخ وجدي غنيم في الأروقة وفي ندوات إخوانية مصغرة وعلى شاشة الفضائيات وصل الأمر للشيخ عبد الفتاح مورو بأن يتهم الإخوان المسلمين في مصر بانهم يلعبون دور الأستاذ والمعلم و يفرضون عليهم أشياء لا تتوافق مع الواقع التونسي و لا مع المذهب المالكي المنتشر بتونس حتى في قراءة القران .

بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي تعامل الإخوان المسلمين بتونس بعقلانية مع الواقع فنصبوا يساريا رئيسا للدوله وهو المنصف المرزوقي و اكتفوا بالحكومة والبرلمان بعكس الإخوان المسلمين في مصر اللذين رفضوا هذا المبدأ وقالوا الرئاسة أولا و لم يحاولوا احتواء القوى و الفعاليات الأخرى الموجودة في المجتمع المصري و تعاملوا معها شكليا بينما أبعدوها عن المشاركة الحقيقية وبدلا من تهدئة الخواطر و احتواء القوى الأخرى و التعامل بواقعية مع نظام مصري يلاحق الإخوان المسلمين على مدى ستين عاما منذ عهد جمال عبد الناصر و ما تركت هذه الملاحقات من ثقافه راسخة لدى فئات حكومية و شعبية تربت على كراهية الإخوان المسلمين فواجه الإخوان المسلمون هذه الكراهية بكراهية مقابله فاحتدم الصراع على كافه المستويات الشعبية والإعلامية و السياسية و جند رجال الأعمال قنواتهم الفضائية الخاصة لشتم الإخوان ليل نهار بينما كان الإعلام الإخواني ضعيفا مهزوزا انجرف إلى الهاوية كما حدث في قصه الشيخ عبدالله بدر و الفنانة الهام شاهين و ما تلفظ به من ألفاظ بحقها فوجدت الفضائيات الخاصة فرصه ذهبيه كي تخوف المجتمع من سطوة الإخوان القادمة.

 قبل ثوره 14 يناير بتونس كان يعتبر الإخوان المسلمين و صولهم للحكم في أي بلد عربي هو حلم مستحيل ولكن بعد أن تحقق بتونس و مع هذا تردد الإخوان المسلمين بعد ثوره 25 يناير بالمشاركة في بداية الأمر خوفا من بطش نظام مبارك فيما لو لم يسقط النظام و كانت مشاركتهم متأخرة إلا أنها أن أعطت زخما جماهيريا كبيرا في ثوره 25 يناير و انتصرت الثورة و تحقق الحلم المستحيل للإخوان المسلمين إلى الوصول إلى حكم اكبر دوله عربيه و هي مصر .

و كما أن مصر رائدة و قائدة كما كانت في عهد جمال عبد الناصر و السادات و مبارك فأنها أصبحت المنطلق و الدافع لتصدير الثورات الإخوانية بالعالم العربي و خاصة في دول الخليج .

بين حكم إخواني هادئ في تونس و حكم إخواني صاخب في مصر كان سقوط الإخوان المسلمين بتونس يعكس ما زرعه الإخوان في سنوات ماضيه أي سقوطا هادئا بينما بعد عام واحد من حكم محمد مرسي كان سقوط نظام الإخوان في مصر صاخبا مدويا و انتهى الحال بهم كقياده إخوان ورئيس دوله إلى السجون في حين أن سقوط إخوان تونس يعيدهم إلى المعارضة لا اكثر ولا اقل .

خلال الشهور الأخيرة من حكم مرسي بدأت الأمور تهتز بالعالم العربي و كان يتوقع خلال عام أو عامين لو امتد حكم مرسي أن تندلع ثورات إخوانية بالعالم العربي بل كان يمكن أن تتحقق إسطوره الإخوان في معظم العالم العربي لتحويلها تحت راية الإخوان المسلمين لتصبح نموذجا كالاتحاد السوفيتي سابقا و لكن براية إسلامية و خلال الأشهر الأخيرة من حكم مرسي أيضا رفعت الدول العربية حاله الاستنفار إلى الدرجة القصوى خوفا من اندلاع الثورات الإخوانية التي تستمد دعمها من القاهرة.

بسقوط نظام محمد مرسي انتهت الأسطورة بتجربة قصيرة لها ما لها و عليها ما عليها و خلال عام واحد من حكم محمد مرسي وجهت اتهامات شنيعه للإخوان المسلمين و لمحمد مرسي شخصيا كان أهمها و ما نستطيع الاعتماد عليه كوثيقه حتى الآن هو الذي اعلن عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بان محمد مرسي عرض عليه إقامة دوله فلسطينيه في قطاع غزة حتى حدود العريش المصرية وأن الرئيس الفلسطيني رفض هذا العرض إضافة إلى اتهامات أخرى وجهتها وسائل الإعلام المصرية لمحمد مرسي بالموافقة على طلب أمريكي لتخفيض الجيش المصري إلى 75 ألف جندي و مشاركه قوات مصرية في سوريا ضد نظام الأسد و الموافقة على قاعده أمريكية في الغردقة والتنازل عن حلايب وسد النهضة في أثيوبيا كل هذه الاتهامات لم تصدر رسميا حتى الآن عن جهه رسميه مصريه ولم يصدر حكم قضائي بشأنها .

إذا صحت هذه الروايات و الاتهامات فهذا يعني أن أمريكا مارست ضغوطا شديده على النظام الإخواني في مصر من اجل القبول بهذه التنازلات التي رفضها السادات و مبارك قطعيا و بالتالي تأججت الثورة الشعبية في 30 حزيران وأسقطت نظام الإخوان و انحسر المد الإخواني في العالم العربي تماما و عاد الإخوان إلى حلمهم المستحيل للوصول للحكم في أي دوله عربيه على الأقل المدى المنظور .

هذه التجربة القصيرة والمريرة للإخوان تحتاج من قيادات الإخوان المسلمين إلى مراجعه للذات و قراءه دقيقه للواقع العربي .

رد الشيخ عبدالفتاح مورو على الداعية وجدي غنيم

 


التعليقات