"كواكب لاتغيب": سعيد سقط قبل الاحتفال بملابس العيد وأم تحسين شهيدة المخيم وحارسته

"كواكب لاتغيب": سعيد سقط قبل الاحتفال بملابس العيد وأم تحسين شهيدة المخيم وحارسته
رام الله - دنيا الوطن
جمعت الحلقة الثامنة عشرة من سلسلة "كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام فيمحافظة طوباس والأغوار الشمالية والاتحاد العام للمرأة بين حكاية الشهيد سعيد محمدخليل ( البرية)، الذي سقط برصاص الاحتلال في 28 آذار 1992، وقصة الشهيدة صبحية عبدالله أبو لبادة (أم تحسين)، حين قضت في 29 نيسان 2004 بعد استهداف منزلها بمخيمالفارعة بوابل من الغاز المدمع.

وأعادالأربعيني مروان البرية إلى ألذهان اللحظات الأخيرة لشقيقه سعيد، يوم سقط في كميننصبه جنود الاحتلال لشبان كانوا يستقلون سيارة في طريق زراعي قريب من الفارعة.يروي: كان أخي طويل القامة، ونحيف البشرة، وحنطي، وبشعر مجعد، وأحب المزاح والمرحكثيرًا. وخلال طفولتنا، كنا نلعب دائماً (الدقة والحاح)، وكرة القدم، والبنانير(الجلول). 

وفي أيام الشتاء الباردة، كان يذهب لإحضار الفحم من دار رسلان، ثم نشعلالكانون ونجلس لمتابعة المسلسلات البدوية الأردنية، وقصة هبوب الريح التي تحدثت عنمقاومة الاحتلال الإنجليزي. 

ورغم أن سعيد كان يكبرني بأربع سنوات، إلا أنه كانصديقي المُقرب.مصيدةالموتووفقمروان، الذي تربط عائلته باسمها تيمنًا بقرية البرية المدمرة ( جنوب شرق مدينةالرملة)، فإن شقيقه الذي كان يعمل داخل الخط الأخضر في سوق للخضار، عاد قبل وقتقصير من نابلس، حين رافق زوجته وابنتيه لشراء ملابس العيد، التي لم يرها علىطفلتيه، لكن ما أن مضت لحظات قصيرة، إلا ورافق ثلاثة من الشبان بسيارته، ليكتشفأربعتهم أنهم وقعوا في كمين للاحتلال، فوصلت له رصاصه اخترقت الظهر، وفتحتالرئتين، فيما استطاع رفيقه الهرب من تحت زخات الرصاص ومصيدة الموت، واعتقلوا  الشابين زياد وإياد برية.

يقول:حين سمعنا من أهالي المخيم أن الشاب المطارد سامي زهران  ركض لأكثر من 300 متر، ولم يصبه الرصاص، وضعنا أيديناعلى قلوبنا، وبعد وقت قصير، قال لنا الجيران إن سعيد أصيب، بعد أن غرقت سيارته فيالوحل على الطريق الترابي المجاور. 

ثم توجهت سيارة الإسعاف إلى المكان، وكان المسعف علي شاهين، وجاء بعد وقت قصيرجارنا فتحي مسعد، وقال لي: أخوك استشهد.شهيدفي المعتقل!نقلالبرية إلى مستشفى المستشفى، وقبل أن يصل نابلس، اختطف جيش الاحتلال، وبقيعندهم  خمسة أيام، وأحضروا شيخًا من طوباسلدفنه بالليل، غير أن الأسرة رفضت، وهددوها بنقله إلى مقبرة الأرقام، وجرت مفاوضاتمع الجنود، وسمح لعدد قليل من العائلة بالمشاركة في تشييعه.

يتابع:طلب منا شيخ المخيم أن نغسل أخي، لمضي عدة أيام على جرحه، واشترط الاحتلال منا أنيجري تغسيله في معتقل الفارعة العسكري، وطلبت أمي منا أن نحمل الماء من البيت؛ لأنمياههم نجسة، ولن تسمح لأحد منهم بوضعها على جثمانه.كانسعيد مغرمًا بعالم السيارات، وحلم بإكمال بناء منزله، وبتأسيس مزرعة خاصة للدواجنلتعيش منها العائلة، وهي أحلام أكملها شقيقه مروان، الذي يتذكر حب أخيه لطبقالمفتول كل أسبوع، وطلبه من والدته وصفية أن تكررها دائمًا.إعدامبلا رصاصبدوره،روى محمود أمين أبو لبادة التفاصيل الأخيرة المؤلمة التي شهدها مساء الخميس 29نيسان 2004، حين أغلق الشبان الشارع الملاصق لمنزل العائلة ببعض الأدواتالكهربائية القديمة، لإعاقة اجتياح آليات الاحتلال للمخيم، التي طوقت منزلنا منجهتين، وبدأت تطلق قنابل الغاز السامة داخل البيت، ولم يكن غير زوجتي  الحاجة صبحية (55 عاماً) وأنا فيه، فشعرناباختناق شديد، وصرنا نزحف على الأرض، نحو الباب الخارجي، وعندما نجحت في فتحه، سمعالجنود الصوت، أطلقوا قنبلتين علينا مباشرة، فازداد اختناقنا.ووفقأبو لبادة، فإنه اتصل في اللحظات الأولى لرمي جنود الاحتلال القنابل على بيتهبالإسعاف، غير أن الجنود أعاقوا وصولها، فحاول سائقها اجتياز طريق بديل أطول، وماأن وصلهم بعد عدة محاولات وإعاقة، نقلا إلى عيادة المخيم، ثم إلى مستوصف بطوباس.

ومما لا ينساه أبو تحسين كلمات الأطباء عن خطورة حال الزوجة الصحي، وإنها إناستطاعت الصمود خمسة دقائق أخيرة، واستفراغ ما شربته سيكتب الله لها عمرًا جديدًا.يوالي:قلت للطبيب إننا لم نشرب شيئًا، ثم قرروا نقلنا إلى الرازي في جنين، وقدموا ليالإسعاف، وفصلوني عن زوجتي، وحين استيقظت، أجلسوني بعيدًا عنها، ومنعوني من الدخولإلى غرفتها. 

وحين كنت أسألهم عنها، كانوا لا يردون. ورحت اشرح لهم أوضع منعالتجول، وضرورة العودة إلى الفارعة قبل الغروب، إلى أن جاء أحد الأطباء، وسمعتهيقول لزميلة: ( أنتم لم تخبروه بعد!)، وبعد وقت قصير، شاهدتهم يخرجون جثة إلىالثلاجة، وعندها تيقنت بأن زوجتي قد رحلت عن الدنيا، وقد وجدت نفسي بعد إغماء، في منزلشقيقتي أم حاتم، وكان الليل يقترب من نهايته، فسألت عن أم تحسين، وعن سبب وجودي فيغير بيتي، فلم يردوا عليّ، وبعد وقت قصير علمت باستشهادها.ذكرياتوحجارةوممالا يسقط من ذاكرة أبو لبادة، عن رفيقة دربه، وابنه عمه، التي ولدت في الفارعة عام1952، أنها كانت لا تخشى شيئاً، وصاحبة فطنة، وحس وطني كبير. وبحكم وجود منزلها في(حارة المواجهة)، كانت تشارك في فعاليات الانتفاضة، وفتح أبواب بيتها لمساعدةالشباب، وتأمين المأوى للمطاردين، وإعداد الطعام لنشطاء الحجارة.يقول:منذ بدايات الانتفاضة اعتقل الاحتلال أولادنا تحسين وأمين ومحمد، وصرنا نتعذب فيالزيارات، حيث توزعوا على النقب وعتليت، وسجن جنين المركزي، وكان أمين صاحبالبطاقة الخضراء الأولى ( الهوية التي كان الاحتلال يصدرها للأسرى المحررين عوضاًعن البطاقة برتقالية اللون؛ لإعاقة حركتهم)، وغالباً ما كان الجيش يقتحم بيتنا.يوالي:كانت أم تحسين تحمي الشبان، وتمنع جنود الاحتلال من اعتقالهم، وتبنت الكثير من الأسرىالذين لم يستطع أهلهم من زياراتهم في سجن الفارعة، وتعد لهم الطعام، وتتواصل معهم،وحين يفرج الاحتلال عن الشبان، كنا تفتح بيتها لهم، وكانت توفر لهم الطعاموالمبيت، وبقينا على تواصل معهم ومع أسرهم في محافظات طولكرم والخليل ونابلس.وبحسبما يستجمعه السبعيني أبو لبادة، فإن زوجته أخفت عنه طريق حماية أحد الشبانالمطاردين من بلدة طمون المجاورة، حين وفرت له ثيابًا غير التي كان يلاحقه بهاالجنود، ولم يكتشف أمرها، إلا بعد أكثر من 20 سنة، حين وجد الملابس في جوف إناء منالفخار مخصص للأزهار، كسر بالصدفة، بعد استشهادها.شجاعةيسترد:لا أنسى اليوم الذي كنا فيه نعالج أبننا أمين في المستشفى الوطني بنابلس، وحيناستولى جنود الوحدات الخاصة (المستعربون) على سيارتنا الخاصة ذات السبعة ركاب،ذهبت إلى مخيم العين المجاور، وأعطت الشبان مواصفات المركبة، وطلبت منهم تكسيرهاعلى من فيها، وفعلوا.يفيد:كانت زوجتي تأخذ دور الأم للعديد من جرحى المخيم، وحين تذهب إلى المستشفى لمرافقتهم،كانت توقع على قرار إجراء العمليات الجراحية لهم، أو إخراجهم المبكر منه علىمسؤوليتها. فيما تعرضت لاعتداء مرات عددية بالهراوات من قبل الجنود.واستنادًاإلى أبو لبادة، فإن زوجته أصرت حين اعتقل الاحتلال أولادهم الثلاثة حفاة الأقدامعلى تلبيسهم للأحذية، وجابهت الجنود، وجنن جنونها بعد أن رأت الدماء تسيل من أقدامهم،وهم يجبرون على المشي فوق الزجاج المحطم في أزقة المخيم.تأريخبدوره،ذكر منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، أن سلسلة "كواكب لاتغيب" تسعى بالشراكة مع التجمع الوطني لأسر الشهداء إلى جمع قصص شهداء الحريةفي إصدار مطبوع خاص، يتعمق في سرد حكاياتهم الإنسانية وأحلامهم ولحظات رحيلهم.  




التعليقات