58 عام على ذكرى مذبحة كفر قاسم

58 عام على ذكرى مذبحة كفر قاسم
نقلها هشام ساق الله 
 مذبحة كفر قاسم عشية العدوان الثلاثي على مصر عهدت قيادة الجيش الإسرائيلي إلى إحدى الكتائب مهمة المرابطة على الحدود الأردنية الإسرائيلية وألحقت بها وحدة حرس الحدود التي يقودها الرائد شموئيل ملينكي على أن يتلقى أوامره مباشرة من قائد الكتيبة يسخار شدمي الذي أعطى سلطات كاملة من ضمنها فرض منع التجول ليلا على القرى العربية الموجودة في منطقة عمل كتيبته وهي قرى المثلث، كفر قاسم، وكفر برا، وجلجولية، والطيرة، والطيبة وقلنسوة، وبير السكة، وابتان.

كفر قاسم’ هي مدينة عربية فلسطينية داخل حدود عام 1948 لفلسطين التاريخيه تقع في قلب البلاد بالتمام على ربوة بارتفاع 150 متراً فوق سطح البحر، على بعد 20 كم شرقي مدينة يافا، تل أبيب اليوم، و8 كم شمال شرقي مدينة ملبس بيتاح تكفا اليوم)، وعلى بعد 40 كم من مدينة نابلس. وتبعد القدس عنها 60 كم. وهي من التجمعات العربية الحدودية الواقعة غربي الخط الأخضر، وهذا بالإضافة كونها أحد تجمعات منطقة المثلث وتقع في قاعدته الجنوبية. واكتسبت أهميتها الاستراتيجية كونها تقع على تقاطع طرق التجارة بين الشام ومصر وبين يافا ونابلس، هذا بالإضافة إلى خصوبة أرضها وقربها من منابع نهر العوجا الذي يصب مياهه في البحر المتوسط بالقرب من يافا..

في 29-10-1956 وهو اليوم الذي بدأ فيه العدوان الثلاثي على مصر استدعى شدمي الرائد ملينكي إلى قيادته وابلغه المهمات الموكولة إلى وحدته والتعليمات المتعلقة بطريقة تنفيذها، واتفقا على أن يكون حظر التجول على القرى المشار إليها من الساعة الخامسة إلى السادسة صباحاً، وطلب شدمي من ملينكي أن يكون منع التجول حازما لا باعتقال المخالفين وإنما بإطلاق النار.

وقال له :” من الافضل قتيل واحد ” ( وفي شهادة أخرى عدة قتلى) بدلاً من تعقيدات الاعتقالات، وحين سأل ملينكي عن مصير المواطن الذي يعود من عمله خارج القرية دون أن يعلم بأمر منع التجول قال شدمي:” لا اريد عواطف” وأضاف بالعربية:” الله يرحمه”.

توجه ملينكي اثر ذلك إلى مقر قيادته وعقد اجتماعا حضره جميع ضباط الوحدة وابلغهم فيه أن الحرب قد بدأت وافهمهم المهمات المنوطة بهم وهي تنفيذ قرار منع التجول بحزم وبدون اعتقالات وقال:” من المرغوب فيه أن يسقط بضعه قتلى”.

جرى بعد ذلك توزيع المجموعات على القرى العربية في المثلث واتجهت مجموعة بقيادة الملازم غبرائيل دهان إلى قرية كفر قاسم.

وقد وزع دهان مجموعته إلى أربع زمر رابطت أحداهما عند المدخل الغربي للقرية.
وفي الساعة الرابعة والنصف من مساء اليوم نفسه استدعى رقيب من حرس الحدود مختار كفر قاسم وديع احمد صرصور وابلغه فرض منع التجول وطلب منه إعلام أهالي القرية بذلك، فقال له المختار إن هناك400 من الأهالي في العمل خارج القرية ولن تكون مدة نصف الساعة الباقية كافية لإبلاغهم ومسؤولية الرقيب أن يدع جميع العائدين من العمل” يمرون على مسؤوليته ومسؤولية الحكومة”.

وفي الساعة الخامسة تماماً بدأت المذبحة عند طرف القرية الغربي حيث رابطت وحدة العريف شالوم عوفر على المدخل الرئيس فسقط43 شهيداً، وفي الطرف الشمالي للقرية سقط ثلاثة شهداء، وفي داخل القرية سقط شهيدان وأما في القرى الأخرى فقد سقط في قرية الطيبة، وهو صبي عمره 11 عاماً، وكان من بين الثلاثة والأربعين عربيا الذين قتلوا عند مدخل القرية سبعة من الأولاد والبنات وتسع من النساء شابات ومسنات أحداهن عمرها 66 عاماً وان الثلاثة الذين سقطوا في الطرف الشمالي للقرية فكان من بينهم ولدان عمراهما 9و15عاماً وفي وسط القرية سقط شهيدان من بينهما طفل عمره عمره 8 سنوات، وهكذا لم يتوقف أطلاق النار إلا بعد أن أصيب تقريبا كل بيت في كفر قاسم التي لم يكن عدد سكانها بتجاوز الألفي نسمة في ذلك الحين.

حاولت حكومة بن غوريون التكتم على المجزرة وإخفاء وقائعها حتى عن اليهود، إلا أن المعلومات التي بدأت تتسرب عن بشاعة ما حدث ( ولعل ذلك بهدف دفع عرب المثلث إلى الرحيل). مما اضطر الحكومة إلى إصدار بيان حول الحادث في 11-11-1956 وقام رئيس الحكومة ديفيد بن غوريون بتعيين لجنة تحقيق لاستيضاح ظروف الحوادث في القرى يوم 29-10-1956 ومعرفة مدى مسؤولية رجال حرس الحدود ضباطها وعرفاء وعساكر وما إذا كان من الواجب إحالتهم على المحاكمة وبيان التعويضات التي على الحكومة أن تدفعها للعائلات التي تضررت.

وقد توصلت اللجنة إلى قرار بإحالة قائد وحدة حرس الحدود وعدد من مرؤوسة الذين نفذوا أمراً غير قانوني إلى المحكمة العسكرية، وان الحكومة قررت دفع مبلغ فوري مقداره ألف ليرة إسرائيلية لكل عائلة متضررة، وقد استطاع عضو الكنيست توفيق طوبي وماير فلنر أن يخترقا الحصار المفروض على القرية فدخلاها يوم 20-11-1956، ونقلا أخبار المذبحة إلى أوري افنيري (صحفي إسرائيلي وعضو سابق في الكنيست ومؤسس حركة القوة الجديدة) وبدأت الحملة الإعلامية التي تمخضت عن عقد جلسة للكنيست استمرت 12 دقيقة حاول فيها توفيق طوبي فضح الجريمة ولكنه قوطع بصرخات أعضاء الكنيست، أما المجرمون الذي نفذوا المذبحة البشعة أو أصدروا الأوامر للقيام بها فقد استمرت محاكمتهم قرابة العامين، وفي 16-10-1958 صدرت الأحكام التالية بحقهم: حكم على الرائد شموئيل ملينكي بالسجن17 عاماً وعلى غبرائييل دهان وشالوم عوفر بالسجن 15 عاماً بتهمة الاشتراك في قتل 43 عربياً وأما الجنود الآخرون فحكموا بالسجن لمدة 8 سنوات بتهمة قتل 22 عربيا إلا أن العقوبات لم تبق كما هي فقد قررت محكمة الاستئناف تخفيفها فأصبحت 14 عاماً لميلنكي و10 أعوام لدهان و9لعوفر، ثم جاء دور رئيس الأركان فخفض الأحكام عند مصادقته عليها إلى 10 أعوام لميلنكي ولعوفر و4 سنوات لسائر القتلة، ثم جاء دور رئيس الدولة الذي الذي خفض الأحكام إلى 5 اعوام لكل من ملينكي وعوفر ودهان، وأخيرا جاء دور لجنة إطلاق سراح المسجونين فساهمت بنصيبها وأمرت بتخفيض الثلث من مدة سجن كل واحد من المحكوم عليهم، وهكذا أطلق سراح أخر واحد منهم في مطلع عام 1960 أي بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف على المذبحة.

أما العقيد يسخار شدمي الذي كان صاحب الأمر الأول في هذه المذبحة فقد قدم إلى المحاكمة في مطلع عام1959 وكانت عقوبته التوبيخ ودفع غرامة مقدارها قرش إسرائيلي واحد.

وقد اعتقدت حكومة بن غوريون أنها بهذه المحاكمة الصورية لشدمي استطاعت أن تنفي مسؤوليته عن هذه الجريمة وتنفض عن نفسها بشاعتها ناسية أن التاريخ سيظل يحمل (إسرائيل) برمتها عارها.

التعليقات