المنطقة العازلة .. وبيت المقدس

المنطقة العازلة .. وبيت المقدس
كتب غازي مرتجى
أدمى الحادث الارهابي في الشيخ زويد قلوبنا وشتّت أفكارنا  رغم انّ الموت والدم أصبح "عادة" لا يمكن ان نعيش بدونه بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة , لكن هذا الحادث الارهابي الاجرامي الذي أوقع ما يقارب الخمسين جندياً من خير أجناد الارض بين شهيد ومصاب تمّ على أيدي مدعّي الدين والاسلام الذين اعتبروا قتل جنود أبرياء همهم الأول والأخير حماية تراب بلادهم انتصاراً للإسلام وعزّة للمسلمين .

المضحك المبكي في الحادث الارهابي الشنيع استخدام الجماعة المنفذة اسم "بيت المقدس" كعنوان لتنظيمها , ونسيت هذه الجماعة أو تناست ان بيت المقدس مُهدد بالانهيار والهدم في لحظة وضحاها , وغفلت هذه الجماعة الطابع ربنا على قلوب مسؤوليها انّ التقسيم الزماني الذي سرى بعنجهية الاحتلال سيسري بعده تقسيماً مكانياً لتصبح القدس أثراً بعد عين .. وجماعة بيت المقدس لا تزال في جحورها تقاتل جنود مسلمين يشهدون بالوحدانية ويؤمنون بالرسالة .

اما بيت المقدس الذي يصرخ بوجه الفلسطينيين قبل المسلمين والعرب فإنّه مهدد بالانهيار وبدأت اسرائيل بانفاذ قانونها الجديد بتقسيم زمان الصلوات بين المسلمين واليهود وستُنفذ في المرحلة القادمة مشروع تقسيمه مكانياً بحيث يكون حائط البراق مكاناً للاسرائيليين وقبة الصخرة مكاناً للفلسطينيين والاسرائيليين معاً .

المُطلّع على سخونة الأحداث في القدس ومدى الهجمة الاسرائيلية البربرية على المواطنين عامة والمقدسيين بشكل خاص يجد ان اسلوب اسرائيل التاريخي بفرض الأمر الواقع يُنفّذ في الأقصى وهو في مراحله الأخيرة .

في نهاية عام 2000 حاول آرئيل شارون ريس الوزراء الاسرايلي الاسبق اقتحام المسجد الاقصى كنوع من الاستفزاز لمشاعر المسلمين والمقدسيين فهبّت انتفاضة شعبية بدأت من القدس  واستمرت لأعوام عدّة  تسارعت بها الأحداث وتوسطها اغتيال ياسر عرفات واحمد ياسين وابو علي مصطفى وعدد كبير من قيادات الشعب الفلسطيني عدا عن مئات الشهداء والجرحى الذين هبّوا نصرة للمسجد الأقصى , لكن ومنذ عامين ولو قمنا بتعداد اقتحامات المتطرفين المستوطنين للمسجد الاقصى والعربدة فيه ستجد ان المتوسط اقتحام يومي للمتطرفين او المنظمات اليهودية المتشددة , بل واقاموا فيه حفلات ماجنة وراقصة وعدد منهم تجاوز الحدود ووضع الهيكل وسط المسجد , وهكذا حتى وصلنا الى المرحلة الحالية التي جعلت المواطنين غير مبالين باقتحام المتطرفين للمسجد وأشك انه في حالة هدمه او انهياره فلن تجد من المتعاطفين او الثائرين الكثير .. ولحالة الجمود هذه اسباب كثيرة لا يمكن حصرها بكلمات بسيطة .

من الأمور الهامة التي يجب التنبه لها كاعلام فلسطيني واتمنى على زملانا المصريين ايضاً الاخذ بها , عدم التصريح باسم جماعة بيت المقدس مفرداً بل يجب اظهار ما يحيك بالقدس والاقصى في كل تقرير يرصد شذوذ الجماعة وعملياتها الارهابية لعلّ قاريء منهم يخجل من نفسه مرة واحدة عندما يتذكّر انّ الأقصى في خطر وجماعته في غيّها تائهة .

الاجراءات المصرية التي يتم تسريبها لتنفيذها على الحدود مع قطاع غزة خطيرة , رغم انها جزء اصيل من الحق المصري بالدفاع عن تراب بلدهم وحماية أمنهم القومي , لكن لو كانت غزة بالفعل جزء من عملية المؤامرة التي تُحاك ضد مصر , وأعتقد بحكم اطلاّعي ان غزة بريئة من ذلك حتى لو كانت هناك تصرفات فردية شاذة.

لو كنت مكان حركة حماس وهي تقول ذلك دوماً على الاعلام لقمت باخلاء معبر رفح والشريط الحدودي ليقوم حرس الرئاسة والجهات المختصة في حكومة الوفاق الوطني بتسلّم زمام الأمور مباشرة وعدم ركن الأمر الى مفاوضات جديدة او لقاءات محاصصة قد تفضي الى اتفاق والأكيد انها لن توصلنا اليه .

باعتقادي انّ الأمور في غاية الخطورة ومقترح المنطقة العازلة بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية في حال تنفيذه بالمستوى الذي يتم الحديث به له تداعياته مستقبلاً , فلا يمكن لفلسطيني أياً كان انتماؤه ان يهون عليه رؤية دم شقيقه الجندي المصري الذي دافع وقدم الشهداء لأجل فلسطين على مر العصور , بل كانت ولا زالت مصر هي السند الحقيقي والحامي الأكثر صرامة للقضية الفلسطينية .

التعليقات